1) مناقشة هادئة مع تارك الصلاة:

(مشكِّك بالدين متشائم من حكمة الله واسمه معين وهو في بيت نزلت فيه مدَّة من الزمان).
دخلت في غرفته وجلست بعد السلام والإجازة من قريبته صاحبة الدار، ثم قلت أحب أن أناقشك في موضوع فقال ليس لدي وقت، وخرج من الغرفة فاستخرت الله أن أترك الغرفة وأتركه بضلاله فظهرت سيئة أي النهي عن تركه لحاله.
فصبرت قليلاً فعاد وجلس لأنّه لا يصبر على ترك التلفزيون إذ فيه دراما سخيفة ماجنة كأكثر الأفلام والدراما والبرامج التي تطرح في ما يسمى ببلدان المسلمين، وأمّا برامج وأفلام بلدان غير المسلمين فاقرأ على الشرف والعفة والغيرة ألف فاتحة، ألا لعن الله الماجنين والفاسقين والكافرين, ولهذا ترى البلاد الإسلاميّة وغيرها ترزح تحت أمراض الإيدز وغيرها وتعُّمها الجرائم والموبقات والمظالم المهلعة والمصائب المروعة والدعارة الشائنة، وعلى كل حال إنّه خرج ثم رجع وجلس يتابع عشيقه التلفزيون.
فقلت: السلام عليكم. قال: وعليكم السلام, وولَّى بوجهه عنّي لأنه لا يرغب أن أكلِّمه بالدين, ولكنّي مسكته وابتسمت وقلت: أولاً إني أشكرك جداً.
فقال: ولماذا تشكرني؟!
قلت: لأنك مبتسم الوجه دائماً غير مقبوض السوانح ولا تصعِّر خدَّك في لقاء الناس.
وثانياً: لأني أحس وأرى منك تمام الاحترام وحسن الخلق.
(لم يجب شيئاً وكان عابساً قليلاً فابتسم وارتاح لاستماعي).
وأضفت: إن هذه الابتسامة في وجهك ترفعك عند الله وعند الناس حتّى على بعض المتدينين الذين تراهم يتكبرون على الناس, فعلى هذا أكبر فيك هذه الصفة وإن الله ورسوله يوصيان بهذا. (فلم يقل شيئاً).
قلت وثانياً: أضرب لك مثلاً, لو أنك تزوجت, عن قريب إن شاء الله وحملت زوجتك وجاءت بولد, فبلغ الولد ثلاث سنين, فتركته يلعب ويعبث في الأشياء وذهبت هي لاهية لاعبة بشيء أو مشغولة بالتلفزيون أو غير ذلك, وذهب الولد إلى ثقب فلدغه عقرب أو قرصته حشرة أو وقع من سطح أو احترق بنار أو مات أو تورّم ومرض عدّة شهور أو سنين لا سمح الله تعالى ودفع الله عنّا جميعاً كل بلاء فماذا ينفعها حينئذ, التلفزيون أو اللعب أو ما شابه؟ وكان المفروض عليها أن تجعل الطفل عندها وتشبعه وتلبسه إلى أن ينام, ثم تذهب لكل ما تريد فماذا ينفعها البكاء والحزن والندم؟!
وكذلك أنت وأنا والمحترمون من الناس وكل عاقل في الدنيا لا يقول شيئاً ولا يفعل شيئاً إلا ما ينفعه ويحسِّن حياته في الدنيا والآخرة وإنه لا يقدم ما هو تافه وقليل على ما هو مهم وكبير وكثير النفع، فإن الله سبحانه ورسوله والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم والقرآن الكريم أوصوا بأداء الصلاة في أول وقتها وأنها أعظم فريضة في دين الإسلام فافرغ منها إذا دخل وقتها لتحصل على الاطمئنان النفسي والدرجة عند الله ويوفقك في الدنيا والآخرة ثم اذهب لباقي أعمالك ومهماتك أو غير مهماتك ما ترغب وتزيد، وبذلك سوف يريك الله الخير والبركة والراحة والسرور في الدنيا والآخرة, وأضفت قائلاً هل أنت مسلم.
قال: هكذا يقولون.
قلت: بل أنت لست بكافر يقيناً ولكنك تجهل ما ينفعك فلذلك تتباعد عن الهدى وعن المناقشة فيه.
قال: إنما أبتعد عنك لأني لا أحب أن أناقشك وأنت أكبر مني فتأخذ عني فكرة بأني صلف ووقح وشرير ومشكك بالدين.
