الثاني عشر: الخلوص:

[حكم -714] الخلوص أي عدم الرياء
و قد ورد القران والحدث كثيرا في موضع الرياء ويظهر منا أنواع العقاب و العذاب ولم يظهر منها بطلان العمل
أ – فعن داود عن أبي عبد الله(ع) قال من اظهر للناس ما يحب الله عز وجل وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ما قت له)(1)
ب – وعن السكوني عنه(ع) قال قال رسول الله(ص) سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا ً في الدنيا فلا يردون به ما عند ربهم يكون دينهم رياء الا يخالطهم خوف يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الفريق فلا يستجيب لهم)
ج- عن مسمع عنه قال قال رسول الله(ص) ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عند نفاق)
دون عن محمد بن عرفة قال قال لي الرضا (ع) ويحك يا بن عرفة اعملوا لغير رياء و لا سمعة فان من عمل لغير الله و كله إلى ما عمل ويحك ما عمل احد عملا الا رداه الله به ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا)
هـ- وعنه من أراد الله عز وجل بالقليل من عمله اظهر الله له أكثر مما أراده به ومن أراد الناس الكثير من عمله في تصب من بدنه وسهر من ليلة أبي الله الا ان يقلله في عين من سمعه)
و – وعن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد(ع) عن آبائه (ع) ان رسول الله(ص) سئل عن النجارة غدا ً؟ فقال أنما النجاة في ان الاتخاذ الله فيخدعك فانه من يخادع الله يخدعه و يخلع منه الأيمان ونفسه يخدع لو يشعر قيل له فكيف يخادع الله؟ قال يعمل بما أمره الله ثم يريد غيره فاتقوا الله في الرياء فانه الشرك بالله ان المرائي يوم القيامة بأربعة أسماء يا كفار يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له)(2)
ز – وعن علي بن جعفر(ع) عن أخيه عن آبائه قال قال رسول الله(ص) يؤمر برجال إلى النار فيقول الله لمالك قل للنار لا تحرق لهم أقداما ً لهم أقداما فقد كانوا يمشون بها إلى المساجد و لا تحرق لهم وجوها فقد كانوا يسبغون الوضوء و لا تحرق لهم أيد فقد كانوا يرفعونها بالدعاء و لا تحرق لهم السنة فقد كانوا أيكثرون تلاوة القرآن قال فيقول لهم خازن النار يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا كنا نعمل لغير فيقيل لنا خذوا ثوابكم ممن عملتم له)(3)
ح – وعن أبي عبد الله(ع): ان من عمل للناس كان ثوابه على الناس و من عمل لله كان ثوابه على الله ان كل رياء شرك)(4)
ط – وعنه(ع) عن النبي(ص) : ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجا به فإذا صعد بحسناته يقول عز وجل اجعلوها في سجين انه ليس أياي أراد به)(5)
ي – وعن أمير المؤمنين(ع) قال كم من صائم ليس له من صيامه الا الظمأ و الجوع وكم من قائم ليس له من قيامه الا العناء حبذا صوم (نوم) الأكياس و إفطارهم)(6)
[حكم -715] مما مر من الأحاديث الشريفة ومن الآيات ومنها (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا)(7)
عملنا بان الرياء من كبائر الذنوب و العذاب عليه في الدنيا و الآخرة اشد العذاب وانه لا ثواب من الله تعالى في ما عمل مادام راءا في عمله وانه من المنافقين محبطة إعمالهم وفي كلها لم يصرح ببطلان العمل وجوب الإعادة بل ما رأينا في رواية و لا آية و لا فتوى عالم لشخص من المسلمين انك صليت صلاة باطلة يجب ان تعيدها
او ان حجك باطل وان خمسك او زكاة مالك... على كثرة الفسقة و المجرمين والمنافقين و ضعاف النفوس وكل هؤلاء يراؤن ويعملون لغير الله
و الا لم يحرموا يفسقوا و ينافقوا
واعتبر من أصحاب رسول الله(ص) وتصرفهم مع آهل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله من بعد حيث دحروا أمير المؤمنين (ع) عن حقه وغصبوا ارض الزهراء (ع) و حاربوا أمير المؤمنين (ع)
