47) الأصل الثالث النبوة:

والنزاع مع الجاهلين قائم في زعمهم أن الأنبياء يعصون ويأتون بالآيات التي يظهر منها ذلك وهم يجهلون واقعها وأوصي المؤمنين بمراجعة كتاب تنزيه الأنبياء للسيد المرتضى (رض) لئلا يصدقوا أولياء الشيطان.
وكان عليهم أن يتهموا الله سبحانه بالمعصية أولاً إذ كيف اعتمد سفراء على العباد هم في أنفسهم عصاة وأراد من البشر إطاعتهم وفي إطاعة العصاة عصيان وليس بطاعة فما حل هذا التناقض؟ وما المقصود بقوله تعالى: ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى...)) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) ((لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ)) ((فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)) ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ))، واعلم بأن هذه الأقاويل كلها من صناعة بني أمية دفاعاً عن جرائم خلفائهم، ومن بعدِهم أخذها سفلة الأمة على أنها أحاديث شريفة، أقول تكفيهم الآية الكريمة: ((وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) )) الأنعام.
2 – وقالوا بأن النبي لم يكن مؤمنا ولم يعلم شيئا قبل بعثته مستندين على آية ((وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلاَ الإيمان وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) )) الشورى.
والجواب:
أولاً: الرواية المتفق عليها: (كنت نبياً وآدم بين الماء والتراب).
والثاني: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني الإيمان بالله وكتبه ورسله (إلا أن أبويه يهودانه أو يمجّسانه أو ينصرّانه).
والثالث: قول عيسى: ((آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً)) مريم، ونبي الإسلام أولى بجعله نبياً وإيتائه الكتاب والإيمان من حين الولادة بل قبلها في مراحل النور ثم الذر ثم تناقل النطفة.
والرابع: أن الآية لم تنفي إيتاءه الإيمان بالمرة ((وَلكِنْ جَعَلْناهُ)) أي القران على المشهور ولنا فيه تأويل لا يفهمه هؤلاء القالة ((نوراً)) أي علماً وإيماناً ((نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا)) والمخاطب غير مشمول بالهداية إلا بتأويل صعب وحشرا مع الناس وليس هو الواسطة للهداية، نعم الجملة الأخيرة (وانك لتهدي..) أثبتت أنه هو الواسطة من الله للناس في الهداية إلى الحق ولكنها بعيدة عن زعم عدم الإيمان ولم تقيد كونه هادياً من بعد الوحي بل وقد ثبت تاريخيا بالنص المتواتر القطعي أن النبي كان متعبدا لله مؤمنا وكان هاديا للحق من قبل أن يوحى إليه حتى عرف بالصادق الأمين وكانوا يسمّونه أيضاً الفاصل الحكيم ويرجحون عقله على عقولهم ويخضعون لحلوله عند النزاع كما في قصة بناء الكعبة ووضع الحجر الأسود وهذا بالإضافة إلى أنه لا ينطق عن الهوى غير مقيد بزمان وحال، وتفسير هذه الآية بعدم إيمانه قبل النبوة يناقض كثيراً من التوجيهات الثابتة في الدين والمتفق عليها والحال الأكثر اعتباراً هو قول الإمام الصادق(ع): (إن القرآن أكثره نزل بإيّاكِ اعني واسمعي يا جارة) فالمخاطب هو النبي ولكن المقصود غيره وإلا فلو اتهمناه بكل ما خوطب به لكان النبي أشد المشركين بالله وأشد الظالمين وحاشاه عن ذلك إذ يقول الله تعالى: ((لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (65) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66) )) الزمر.
وقوله تعالى ((وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) )) مما تجعل فيه إمكان كونه في ضلال مبين وإنما هذه المخاطبات هي مسايرة وملاينة مع الكفار لجلبهم للإسلام وقد نفعت مقصودها وجلبت جماعة كبيرة بهذا الأسلوب فافهم ذلك ولا تتعصب للجهل والعمى.
3– وقالوا: أن الرسول لا يعلم كل شيء من أمر الناس وما عند الناس حتى روى البعداء عن الإسلام ممن يسمَّون محدثي الإسلام أن النبي قال للفلاح (أنتم أعلم بأمور دنياكم) ولكنهم غافلون كما هي العادة عن الأدلة القاطعة ومنها قوله تعالى ((وَكُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (12) )) يس فإذا لم يكن النبي والإمام من بعده هو الإمام فمن هو الإمام الأفضل منهما والأَولى وقوله تعالى: ((وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ)) يوسف فإذا كان في القران تفصل كل شيء فكيف يكون النبي(ص) لا يفهم كل شيء.
ولو كان جاهلا في بعض شؤون الناس لأمكن خداعه والإخفاء عنه بدون ان يحس بالخديعة فيبلغهم تبليغ المغرور بهم وحاشا رسول الله من الاغترار والغفلة عن جميع من حوله وما حوله بل إن اعتبار النبي هكذا ظلم عظيم وسب لمقام النبوة المقدسة.
4- وقالوا ان آباء النبي (ص) كفرة واستندوا على مجموعة من الشبهات والجهالات منها آية ((وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) )) الأنعام، على أن آزر من عبَّاد الأصنام وهو أبو إبراهيم والجواب الاتفاق من علماء النسب بأن أبا إبراهيم هو تارخ بن ناخور بن ساروع بن أرغو، وحوَّر ذلك بعض جهلة المفسرين وهم الغالب فقالوا أن أباه تارخ الملقب بآزر وهذا التخريج من الجيوب فان مشهور الرواية تقول أن آزر كان مربيا لإبراهيم(ع) وزوج خالته وعمه وأنا احتمل انه زوج أمه بعد وفاة أبيه وهذا داخل في قول رسول الله (ص) : (الآباء ثلاثة أب ولدك وأب علّمك وأب زوجك). وروى سفلة الرواة والكذبة بأن شخصاً سأل النبي 4 قائلاً: أين أبي؟ فأجاب: (إن أبي وأباك في النار) وأنا أوصي المؤمنين بمطالعة كتاب (ضياء النبي) للشيخ محمد كرم شاه الحنفي الأزهري يروي لك وصايا بعض أجداد النبي (ص) كلها تأمر بتوحيد الله تعالى والبشارة بنبوة النبي محمد واتّباعه قبل ميلاده، ويكفيك الروايات في تفسير قوله تعالى (وتقلبك في الساجدين) وكيف يكون سفير الله الطاهر من نطفة كافر خبيث فما هذا إلاّ ضعف الرأي وعدم التعقل.