10) نقاش مع مانع الحقوق الشرعيّة:

لماذا أراك يا عبد الله تجمع الأموال لنفسك, ولا تسأل عن أحوال الآخرين.
عبد الله: إنها حقّي ومن أتعابي وما طلبت من أحد ولا أطلب.
قلت: إذاً مثلك كمثل قارون ((إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)) 78- القصص.
فكان من غروره يفّكر بالمال, مادام قد حصل بعلمه و أتعابه فلا أحكام له و لا مسؤولية وراءه إلاّ أن يأكل ما يشاء و يتبطر بما يشاء.
عبد الله: إني أيضاً أكرم الفقراء, فإني أعطي خادمتي و خادمي..
قلت متبسِّماً: هذا عذر عجيب إن خادمك وخادمتك من حقِّهما أن تصرف لهما أتعابهما وزيادة حتى يشهدا لك عند الله بأنك ما قصرت من حقهما شيئاً.
وفي الشرع حقوق أخرى كلها يلزم عليك أن تراعيها, وتسلمها و أنت مسرور بلا أن تمنَّ على الله, وعلى عباد الله, ومنها أن تحج البيت الحرام فإن تاركه يحشر يهودياً أو نصرانياً.
2- أن تعطي الكفّارات لحج أو صوم أو غيرهما إذا حصل عندك مخالفة.
3- أن تزكّي أموالك فلا تبقي شيئاً من الحق عليك.
4- أن تخمّس أموالك و ذلك بأن تجعل لنفسك يوماً في السنة تتحاسب فيه عمّا زاد في ذلك العام بعد إخراج تمام مؤنه السنة فتخمِّس الباقي.
5- هذا بالإضافة إلى أداء حقوق البشر وعدم الظلم لأحد.
6- و بالإضافة إلى التبرعات الخيريّة و عقد المجالس الدينية لهداية بني جنسه, والصرف فيها بالمقدار اللائق.
عبد الله ـ ضاحكاً ـ لمن أؤديها! للعلماء؟ وبعضهم قد جمع من الحقوق أكثر من الناس ذوي الأموال.
قلت:إنك على خطأ فيما تقول و إن العلماء مثل الناس منهم الخاطئ ومنهم الورع فعليك أن تتحاسب عن الحقوق ثم تسلّم بعضها للورعين غير المدَّخرين من العلماء والبعض الآخر أنت تبنىَّ صرفه في مشاريع خيريّة وفقراء المؤمنين الذين تعرفهم واتقِ الله وحاسب نفسك قبل أن تحاسب وتحترق عليك الأموال كما في الآية الكريمة ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)) التوبة.
وأن الله تعالى لا يخدع عن دينه بهذه الأعذار وأنه غير تاركك تتلاعب بالأحكام وتحكم لنفسك بما تشاء فاتقِ الله واعمل صالحاً, وسر بما يمليه عليك الشرع ولا تبقَ جاهلاً وطالع كتب الفقه حتى تتفقَّه وتعمل ويصح عملك قبل أن تسافر إلى الله بغير زاد ولا مؤنه ((يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)) - الشعراء.