ثالثاً- بعض ما ورد في التفسير والتأويل:

1) سُئل الإمام الرضا(ع) عن تفسير (الحمد لله رب العالمين) فنقل عن آبائه عن أمير المؤمنين(ع) فقال: (الحمد لله: هو أن عرّف عباده بعض نعمه عليهم جُملاً إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال لهم قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا، رب العالمين: وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات فأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلاً منها بمصلحته وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ويمسك المتصل منها أن يتهافت ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ويمسك الأرض أن تنخسف إلا بأمره إنه بعباده رؤوف رحيم) عن نور الثقلين1 ص17 عن أخبار الرضا(ع).
2) وفي تفسير (اهدنا الصراط المستقيم): قال الإمام الصادق(ع): (قال هو الطريق إلى معرفة الله وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه في الآخرة فتردى في نار جهنم). أحسن الحديث ص134 عن الميزان ج1 ص39 ط1.
وعن الإمام السجاد(ع) قال: (نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه ونحن تراجمة وحيه ونحن أركان توحيده ونحن موضع سره). عن الميزان ج1 ص39.
3) وفي تجاوب الله سبحانه مع العبد في قراءة سورة الحمد في الصلاة قال الإمام الصادق(ع) عن آبائه عن النبي (ص) : (أنه يقول قال الله عزوجل قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، وقال: إذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله جل جلاله بدأ عبدي باسمي وحق علي أن أتمم له أموره وأبارك له في أحواله وإذا قال الحمد لله رب العالمين، قال الله جل جلاله حمدني عبدي وعلم أن النعم التي له من عندي وأن البلايا التي اندفعت عنه فبتطولي أشهدكم فإني أضيف له إلى نعيم الدنيا نعيم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله جل جلاله شهد لي بأني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرنَّ من نعمة حظه ولأجزلنَّ من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله تعالى: أشهدكم كما اعترف بأني أنا الملك يوم الدين لأسهلنَّ يوم الحساب حسابه ولأثقلنَّ حسناته ولأتجاوزن عن سيئاته، فإذا قال العبد: إياك نعبد قال الله عزوجل صدق عبدي وإياي يعبد أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته لي، وإذا قال: وإياك نستعين: قال الله تعالى بي استعان وإليَّ التجأ أشهدكم لأعيننه على أمره ولأغيثنه في شدائده ولأخذنَّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة، قال الله جل جلاله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل فقد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل وأمنته بما منه وجل) أحسن الحديث 145.

4) ((الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)): عن الإمام الصادق(ع): (أما الم في أول البقرة فمعناه أنا الله الملك)، وعنه: (الم رمز وإشارة بينه وبين حبيبه محمد (ص) أراد أن لا يطلع عليه سواهما بحروف بعدت عن درك الاعتبار وأظهر السر بينهما لا غير)، وعنه: (قال هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلفه النبي والإمام فإذا دعا به أجيب). عن نور الثقلين1 ص319.
((ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ)): عن تفسير الإمام العسكري(ع): (ثم قال الله تعالى الم هو القرآن الذي افتتح بالم هو ذلك الكتاب الذي أخبرت به موسى فمن بعده من الأنبياء فأخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتاباً عزيزاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا ريب فيه: لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم، أن محمداً (ص) ينزل عليه كتاباً لا يمحوه الباطل).
وفي تفسير آخر أو تأويل قال إن ذلك إشارة إلى ولاية علي أمير المؤمنين بعد رسول الله وأنها أمر لا ريب فيه يهتدي بها المتقون وفي تفسير ثالث أنه إشارة إلى خلقتك أيها الإنسان وأنك لو عرفت نفسك لكنت من المتقين واهتديت إلى التقوى من الله تعالى، وكما قال الإمام أمير المؤمنين:

دوائك فيك ولا تشعر

 

وداؤك منك ولا تبصر

وأنت الكتاب المبين الذي

 

بأحرفه يظهر المضمر

أتحسب أنك جرم صغير

 

وفيك انطوى العالم الأكبر

5) ((فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ)):
عن ابن المغازلي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي 4 (عن الكلمات التي تلقاها آدم(ع) من ربه فتاب عليه؟ قال سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فتاب عليه وغفر له)، وفي حديث آخر جبرائيل لآدم(ع): فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك، (اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم اللهم إني ظلمت نفسي فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقاها آدم). عن الدر المنثور1 ص61.
7) ((وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ)): عن أمير المؤمنين(ع) يجيب يهودياً حين قال: (فإن موسى قد ظلل عليه الغمام، فقال له الإمام(ع) لقد كان كذلك وقد فعل ذلك لموسى في التيه وأعطى محمداً (ص) أفضل من هذا إن الغمام كانت لمحمد (ص) تظله من يوم ولادته إلى يوم قبض في حضره وسفره فهذا أفضل مما أعطى موسى(ع) ) نور الثقلين.
8) ((وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) )): عبادة الله على قسمين منها ما ورد كونها عبادة كالصلاة والحج والزكاة وما شابه، ومنها يستطيع المؤمن أن يعمل كل أعماله الواجبة والمستحبة والمباحة بنية العبادة ويكون له أجر نية القربة فيقول إني آكل قربة إلى الله وأنام وأنكح وأمشي إلى عملي وهكذا كلها بنية القربة إلى الله تعالى لأن في كل عمل للمؤمن تكامل إنساني بدني قد أمر الله تعالى به فيصح نية القربة به لرجحانه عند الله وذلك معنى العبادة، وفي الحديث أنه قال رجل للنبي (ص) أوصني يا رسول الله (ص) فقال لا تشرك بالله شيئاً وإن حُرِّقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالإيمان ووالديك أطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإن ذلك من الإيمان)، وعن الإمام الصادق(ع): (ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله عزوجل ببره وصلته خيراً كثيراً).
وعن الأقرباء:
قال رسول الله (ص) : (من رعى قرابات أبويه أعطي في الجنة ألف ألف درجة) ثم فسر الدرجات، ثم قال (ومن رعى حق قربى محمد وعلي أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي على أبوي نسبه).
وعن القول الحسن: قال الإمام الحسن(ع): (قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم فإن الله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين المتفحش السائل الملحف ويحب الحليم العفيف المتعفف). عن تفسير البرهان 1 ص77.
وعن النبي (ص) : (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء).

9) ((اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (23) )) سورة الزمر. إن هذا من الأوصاف الدقيقة للقرآن الكريم فإنه كتاب مثاني أي تكرر فيه العقائد والمواعظ والقصص للترسيخ الفكري والعملي، وإن الإنسان إذا صار ملازماً للقرآن ساهراً عليه ليله تالياً له في آناء الليل وأطراف النهار فإنه يحس في نفسه تمام الخشوع واطمئنان الروح وسكون البدن إلى ذكر الله تعالى، فإذا حصلت هذه الحالة فهو من الهداية وأما القاسي قلبه الذي لا يخشعه ذكر الله فهو ضال قد حكم الله عليه بذلك.