سادساً- من الخيانة خلف الوعد ونقض العهد:

إن الوعد منه واجب الأداء ومنه مستحب, فالوعد بالإحسان بدون حق في ذمته مستحب أداؤه والذي في ذمته حق فأداؤه واجب ويدخل في هذا الباب جميع المعاملات الحاصلة بين المسلمين وهي على أقسام فإنها إما تحتاج إلى نية القربة فهي نوع من العبادة وإما لا تحتاج لنية القربة وتصح بدونها وكل منهما إما تؤدى وتصح بدون إيجاب ولا قبول، وإما تحتاج إلى إيجاب وقبول أو إيجاب فقط.
ثم إن هذه العقود والوعود ورد فيها أحاديث وآيات كثيرة منها:
1- عن النبي (ص) (آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)
2- ثم المعاهدة على أداء شيء إما مع الله تعالى فإن الله قد عاهد الأنبياء الأوصياء على النبوة والوصاية وهم عاهدوه على القيام بهما بأحسن وجه والمؤمنون عاهدوا الله تعالى ورسوله على الطاعة والإخلاص في العبادة قال الله تعالى: ((الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)) هو النبي ووصيّه يوصلان بالطاعة والاتباع والأرحام توصل بالاحترام والتعاون وأداء الحقوق ((وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)) البقرة 27، وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) بالعبادة وطاعة الأنبياء والأولياء ومودتهم (أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) بالسعادة وقضاء الحوائج في الدنيا وبالجنة ويسر الحساب في الآخرة قال سلمان (رض) حين رأى القوم يسحبون أمير المؤمنين(ع) إلى المسجد ليبايعهم هو لا أن يبايعوه فقال: لو سلَّموها علياً وأطاعوه لأكلوا من فوقهم ومن تحت أقدامهم ولعمَّت عليهم الدنيا بخيرها.
3- (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي الإمامة والنبوة والخلافة من قبل الله على الناس لا ينالها شخص من الظالمين.
4- ((وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ)) أي في حال الفقر وحين التضرر بشيء (وَحِينَ الْبَأْسِ) الحرب والقوة (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)) البقرة 177 أي معاهدة الإنسان لشخص في أداء حق من الحقوق له فإنه لا بد من قضاء ما عاهده وإلا فلا يعتبر صادقاً ولا تقياً.
5- ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ)) آل عمران75 وهو حمل أو حمول من الدر أو الذهب يؤديه إليك لأنه أمين ولا يخون بشيء منه ((وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً)) لأنه قد اعتاد الخيانة ثم قال ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ)) أي معاهداتهم و معاملاتهم مع الناس أو مع الله بأنهم سوف يطيعونه (وَأَيْمانِهِمْ) يحلفون على ذلك (ثَمَناً قَلِيلاً) يستفيدون بغشهم للناس وخداعهم أموالاً قليلة ((أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ)) لا نصيب لهم من النعيم ((وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)) برحمته ((وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)) آل عمران 77.
6- ((إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى)) حقوقهم ((وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً)) النحل 91. إن الله يأمر بالعدالة في القضاء والتعامل مع الناس من قريب أو بعيد وينهي عن المعاصي الفاحشة كالزنى واللواط والسحاق وأي نوع من المنكرات الشرعية والإيفاء بالمعاهدات الشرعية كالعبادة لله وكالنذر والعهد واليمين أو الإنسانية كالمعاملات والعقود وبين الناس والإيقاعات.
7- ((وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)) وهي امرأة رعناء من الجاهلية كانت تغزل الغزل ثم تنقضه فذهب مثلاً في العرب وكذلك أنتم الذين تعِدون ثم لا تفون بالوعد وتعاهدون ثم تنقضون العهد من بعد توكيده بل والقسم عليها ولذا قال: ((تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ)) النحل أي تحلفون بوعد أو عهد لتخدعوا السامع و يصدق بكم وقال: (وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) بعد كون الشخص يحترمك ويصدقك أنه يعاديك ويغضب عليك ويكذبك ويغضب الله عليك لأنها صفة المنافقين ((وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)) ثم أكد المعاهدة مع الله بالعبادة ومع الرسول والإمام من بعده بالطاعة والمودة فقال ((وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) النحل. ويعني الذين آمنوا للنبي ثم جحدوا حق أهل بيته من بعده ونقضوا إيمانهم وقد خاطبتهم الزهراء(ع) بذلك حين غصبوا أرضها وهجموا عليها الدار.