قلت: لا يا حبيبـي, إنّه مما يسرني أن أراك متجاوباً مناقشاً مفرغاً بكل ما في قلبك من شك أو هم أو ارتياب, ومما يحزنني أن تسكت وتتهرب ولا تسمع ولا تجيب، وأنا أعاهدك إن شاء الله إن تجاوبت معي ورددت علي بكل ما تفكّر وتحتج بأن لا أغيظك ولا أغضبك, بل أحترمك وأزيد فيك حباً وعطفاً,فارتاح لكلامي فغيرت الأسلوب وقلت: أي إسلام وإيمان هذا إذا كان الشخص لا يقرأ القرآن الكريم الذي هو أفضل كتاب نزل من السماء، وهو الذي أعجز البشريّة بأسلوبه وعلمه وأدبه وقصصه و…
وبقي خالداً مخلًداً ينبلج حقّه وحجته يوماً فيوماً بين أبناء المعمورة أكثر فأكثر, فهو أفضل من التوراة والإنجيل والزبور وجميع كتب الأنبياء (ع)، فالمفروض على الإنسان العاقل أن يقرأه ويتدبَّره ويحبه ويقربه لينتفع بعلمه وخيره وبركته في الدنيا والآخرة، ويلاحظ تفسير النبي محمد وأهل بيته لمعانيه وبيان أسراره.
قال: أين كتاب الله وأحاديث النبي وأهل بيته منّا, ونحن نعتمد على غير المسلمين في علومنا وشؤون حياتنا وأن القرآن قد وعدنا بأن نخترق أقطار السماوات والأرض ولم يبين لنا ذلك, فماذا تنفعنا هذه الوعود والبشائر وهي صادرة من غيرنا ومن غير أهل القرآن؟
قلت: ومن الذي أخبرك بأن القرآن الكريم والنبي العظيم وأهل بيته الطيبين الطاهرين (ع) لم يبيِّنوا العلوم التي يتقدم الإنسان بها في الدنيا ولم يتدخل في كل نعم الله في السماوات والأرض والبحار؟
قال: فأين تلك التعاليم؟
قلت: قد منعت وأغرقت وأحرقت, وقتل رجالها شر قتلة فعل ذلك الظالمون المتسلِّطون ألم تسمع بما فعل بنو أميّة وبنو العباس والعثمانيون وغيرهم من الحكام الظالمين بالأئمة الطاهرين والعلماء المصلحين!
ألم تسمع بأن التتر قد أغرق وأحرق من كتب المسلمين مئات الآلاف, ألم تسمع بأن الأيوبي فعل كذلك بعلوم آل محمد فأغرق وأحرق آلاف الكتب في مصر والشام والعراق, ألم تسمع بأن معاوية قتل حوالي عشرة آلاف نسمه في الشام والعراق والحجاز واليمن وكثير منهم من العلماء والعارفين والمقدِّمين للأمة إلى ما فيه العلم والصلاح.
فكيف تريد لسادة المسلمين أن يوصلوا علومهم إليك وهم يقضون ذبحاً تحت أقدام الشمر اللعين, والآخرون في طول حياتهم يقبعون في السجون وحتّى في عصرك هذا وما ترى من أعلام المسلمين يقضون حياتهم في السجون والسموم والإعدامات، وهذا أنا أقضي حياتي حزناً على ما أرى من أحوال المسلمين شارداً من بلد إلى بلد وهناك من هو أفضل منّي من قد قضى بأشد وأشد مني، فكيف تريد أن يصل إليك العلم؟
وهذا أمير المؤمنين (ع) ينادي في الناس مرات كثيرة (أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فإنّي أعلم بطرق السماء من طرق الأرض).
وحتّى قال بعض الغربيين المكتشفين, لو أن المسلمين أطاعوا علياً وسألوه عن طرق السماء والأرض لارتفع الناس إلى أبراج السماء واكتشفوا كل ما في الأرض منذ أكثر من ألف سنة ولكنهم تحامقوا وتجاهلوا أقول ومن حمقهم أن قام له أحدهم فقال (كم شعرة برأسي وجسدي؟ فقال الإمام علي (ع): إنّي أعلم كم شعرة فيك وإن تحت كل شعرة شيطان يلعنك وإن في بيتك لسخلاً يقتل ولدي الحسين)، وصدق الإمام إذ كان السائل هو يزيد الأصبحي وولده خولى بن يزيد الأصبحي وهو أحد قتلة الحسين (ع) وأولاده وأهل بيته عليهم السلام.
