رسالة تهنئة:

سيادة الرئيس: نهنئك على تقلُّدك مقاليد الحكم والرئاسة على هذا الشعب, و نرجوا من الله تعالى أن يسدِّدك للعمل الصالح في مجتمعك وشعبك والقيام بما جعل الله عليك من المسؤولية وإن قمت بذلك أن يؤيدك وينصرك على المعتدين عليك وعلى دينك وعلى شعبك وأمتك, ويأجرك في الآخرة خير جزاء المحسنين.
إن الرئاسة ليست هي الغاية للعقلاء والمتورِّعين الذين يفكرون بموقفهم أمام الله سبحانه يوم القيامة، وإنما هي وسيلة لخدمة الناس والأخذ بأيديهم لما فيه الخير والصلاح والسعادة للشعب وهدايتهم عن الفساد والضرب على أيدي المعتدين منهم ومن غيرهم ففي الحديث (لولا السلطان لأكل الناس بعضهم بعضاً).
واعلم بأنك لو صلحت وأصلحت فستكون ملكاً في الجنّة كما أنت ملك في الدنيا, وإلا فلسوف ترى بعض خدامك وأتباعك من المظلومين الصالحين هم الملوك وأنت لا تقبل أن تكون بمستوى الخادم عندهم.
فليس النجاح أن تفوز بالحصول على الملك وإنّما الفوز أن تزحزك عن النار والعذاب عند الله يوم القيامة، قال الله تعالى: ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (185)) آل عمران.
نعم إن من أحلام اليهود وجشعهم أن يعمِّرهم الله في الدنيا وكذلك طمع المشركين قال تعالى ((وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)) البقرة.
إن مقدار حساب الإنسان وعظم ثوابه في الآخرة أو قلة الحساب والثواب تتبع مقدار عقله ومسؤولياته التي مارسها في الدنيا فكلّما كانت أضخم وأعظم كان ثوابه أكثر لو كان محسناً وعقابه أشد لو كان مسيئاً، وكلما كان عقله ضعيفاً ومسؤولياته قليلة كان ثوابه ودرجته أقل وعقابه أخف وعليك بالمتمعُّن في هذه الآية لمعرفة هذه المعادلة.
قال تعالى: ((يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32)) الأحزاب.
فأنت كلّما علت درجتك واشتدت شوكتك وقوتك في الإطاعة لك وهيمنتك على شعبك كلّما زاد حسابك عند الله وثوابك مع الإحسان وعقابك بالإساءة, ثم اعتبر بالملوك قبلك فإن منهم من لاحقته رحمات العصور وذكره الله في كتابه وبكل فخرٍ وذكرٍ حسن أمثال يوسف الصديق (ع) ملك مصر وسليمان (ع) ملك فلسطين وطالوت ملك بني إسرائيل واسكندر المقدوني (ع) ملك الدنيا والحجة بن الحسن المهدي (ع) الذي سيملك الدنيا قريباً إن شاء الله تعالى ومنهم من لحقته لعنات التاريخ وشتيمة الشعوب, أمثال نمرود ملك بابل ونبوخذ نصر كذلك وفرعون مصر وملوك تُبع في اليمن وبنو أميّة والعباس والعثمانيين والأيوبيين ومن لف لفهم واقتفى أثرهم ولعنة الله عليهم وعلى أتباعهم إلى عصرنا هذا.
ويكفيك الاعتبار بأفعالهم وأقوالهم الدالة على نذالتهم وكفرهم وجحودهم، فإن عبد الملك بن مروان كان في شبابه ملازماً للمسجد على ما قيل فلما مات أبوه وانتقلت إليه الخلافة اللاشرعيّة ترك القرآن وقال هذا آخر عهدي بك، وكانت أول خطبة له في الشام أنه قال (من أوصاني بتقوى الله ضربت عنقه). بخ بخ أي ظل لله في الأرض هذا وأي خليفةٍ لله ولرسوله؟!
بينما يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) (رحم الله من أهدى إليّ عيوبي), مع أنّ الإمامة المنصوبة من الله ورسوله لا عيوب فيها.
وللعائلة المروانيّة قصص عديدة في قصّة فجورهم وسخريتهم بالقرآن وتجبُّرهم، ومن ذلك ما نقل باتفاق عن الوليد المعروف بالفاسق وهو اسم على مسمّى أنّه حين مارس الزنا والشراب بالمرأة المسماة حبابة وأذّن المؤذّن أذان الفجر, استفتح بالقرآن أن يذهب هو للصلاة بالناس أو عاهرته حبابة فظهرت الآية ((وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (17)) إبراهيم.
فشد القرآن على الحائط ومزقه بالسهم وهو يقول:
تهـددني بجـبـار عنـيد                   فها أنا ذاك جبـار عنيـد
إذا ما جئت ربك يوم حشر                  فقل يا ربُّ مزقني الوليـد
كما أن من وصايا عبد الملك لولده الوليد لعنهما الله (اتقِ الله وأقر الحجاج الثقفي وزد في إكرامه فإنه أخضع لنا الرقاب …).
أقول أي رقاب قطعها وأخضعها للحكم المرواني المجرم وكم هي والجواب أنّها رقاب آل محمد وذراري الرسالة المقدسة وشيعتهم وهم أقدس الأصحاب والتابعين، وعددهم ما يقارب مئة ألف قتيل ومئة ألف سجين وسجينة قد عراهم نساء ورجالاً وسوّد أبدانهم وشوَّهها بالشمس والجوع وبإطعامهم طعاماً مخلوطاً بالرماد.
وكل ذلك ليس بعجب فإنهم أبناء زنا وقد رضعوا وتربوا على الدماء ولكن العجيب أن النذل يعبر بإقرار هذا العامل بقوله (اتقِ الله..).
أترى أنّه لا يعلم بأنّه مجرم ظالم بحق دينه والمسلمين في وصيته هذه وأن الخوض في دماء وأعراض المسلمين مما يوجب الخلود في نار الجحيم؟!
بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وعظمت في أنفسهم فهان ما دونها عندهم.