16- وصيَّتي للحجاج:

إن لي مع الحجاج ذكريات ووقائع كثيرة تدل على التقصير، أحبُّ أن أقصَّ بعضها وأنبه المسلمين عليها كيلا لا تقع منهم وحتى يحسن حجهم ويتقبل عملهم:

  1. إن الحج شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام فليس من الإيمان والعقل أن يترك ويعرض عنه لمجرد تعصب مع شخص مثلاً ومما رأيت أنه في إحدى السنين توجهنا إلى الحج وحين وصلنا المسجد الحرام ضيع المتعهد عدَّة من الحجاج لاستهتاره وعدم اهتمامه فلم يعرفوا طرق مكة ومواضع الحملة وكان أحدهم مغفَّلاً جاهلاً فبقي بالمسجد الحرام يراقب هنا وهناك فلم يأته أحد من القافلة فاشتد به الجوع ولم يعرف كيف يطوف وماذا يعمل فزهقت نفسه وخرج وسأل حتى أوصله جماعة إلى القافلة بعد تفتيش وسؤال كثير فلما وصل كفر بالله وخلع الإحرام ولبس الثياب المخيطة وعزم على عدم القيام بأعمال الحج وكنت أنا أحد أفراد الحملة في أول حجة لي ولم أعرف هذه المشاكل ولم أستدل الطرق ولكنني لم أبتعد عن مسؤولي القافلة ولذلك وصلت معهم ولم أضع عنهم وذلك سنة 1966 م. فأتيناه بالطعام والشراب وحدثناه ببعض الأحاديث حتى عاد إلى رشده وتحمَّل المصيبة وتاب إلى الله سبحانه فلبس الإحرام وأعاد النية والتلبية وأخذناه للحرم فطوفناه حتى أكمل العمرة.
  2. وفي تلك القافلة كنا نقرأ لهم في طول الطريق بعض رسائل العلماء في كيفية الحج ولكن أحد الحجاج كان يستكبر أن يستمع ويتباحث معنا لأنه يزعم أنه قد حج قبلاً وأنه يفهم كل هذه الأحكام ولما وصل اختصَّ بجماعه من هؤلاء المساكين وطوفهم حتى أكملوا العمرة فلما وصل ناقشناه وإذا به قد طوفهم ما بين حجر إسماعيل وبين الكعبة فطوافة باطل فأوجبنا عليهم العود للبس الإحرام وإعادة الأعمال من جديد.
  3. في تلك السنة كان الحجاج قد انتشروا ولم يبقَ معي إلا القليل وكان أحدهم غير متوضئ وكنت قد بيَّنت لهم لزوم الوضوء للطواف الواجب فلما أكملنا الطواف قال أنه غير متوضيء فانزعجت منه فأتى لي بالشرطي ليحكم له بصحة الطواف وأن قولي بعدم الصحة خطأ وتعدي على كرامة الحاج، فباركت له وللشرطي حكمهما وقلت اتبع حكم الشرطي ولا عليك برسائل العلماء وخلِّصني من صحبتك.
  4. في سنة أخرى حصل لنا جدالات كثيرة ومشاكل لجهل الناس ومنها أنا حين وصلنا إلى المشعر الحرام نزلنا للصلاة بهم جماعة فلما أكملت المغرب التفتُّ إليهم لأعلمهم صلاة الغفيلة وهي مستحبة بين المغرب والعشاء فقام إليَّ رئيس القافلة الحاج مرعي صائحاً أتريد أن تحبسنا في المشعر؟ صلِّ بنا الفريضة ولنعجِّل بدخول منى فضحكت وقلت يا حاج ليس لك أن تدخل منى شرعاً في هذه الليلة فإن وجوب الوقوف في المشعر الحرام واجب بين الطلوعين فلم يسمع وبقي يصيح ساخطاً وأنا لم أعر له الأهمية وصلَّيت الغفيلة ثم صلَّيت بهم العشاء، ثم جلسنا لطعام العشاء فرأيت أنَّا في وادي محسّر ولسنا في المشعر فقلت إن موقفنا غير صحيح وأن المشعر وراءنا فقامت الصيحة منه ومن جماعة منهم فأخرجت لهم الرسائل العملية تقول يجب الوقوف في المشعر ولا يجوز في وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس فصدَّق الأكثر وكذَّب جماعة المسؤولين فقلت لهم أني ذاهب إلى هناك فمن تبعني فبها ومن لم يتبعني فعليه وزره وحملت فراشي ومشى معي خمسة منهم وامرأتان وكانوا هم حوالي الخمسين نفر فمنع البقية وامتنع جماعة منهم فسرت مع من تبعني حتى صرنا في المشعر المضاء والمحدود وتألمت على الحجاج كثيراً وقمت للرجوع إليهم وأنذرتهم مرة أخرى فرأيت رئيسهم حاملا للعلم وهو يسحبهم لجهتي فتعجبت من هدايتهم فلما وصلوا سألناهم فقالوا أن امرأة ترعى المعز مرَّت علينا وقالت لنا إنه ليس لكم حج فإن هذا ليس المشعر فصدَّقوها وأقبلوا راجعين إلى رسائل العلماء بأمر راعية المعزى.
  5. وفي تلك السنة دخلنا منى وقمنا ببعض الأعمال فرأينا أحد الحجاج قد حلق رأسه كاملا وهو يصفِّق ويتمايل ويقول قد أكملت الأعمال قلنا ما شاء الله على هؤلاء الحجاج وهذه الأعمال: بويه ماذا أكملت قال رميت الشيطان وركبت عليه وضربته بالنعل على رأسه ثم حلقت رأسي، فقلنا له أولاً إن الصعود على الشيطان وضربه حرام لأنه يسبب إبطال رمي الناس إذ بدل أن يرموه فإن الرمي سيكون على ظهرك فلا يصل إلى الجمرة فتكون قد أبطلت عمل مجموعة من الحجاج.