والإمام(ع) بأمر الله و رسوله لم يقصر فيهم اذ قتل منهم مقاتل عظيمة وكان منفذا لقوله تعالى [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ]
ففي هذه الكثرة الكاثرة وهم أكثر أصحاب رسول الله(ص) من المنافقين حيث صرح الرسول(ص) في حقهم قائلا (لا ينجو من أصحابي الا كهمل النعم)
ومعلوم ان المنافقين و الجهنمين الذي صرح الله تعالى في أعمالهم
[إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا]
فهذه الكثرة الكاثرة من الضعاف والمنافقين لم نر من الرسول وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وبقية الأئمة(ع)
أنهم خاطبوا الرجل او امرأة بوجوب أعادة أعماله حين يتوب او لا توب وهم أكثر الناس حيث لا ينجو من الناس الا كهل النعم و القرآن مصرح بهلاك الكثرة ونجاة القلة القليلة
[وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ][ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ](8)
وهذه الايه نزلت في المرائين
فأين بطلان العمل فيها او في الأحاديث الشريفة؟
قال في المهذب (واصل النية وان كان سهلا ً يسيرا ولكن الخلوص في العبادة صعب جدا ً قال علي(ع) تخليص العمل عن الفساد اشد من طول الجهاد) وهو ان يكون الداعي إلى الآتيان العبادة أمر الله جل جلاله و لا يشوبه شيء آخر و تكون الإضافة أليه تعالى علة تامة منحصرة لإتيان العبادة و لا تضم معها ضميمة أخرى)(9)
وهو (السيد صاحب المهذب رح) مع هذا التصريح من مشقة الحفاظ على الإخلاص وهو يعلم ان أكثر الناس ضعاف النفوس لا يستطيعون هذا الحفاظ
مع ذلك قد ساوق المشهور ببطلان العبادة بالرياء !
فقال (فما نسب إلى السيد من انه يوجب عدم القبول لا عدم الصحة فخدوش مع ان عدم القبول في الأخبار يطلق على عدم الصحة أيضا فراجع موثق ابن بكر الوارد في الصلاة فيما لا يؤكل لحمه من قوله: لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره)(10)
وما ورد في عدم قبول من صلى بغير طهور)(11)
وفيه ان التعبير في الكتاب و ألسنه اعم من الحقيقة الشرعية او المشرعة وألا فهل تقول ان الكفر مكروه و ليس بحرام و تفسر بذلك قوله تعالى [وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ](12)؟!
وبالجملة فعدم القبول ليس معناه البطلان وان وردت منه عبارات يظهر منها ذلك في شاذ من التعبيرات الشرعية ولو ورد في عدم الوضوء مثلا ا ً انه لا تقبل صلاته وان لم يرد دليل غيره لما قلنا ببطلان الصلاة بعدمه و المهم ان عدم القبول نفسه لا يدل على البطلان فلا تورده في عبادات ثبت بطلانها من دليل غيره
[حكم -716] حصل الاتفاق على ان الرياء في العبادات حرام ومن كبائر الذنوب وأما في غيره العبادات فمكروه وقد يحرم أيضا
ووقع الاختلاف في بطلان العبادة بالرياء فالمشهور البطلان وغير المشهور قديما وحديثا عدم البطلان وهو الذي أراه و المراءات في غير العبادات مثل تطهير الثياب و السفر والإقامة في مدينة مقدسة واصلة الرحم و العطف على الفقير و الضعيف و اليتيم و غيرها
[حكم -717] ليس من الرياء سرور الشخص بظهور حسناته و ستر سيئاته وحسن سمعته بل حسن السمعة مطلوب للأنبياء(ع) حيث فسر الآيات بذلك مثل [وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا](13)
[وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ](14)
وفي الحديث: من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن)(15)
وهذا إبراهيم(ع) من أبنائه يدعون ربهم بحسن سمعتهم عند الآخرين بقوله (اجعل لسان صدق)


(1) الوسائل ب 11 ح3 مقدمة العبادات و 4 و 6 و 8

(2)

(3)

(4) الوسائل 12 / 1 مقدمة و 2 و 3 و 8

(5) الكهف 18 / أخرها

(6) التحريم 66 / 9

(7) النساء 4 / 142

(8) يوسف 106.

(9)

(10)

(11)

(12) يوسف/7

13)

(14)

(15)