ثانياً- تفسير القرآن وتأويله وعهد الله للأئمة:

ورد في الحديث: (من فسّر القرآن برأيه أكبه الله على منخريه في النار).
عن جابر قال: قال أبو عبد الله(ع) يا جابر (إن للقرآن بطناً وللبطن ظهراً ثم قال يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه، إن الآية لتنزل أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه).
أقول: ولذا يجب التمسك بأهل بيت النبي (ص) الراسخين في العلم وأخذ القرآن منهم فإنهم تراجمة الوحي وتتبع أقوالهم موصل إلى الصواب في فهم بعض أسرار القرآن فضلاً عن فهم ظواهره ثم إن في طريقك لفهم القرآن عليك أن تعرف بأن فيه تفسير وتأويل ولذا ورد أن للقرآن سبعة بطون وسبعة ظهور أي سبعة تفاسير لظاهره وسبع تأويلات لأسراره، فلو سمعت من النبي (ص) أو أحد المعصومين تفسيراً أو تأويلاً ومن إمام آخر تأويلاً وتفسيراً آخر فلا تتعجب ولا تكذب ما زاد عن الواحد، وورد في الحديث عن النبي (ص) أنه قال: (إن منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل النبي من هو؟ فقال خاصف النعل، يعني أمير المؤمنين)، إذ أن الذين حاربوا الإمام(ع) أولوه للناس بحسب أهوائهم ومصالحهم والإمام(ع) أوضح للناس في مواقفه أن الدين وتفسير القرآن وتأويله لا يصحِّح لهؤلاء المناصب التي تزعموها ويبطل آراءهم وسيرتهم التي زعموا بأنها بمقتضى الدين.
وهكذا مواقف الزهراء(ع) وخطبتها الطويلة حيث أنها لم تقصد أرض فدك بقدر ما قصدت فضح خطة الزعامة المنسوبة لمقتضيات الإسلام والزهراء(ع) إنها ولية الله ولم تقم بالخطاب إلا بعهد معهود من الله ورسوله ووليه وتمام ما ابتلي به النبي وابنته وأمير المؤمنين والأئمة الإثنى عشر(ع) وشيعتهم كله مدروس، وقد أعطوا على ذلك العهود والمواثيق لرسول الله وجبرائيل بأن يصبروا ويتحملوا كل ذلك وأن يوصوا شيعتهم بالصبر والتحمل حتى يثابوا ويؤجروا أجر الشهداء والمبتلين في سبيل الله وأن كل جريمة بحق الإمام وأهل بيته من كل أحد هي معلومة بالتفصيل لذلك الإمام(ع) الذي ابتلي بها ومأمور بالصبر ولذا قال الإمام الحسين(ع) حين رأى كثرة الأعداء (لولا تقريب الأجل وإحباط الأجر لانتصرت عليهم بهؤلاء وأشار إلى ملائكة السماء)، وأنه أخبر بمقتله بصورة شبه مفصلة من قبل وقوعه، ومن ذلك أن الحر الرياحي وعسكره حين كان يمانع الإمام(ع) من مواصلة المسير يقول له إني سوف لا أواصل السير وأنزل حيث تريدون ولكن دع الفرس يسير قليلاً فإنه مأمور فلما توقف الفرس قال الإمام(ع): ما اسم هذه الأرض قالوا نينوى قال ثم ماذا قالوا الغاضريات قال ثم ماذا؟ قالوا: شاطئ الفرات. قال: ثم ماذا؟ قيل يقال لها كربلاء فقال انزلوا والله إن هاهنا مناخ ركابنا ومقتل رجالنا وحرق خيامنا ومذبح أطفالنا وسبي نسائنا، ولما قال له ابن عباس في مكة يا حسين لا تخرج إلى العراق... فقال شاء الله أن يراني قتيلاً. قال: فما سبب حملك لهذه النسوة. قال: شاء الله أن يراهن سبايا.
إذن الخطة مدروسة كاملاً للإمام(ع) وأنه يريد أن لا يحبط أجره ويعالج العهد.
وقد ور في تأويل قوله تعالى: (كهيعص) أنها كربلاء وهلاك عترة الرسول ويزيد الملعون وعطش الحسين(ع) وصبر الحسين، فهذه هي التطبيقات في تأويل القرآن وهذه كلها لا يفهمها ولا يؤمن بها أكثر هذه الأمة وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، قال الله تعالى: ((وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)).