وثانياً إن الله قد أمرك برمي هذا الرمز بالحصى وليس بشيء آخر حتى تبقى في حياتك مخالفاً للشيطان مطيعاً لله وعارفاً بعداوة الشيطان وليس في ضربك الجمرة بالنعال دليل على عصيان الشيطان ولا هو طاعة لله.
وثالثاً إنك خالفت ترتيب الأعمال فإن اللازم الرمي ثم ذبح الهدي ثم الحلق ولا يجوز الحلق قبل الهدي.

  1. في بعض سنين الحج كنا متوجهين إلى رمي الجمرة فسألنا الحجاج: إلى أين أنتم ذاهبون الآن فقالت امرأة من القافلة إننا نسير بحسب ما تسيروننا ولا ندري أين نذهب وماذا نفعل.

فقال لها جماعة أنا ذاهبون لرمي الشيطان، فقلت صحيح أنا ذاهبون لنرمي الشيطان.
فقلت لها لماذا ترمين الشيطان يا حاجة فاطمة؟ قالت لا أدري لماذا.
قلت: لأجل أن تخالفيه في طول حياتك فهل أنت مخالفة له أم عابدة متمسكة به فتعصبت وقالت كيف أعبد الشيطان أو أتمسك به؟
فقلت:
أولاً- هل أن صوت الغناء في بيتك من الراديو وغيره ليل نهار، قالت نعم، قلت ألم تعلمي أن الغناء صوت الشيطان وأن الله يأمر الناس بأن يسمعوا صوت القران وذكر الله ويقول ((أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)) وأن صوت الشيطان حرام استماعه.
قالت صحيح فقلت فهذه عبادة الشيطان.
ثانياً- هل بناتك محجَّبات حين يخرجن أم متبرِّجات؟
قالت متبرِّجات. قلت فهذه عبادة الشيطان، وإذا رجعت أخبريهن أنَّ كل نظرة بزنية فالمرأة الشريفة لا تبدي زينتها للرجال لأن الله تعالى يقول: ((وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)).
ثالثاً- هل تصلِّين أنت وزوجك وأولادك صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، قالت لا، قلت
هذه عبادة الشيطان والحديث يقول (ملعون ملعون من أخَّر صلاة الصبح حتى تحمَّر الشمس) فهذا الشخص ملعون كما الشيطان ملعون.
رابعاً- هل إذا تعصَّبت مع جارتكِ أو مع زوجك أو ولدك أو غيرهم تتكلمين بالكلام الحرام مثل الفحش أو الكفر أو الغيبة والتعيير للمؤمنين، قالت نعم، قلت هذه عبادة الشيطان، والله يقول ((ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) )) ق، فهذه الألفاظ كلها مسجَّلة عليكم وتعاقبون عليها أشد العقاب.
والخلاصة: إن رمي الشيطان إنما هو ليتأدب الإنسان بآداب الله ولا يتبع الشيطان.