ثم ألا يكفيك علم الكيمياء الذي ورد عن جابر بن حيان الكوفي والذي وسَّعه بعد ذلك علماء المسلمين أمثال ابن سينا وحتى وصل إلى زماننا وبنيت عليه أكثر أدوية الأمراض في عصرنا، وجابر هو تلميذ إمامنا جعفر بن محمد الصادق (ع) وابن سينا هو أحد السائرين على خط أهل البيت (ع)، وهكذا علوم كثيرة قد وضع أساسها أئمتنا (ع) وجاء المكتشفون وأخذوها وعملوا بها والمسلمون تأخّروا عنها بسبب حكامنا الظالمين عملاء الغرب الكافر أو الشرق الملحد، قال معين: لماذا خلق الله الدنيا, وخلق أهلها ليقتلهم ويحزنهم ويشقيهم ثم يفنيهم؟!
وكان يعني نفسه فإنه قد مات أبواه قريباً وعمره خمس وعشرون سنة, ولم يتزوج, ولم يحصل على وظيفة.
قلت: خلقهم لأجل الآخرة يمتحنهم في الدنيا بالسراء والضراء والفقر والغنى والخير والشر حتّى إذا ما عملوا حسناً يعطيهم الدرجة الرفيعة في الجنّة, وهناك الحياة الأبديّة.
ألا ترى حياة الأنبياء والأوصياء، وهكذا حياة المصلحين كلّها قتل وظلم وتشريد وسجون وأنت تعلم أنهم أحباء الله, ولم يفعل الله ذلك بهم عداوةً لهم, وإنما لينالوا بصبرهم السعادة الأبديّة والدرجة الرفيعة ولذلك ترى أن الحسين (ع) لما حاصره بنو أميّة في المدينة ليبايع يزيد غفا فرأى رسول الله 4 فقال: يا جدّاه خذني إليك لا حاجة لي بالرجوع إلى الدنيا.
فقال النبي: يا حسين ارجع حتّى تقتل وإن لك درجة رفيعة في الجنّة لا تنالها إلا بالشهادة.
فضحك معين وقال: سبحان الله, إن الله يقتل من يحبه ويرجعه للدنيا ليقتل أي حب هذا؟
قلت: ليس ليقتله وإنما ليكمل إعلان كلمة الله للبشريّة ويتم عليهم حجة الله, فيكمل بذلك درجته العظيمة في الجنّة، والناس سوف لا يرضون ويقتلونه فيكمل عليهم استحقاق الخلود في النار واللعنة الدائمة.
قال: هذا للأولياء ونحن لماذا خلقنا, للفقر والتأخر والحزن والشقاء.
قلت: وأنت كذلك خلقك الله لتكمل رسالتك في الحياة وتتقي الله وتتحمّل خيرها وشرّها شاكراً للمولى سبحانه طاهر النفس, حسن الأخلاق, زاهداً في الدنيا الفانية خيّراً صالحاً مصلحاً, فتستحق الحياة الأبديّة تابعاً للأنبياء والأولياء ومحشوراً معهم هذا أولاً.
وأمّا ثانياً: مالي أراك تكرر كلام الشؤم والحزن والتأخُّر والنقصان, وإنّي لم أر عليك أي نقصان وأيّ موجب لهذا التشاؤم التافه، لماذا لا تنظر إلى الحياة بالتفاؤل والجمال والسعادة والتقدّم؟ أيّ شيء ينقصك أنت؟
إنّك طالب في الكلّية وعن قريب إن شاء الله سوف تتخرَّج, وتصلي لله ركعات الحاجة فيهيئ لك أفضل وظيفة وأحسن معاش ثم زوجة جميلة مطيعة وبيت رفه وأولاد طيبين وهناء وسعادة، إنك لا زلت صغيراً بالعمر والخير كلّه أمامك وإن الله معك مادمت محترماً لله قائماً بفروضه وإن الله لمع المحسنين والمتقين.
قال الله تعالى: ((إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)) الحج.
((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ (51)) غافر.
فاتقِ الله واقرأ القرآن وأدِّ فروض صلاتك حتّى يذهب منك الحزن والتشاؤم ويطمئن قلبك.
قال تعالى: ((أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)) الرعد.
قال: كيف يطمئن قلبي بقراءة القرآن والصلاة وإنّي لم أرَ العلماء الذين يقضون حياتهم بالصلاة والقرآن إلاّ فقراء حزينين، هذا أنت أراك حزيناً كئيباً فقير الحال, فلماذا لا يذهب القرآن بحزنك.
