الاختلاف بالاسلام:

في توضيح هذا الفصل لا بأس بالرجوع قليلاً فإني اعتقد أن أكثر الناس يبتلون بعذاب القبر وعصرته وظلمته سواء منهم المؤمن والكافر و لا ينجو من عصرة القبر إلا شواذ الناس كما في الخبر، وذلك لعدم عصمة الناس وكل مؤمن قد عمل الخطايا والكبائر في زمانه بما لا يحصيه إلا الله، ((فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) )) سورة النجم، ((وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) )) سورة يوسف، وفي الحديث: (إنا نخاف على شيعتنا من البرزخ وأما يوم القيامة فإن عندهم شفاعتنا)، وفي حديث قصة سعد الذي اهتم بجنازته رسول الله (ص) لشدة إيمانه وعمله الصالح ومع ذلك قال النبي لأمه أنه عصره القبر عصرة لأن في خلقه سوء مع أهل بيته، هذا في القبر وأما يوم القيامة:
فهم على أقسام ودرجات وهي:
1- نورهم يسعى بين أيديهم وإيمانهم ويشهدون على الناس: وهم العظماء كما مرَّ وهم أسبق السابقين والأولياء.
2- مؤمنون يخفف عنهم الحساب فلا يرون سوء الحساب: وهم السابقون.
 3- يقل حسابهم ويدخلون الجنة قبل الناس: وهم أيضاً السابقون من المتعبدين الفقراء الصابرين.
4- يشتد حسابهم في بعض قضاياهم ثم يمن عليهم بالجنة، قال تعالى: ((فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) )) وهم 2و3 ((وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (91) )) سورة الواقعة، وهو الرابع.
 5- يعذب على شفير جهنم ثم لا يدخلها ويشفع له:
أ) مثل ما روي (من صافح امرأة لا تحل له غلت يداه إلى عنقه يوم القيامة بسلاسل من نار).
ب) ( المتكبرون يحشرون كمثل الذر تدوسهم الخلائق في أرض المحشر) ومنهم يوجب له النار ومنهم لا يوجب.
جـ) من كثر مزاحه يحشر ورأسه كجبل أبي قبيس كما سيأتي بالوصايا.
د) إن من العصاة من يسحب إلى النار وقبل الدخول في النار يلتفت وراءه فيقول له الملائكة لماذا التفت؟ فيقول: ما كنت أظن أن ربي يحكم عليَّ بالنار فيقول الله تعالى إن هذا ما كان يظن بي إلا ظناً سيئاً وما ظن بي خيراً في الدنيا ولكن أجيزوا له كذبته فقد عفوته وأدخلوه الجنة.
هـ) الذين يكنزون الذهب والفضة يحمى على تلك الأموال وتحرق بها أبدانهم فيمكن أن يدخلوا جهنم ويمكن أن يشفع لهم.
6- ((مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) )) سورة التوبة، وهم من المنافقين ولكن لهم أيادي حسنة وأعمال صالحة ولم يكن نفاقهم شديداً ولا عنادهم أكيداً، ومن أصحاب الكبائر.
7- يحترقون برذاذ النار ثم يشفع لهم:
كما في حديث الإمام الصادق(ع) مضمونه أن الله ليبتلي شيعتنا بأنواع البلاء من سلطان ظالم أو مرض وسقم أو الشدة في نزع الروح فإن لم يكفِ عذب في قبره فإن لم يكفِ أحرق برذاذ النار ثم تدركه شفاعتنا، ولعل منهم ما في قوله تعالى: ((وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113) )) سورة هود. لأن المس هو الإصابة الضعيفة وعن الإمام الصادق(ع)، ما مضمونه من كان في قلبه ذرة من حب سلطان جائر) أو مسَّته النار.
8- يدخلون في ظلمات النار:
قال تعالى: ((انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (31) )) سورة المرسلات، فهذا ظل للظلمة فقط وليس للتبريد، وورد بأن نار جهنم احترقت ألف عام فابيضت وألف عام فاحمرت وألف عام فاسودت فهي سوداء مظلمة إلى الأبد.
9- الذين يدخلون النار وتكون لهم مهاداً:
ومنهم من يخلد فيها ومنهم من يخرج سريعاً أو بطيئاً ويشفع له، ففي الحديث عن الإمام الصادق(ع):
(يا شيعتنا لا تعتمدوا على شفاعتنا بأن تظلموا وتعملوا المنكرات وتستخفوا بالفرائض، فوالله إن بعض شيعتنا ليحترق ثلاثمائة ألف عام ثم تدركه شفاعتنا).
وهذا التاسع على أقسام:
1) الذين يحترقون ثم يشفع لهم إلى الجنة:
أ- وقد ذكرنا منهم الصديق الفاسق الذي يشتاق إليه صديقه في الجنة لمنادمته فيطلبه فيخرج لأجله.
ب- الزوج من أهل النار تطلبه زوجته المؤمنة تخرجه زوجاً لها.
ج- الزوجة الفاسقة يخرجها زوجها المؤمن إذا رغبها.
د- القريب الفاسق يخرجه قريبه المؤمن إذا شفع له وقبلت شفاعته.
هـ- الخادم الفاسق يخرجه مخدومه قائلاً يا رب إن فلاناً كان يخدمني وقد أحببته لخدمته.
و- الذين آمنوا ألحقنا بهم ذريتهم فالمؤمن المستحق للنار يلحق بعظيم من عظماء المتقين إذا كان من آبائه أو ذريته كرامة لذلك العظيم.
2) الذي يحرق ثم يخرج إلى الأعراف ولا يدخل الجنة أبداً والأعراف لا نعيم فيها ولا عذاب وإنما معيشة عادية نعم ربما يفتح لهم باب إلى النعيم وهم:
أ- الكفار المحسنون للبشرية.
ب- فسقة المحبين للنبي وآله إذا كان فسقهم بدرجات كبيرة بحيث أغضبوا الله ورسوله ولم يشفع لهم بدرجة الجنة فيخرجون إلى الأعراف عند الشفاعة.
ج- مؤمنو الجن إنهم لا يعذبون ويسلمون إلى الأعراف.
3) الذي يخلد بالنار مدة طويلة ثم يعدم تراباً ولعل منه قوله تعالى: ((يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40) )) سورة النبأ، والآية غير صريحة بأنه يستجاب تمنيه إلا أن مقتضى التقسيم الخماسي أي الذي لم يدخل النار وأقسامه المارة وأربعة أقسام للداخلين.
4) الذي يدخل مؤبداً فلا خروج ولا إعدام.
10- الخلود أحقاباً:
وهناك فئة يخلدون أحقاباً ولم يصرح بأنه يشفع لهم بعد ذلك أم يعدمون أم يبقون كما في الآية: ((إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (21) لِلطَّاغِينَ مَآباً (22) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (23) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (24) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (25) جَزاءً وِفاقاً (26) )) سورة النبأ، والحقب ثمانون سنة يكنى به عن المدد الطويلة، وفي الحديث: (من ترك ركعتين فريضة عذب في النار حقباً والحقب ثمانون سنة).