حوادث الأحلام:

الأحلام قصصها كثيرة جداً حتى أن كل إنسان قد يرى في يوم واحد أكثر من حلم,بعضها بالنوم العميق وبعضها يعرضه في نعاسه, وبعضها يعرض له عند الصفنة والوسواس من قبيل التخيلات الحاصلة في اليقظة.
1- النبي يوسف (ع) رأى رؤيا في حال صباه كما في الآية ((إِذْ قالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) )) سورة يوسف.
فحذَّره أبوه من أن يذكر الحلم ثم فسّره له: ((قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلإنسان عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) )) يوسف0
فتفسيرها أن الله سبحانه مثّل اخوة يوسف بالنجوم وهم أحد عشر نفراً وأبويه وهم أبوه وخالته لأن أمه كانت متوفاة على ما في بعض التفاسير فسَّرهما بالشمس والقمر وأنه سوف يتم الله عليه النعمة فيجعله ملكاً ويتم النعمة على أهل بيته ومن فرحهم به وسرورهم بمقامة لسوف يحنون رؤوسهم له أو يسجدون 0
2- أن يوسف (ع) دخل معه السجن فتيان وهما من حرّاس السلطان فرأوا حلماً ((قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) )) يوسف.
فاستغل الفرصة بأن وجَّههم إلى توحيد الله ولزوم طاعته وعبادته وأنه كان من بيت النبوة التي قد أتم الله عليهم العلم والنعمة وهكذا يفعل كل عالم مخلص لأمته حين يتحدث مع الخاطئين أنه ينتهز الفرص لهدايتهم ثم فسّر لهم الحلم فقال (أما أحدكما فيسقي ربّه خمراً) أي أنه سوف يعفى عنه فيرجع ويسقي الملك وزوَّاره من الخمر وغيره, (وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) أنه سوف يعدم ومعلوم أن الطيور حين يرين جنازة مطروحة أنهم ينزلون إليها وينقرون الرأس وغيره, فاعتذر الذي فسَّر له بالموت بأنه يتمازح ولم ير الحلم حقيقة فقال له: ((قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ)) أنه لامناص من وقوع هذا الأمر ولو كنت كاذباً ((وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)). اذكر قصتي للملك لعله يخرجني من السجن ((فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ)) أي أنسى الشيطان خادم الملك أن يذكر يوسف عند ملكه, ولم ينسِ الشيطان أنسى يوسف ذكر الله كما يفسِّر بعض الجاهلين. ((فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)), قيل بقي سبع سنين.
3- ثم لما رأى الملك الحلم تذكَّر الخادم أن في السجن رجلاً موقّراً يعرف تأويل الأحلام فقال للملك وحاشيته ((أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) )), فأرسله الملك إلى السجن ليسأل عن يوسف فجاءه وقال ((يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ)), كثير الصدق ((أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) )). ففسَّر له البقرات السمان بالسنين التي تحسن فيها محاصيل الزرع ويتوفَّر لديهم الطعام.
((قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً)) مستمرين لكثرة المحاصيل ((فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ)) لأنهم لو خرطوه من السنبل فسوف يتيبس ويفسد ((إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ)) مثّل بها البقرات العجاف أي الضعاف فهذه السبع سنين يضعف فيها المحصول حتى يضطر الناس لأكل مؤنة السنين السبعة الأولى ((يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) )) تحسن فيه الزراعة أيضاً فيه يغاث الناس وفيه يعصرون الزيتون ويخرجون الدهون ويحسن أمر الطعام, وفسَّر السنابل أيضاً بالطعام قرينة على أن سمن البقرات في تأويل الحلم فلما رأى الملك أنه سيبتلى بقضية اقتصادية معقدة وقد حكي له بعلم يوسف فطلبه للإشراف على الاقتصاد وإدارته, فجعله عزيزَ مصر أي وزيره الأعظم ثم استلم الملوكية في البلاد.
4- رأى النبي محمد (ص) كأن قروداً تنزوا على منبره فأصبح مغموماً فنزل جبرئيل (ع) بهذه الآية ((وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ)), وما كان منهم في الماضي وما سيكون منهم في المستقبل ((وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ)) وهي أن بني أميّة كالقرود يتسلمون الخلافة ويرتقون منبر الرسول 4 والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة بني أميه التي لا أصل لها وهو المروي عن الصادقين والمتفق عليه الشيعة وكثير من السنّة ومن العجيب تحريف بعضهم بتفسيرها بشجرة الزقوم والإشكال عليها أولاً لأنها ليست موضع فتنة للناس بل المؤمن يؤمن بها والكافر يكذب بكل أمر القيام بعد الموت.