قلت: أولاً إنّي لم أحزن على الدنيا, إنما أحزن وأعيش الغم والهم للمسلمين والمؤمنين في زماننا إذ أنهم يوماً بعد يوم تراهم يجهلون ويتجاهلون تعاليم دينهم، إنّي أحزن إذ كانت مئات هيئات تدريس القرآن والأحكام الشرعيّة قد خرَّجت في الستينات آلاف الشباب من قراء القرآن والمثقفين دينياً في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وبغداد والكاظميّة وغيرها من المدن والآن لم نر مساجدنا تمارس أيّ تدريس من هذا القبيل, وإنما قليل منها فيها صلاة جماعة بإمامة شيخ جهله بائن وعدم سياسته وعدم اهتمامه بالدين أكثر وضوحاً، وعلى كل حال فأنا أنتظر اليوم الذي نرى ديننا وتعاليم ديننا في نجاح وتقدم, كما أنتظر أن ينصرنا الله ويكون هذا على أيدينا لا يطير بالقافلة غيرنا من غير المؤهلين لخدمة الدين الحق وأنا أرى نفسي في حزني وتحرقي لديني هذا مثاباً ومأجوراً, ولي درجة الصابرين المحتسبين وليس مأثوماً كأهل الدنيا الذين يهمهم أنفسهم وأطماعهم.
قال: إذا أمرتني بالصلاة والصوم وقراءة القرآن, فمن أين يحصل لنا الرزق أينزل الطعام والمال من السماء ويمطر مع المطر.
قلت: أولاً إنّه حقاً يمطر مع المطر, بالله عليك إن هذا الطعام الذي أكلته أليس هو من المطر نزل من السماء.
(فضحك) وقال: بلى صحيح, ولكن لا بد من الانصراف للعمل ولا تكثر عليّ التوصية بالقرآن والصلاة.
قلت: بل لازلت أوصيك وأرجوك أن تهتم بها فإنها لا تنقصك شيئاً ولا تقطع رزقك فإن الله سبحانه وتعالى لم يمنعك من الانصراف للرزق وطلب الرزق كلا, فقد قال رسول الله 4 وقال أمير المؤمنين (ع) (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً). فلا تترك العمل للدنيا والرزق, ولا تترك طلب المال والبيت والزوجة والأولاد والسعادة والهناء والكد والمثابرة من أجلها بل اعمل لأجلها وكأنك سوف تخلد في الدنيا كما ولا تترك العمل للآخرة وتحسين الصلاة وفهم القرآن ودروسه وتعاليم أحكام الدين والآداب الصحيحة, ونبذ الأخلاق الرديئة والمنكرات، فكل ذلك مطلوب منك وموجب لك الخير والتقدم في الحياة الدنيا والآخرة.
ثم سألته كم كتاب تدرس في الكلّية, قال: تسعة كتب, قلت: اجعلها عشرة ففي كل يوم اجعل مدة ولو قصيرة, لا تعارض فهم دروسك ولا تؤخرك عن النجاح في الدراسة.
تقرأ في تلك المدة من كتاب الله تعالى وتفسيره, ومعرفة أسراره, وتعلم الأحكام الشرعيّة وسيرة الأنبياء والأولياء ومعرفة الخير من الشر والصلاح من الفساد حتّى يكمل صلاحك وتتم مروءتك وتحسن عاقبتك وتكون عبداً صالحاً متكاملاً محبوباً في السماء ومكرماً ومعظماً بين الناس في الأرض، قال الإمام الصادق (ع) (أغد عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالثة قيل: ما هي يا بن رسول الله؟
قال: همج رعاع ينعقون مع كل ناعق, ويميلون مع كل ريح).
فكن عالماً عاقلاً لبيباً خيّراً مثقفاً بدينك, ولا تبق جاهلاً بعيداً عن أحكام الإسلام ثم قلت له اقرأ قل هو الله أحد.
ثم قلت له انظر إلى قلبك ألم يحصل لك الاطمئنان بالله ودينه أكثر.
قال: الآخرة، لا أفكر بها الآن.
قلت: ليس الآخرة وإنما أعني اطمئنان قلبك في الدنيا وإن الله يبارك لك فيها إذا عملت بأوامر الله وبالصلاة فلا تكرر عليّ كلمات الهروب عن حديث الآخرة.
ثم ودعته وذهبت وقد سرَّ بي وتغيّرت نظرته المتشائمة وحسنت سيرته وتقرب إلى الدين شيئاً ما والحمد لله رب العالمين.