أصل الخلقة ومراحلها:

إنك لو راقبت عصرك الحالي ودهرك الراهن لرأيت الدنيا قد ملئت ظلماً وجوراً وفساداً وانقطعت سبل الخير وشمل القصور والتقصير والبعد البعيد عن أحكام الدين أهل الدين وقادة الإسلام كما شمل غيرهم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة، فهذا هو العصر الذي أشار إليه أولياء الله عليهم السلام إنه تملأ الأرض ظلماً وجوراً، وهو مصداق قوله تعالى: ((ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) )). الروم، وهو العصر الذي تشمله الآية ((وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26) )) الزمر، وسلَّط الله الناس بعضهم على بعض وأذاق بعضهم بأس بعض وكلما يدعو الإنسان فلا تفك عنه القيود والمصائب والمصاعب وإني استخرت الله تعالى على أن أضع دستوراً مبسطاً أخلاقياً تربوياً أحزم به هذه الأمة ليتبع من يتبع ويعاند من يعاند وأكون قد أفرغت ذمتي في تبليغ أمتي وأوصلت الأمانة الإلهية إلى المؤمنين الكرام في عصري قبل أن يفوت الأوان وانتقل إلى ساحة الحساب وقبل أن أسافر بلا زاد ولا عمل، فليكن هذا التبليغ شيئاً من زادي ليوم معادي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فظهرت الاستخارة في القرآن الآية التي افتتحت بها كتاب وصيَّتي (قد جاءكم بصائر من ربكم...) الأنعام. فشكرت الله على هذه النتيجة ورجوت منه التسديد والتأييد ومن النبي وأهل بيته الكرام المدد والتوجيه وأن أكون أنا في كل شؤوني وفي كتابي هذا تحت رعايتهم ولطفهم، أرواحنا لهم الفداء وصلوات الله عليهم أجمعين فسهرت ليلي ولازمت فراشي وجمعت أفكاري وأنا بين الخوف والرجاء أقدم رجلاً وأؤخر أخرى فيما أقدم أو لا أقدم مع الاستخارات والاستشارات المستمرة لكل موضوع وقصة وتوجيه وأسلوب فظهر بهذه الصورة التي لعلها تكون في موضع رضوان الله ورسوله وأهل بيته (ص) أولاً، وموضع سرور وتحفة بين يدي المؤمنين الكرام ثانياً والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وسلامي وتحياتي إلى جميع المؤمنين في العالم ورحمة الله وبركاته، كان الشروع في 27/رجب الأصب وهو يوم مناسبة بعثة الرسول الأعظم (ص) من سنة 1419هـ من الهجرة المباركة، والحمد لله رب العالمين.