وثانياً أي إنذار للبشر أو تبشير لهم بلعن جهنم بل هو صرف سخيف مفضوح وإنما اللازم أن يكون هناك خلق مختارين في تصرفهم فيختارون العصيان فيلعنهم الله ورسوله.
5- (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ)) بعضكم (وَمُقَصِّرِينَ) النساء مع مجموعة من الرجال (لا تَخافُونَ) هجوم الأعداء ((فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) )) 48- الفتح.
وهذه الرؤيا رآها رسول الله 4 وأخبر الأصحاب في السنة الثامنة ولمّا توجّه إلى مكة وعقد الهدنة مع المشركين على أن لا يعتمر في ذلك العام ثار عمر بوجه النبي كما هي العادة وقال ألم تعِدنا بأن ندخل المسجد آمنين فقال ويحك فهل قلت لك في هذا العام, وكان يقول: (ما شككت بالإسلام كشكي في ذلك اليوم).
6- رؤيا إبراهيم (ع) ((فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)) وهو إسماعيل من زوجته الشابة هاجر, ((فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) )) الصافات.
وهذا من الإبتلاءات العظيمة اختبر الله بها خليله إبراهيم ومن يستطيع أن يذبح ولده بيده ((فَلَمَّا أَسْلَما)) لله ((وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) )) الصافات. فنجح في الامتحان أيضاً واستحق إمامة الأنبياء ورفع عنه أمر الذبح ((إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)), وفيه إشارة إلى ذبح الإمام الحسين (ع) الذي فدى إسماعيل (ع) وذلك لأن الحيوان لا يوصف بالعظيم وإنما يوصف بالكبير والسمين وإنما العظمة لله ولمن عظمه ووقَّره الله سبحانه وتعالى وهو النبي وأهل بيته الكرام عليهم الصلاة والسلام.
7- رؤيا فاطمة الزهراء (ع) أنّها رأت النبي (ص) أخذهم من بعد صلاة الظهر إلى بستان وذبح لهم شاة فلمّا أكلوا, تبيَّن أنها مسمومة, وماتوا جميعاً.
وفي اليوم الثاني جاءهم النبي بعد صلاة العصر ودعاهم إلى بستان فتهيؤوا وذبح لهم شاة فلمّا أرادوا الأكل أعلنت الزهراء إلى أبيها بالحلم فطلب جبرئيل فنزل وأخبر النبي أن هذا شيطاناً اسمه الهزيع إنه يخيف المؤمنين في الأحلام فدعاه ولعنه وبصق بوجهه وقال: إذا رأيتم ذلك فتعوَّذوا منه وابصقوا ثلاث مرات عن يساركم.
8- رؤيا الإمام الحسين (ع) أنّه في طريقه إلى كربلاء أصابته غفوة وهو على فرسه, فسمع منادياً ينادي القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم فلمّا فتح عينه قال: إنا لله و إنا إليه راجعون فقال ولده علي الأكبر: يا أبَ لمَ استرجعت؟ فقصَّ عليه الرؤيا فقال: علي: يا أبَ, أو لسنا على الحق فقال: (بلى والذي إليه مرجع العباد فقال: إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا) روحي وأرواح العالمين لكم الفداء يا آل بيت رسول الله.
9- رؤيا الإمام الحسين (ع): حين ضيّقوا عليه في المدينة طالبين بيعته ليزيد فدعاه الوليد والي المدينة فأخذ الإمام معه ثلاثين من شباب بني هاشم قائلاً لهم: أن ابقوا خارجاً فإذا سمعتم صوتي قد علا فادخلوا, فلمّا دخل رحّب به الوليد وقال إن معاويّة قد مات… وإن يزيد قد بايعه المسلمون فنطلب منك البيعة وأن تدخل في ما دخل فيه المسلمون فقال (ع) (إنه لا يصلح بيعة بالسر وإنما نصبح أمام الملأ ونرى رأينا, فرَّحب به وأراد أن يودِّعه فقال مروان بن الحكم (يا أمير لا تدع الحسين يخرج فو الله لا تظفر له بمثلها فليبايع أو تقتله).
فاستنكر الوليد هذا الكلام وقال الإمام (ع) (يا ابن الزرقاء أوَ أنت تأمر بقتلي خسئت وأثمت وقال: يا أمير إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم, ويزيد رجل فاسق وشارب الخمر وراكب الفجور وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله), ثم خرج في كوكبة أهل بيته ثم توجّه إلى قبر جدّه يصلي ويدعو طول الليل فغفت عينه على القبر فرأى رسول الله (ص) فقال له يا بني اخرج إلى العراق فإنه شاء الله أن يراك قتيلاً وإن لك درجة في الجنّة لا تنالها إلا بالشهادة.