فصل آداب الصلاة

(ها هنا وهج الخاشعين ومعراج المتقين وغوص ذوي الالباب في بحار النور)
حكم-

  1. ان العبادة لها جسد ولها روح فجسدها هذه الشكليات الظاهرة من القراءة والتكبير والركوع والسجود والمقدمات والتعقيبات, واما روحها والتي بدونها فلا ينتفع بها مقيمها فهي الخشوع والغور في انوار السماء والعروج بها مطلقاً الدنيا واهلها والشيطان ونزعاته والنفس وشرورها, وبهذا ترتفع الصلاة بيضاء ناصعة تتلقفها الملائكة قائلة لصاحبها حفظت الصلاة حفظك في الدنيا والآخرة, وبدونها ترتفع سوداء مظلمة كورتها الملائكة وضربتها بوجه صاحبها قائلة له ضيعت الصلاة ضيعك الله في الدنيا والآخرة.
  2. ان العبادة لها صحة ولها قبول وكل مقبول صحيح وليس كل صحيح مقبول, فالصلاة يمكن ان تكون صحيحة ومسقطة للغرض عن الذمة ولكنها لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر فليس فيها خشوع والافكار تتوارد من هنا وهناك ونية صاحبها الشر والكيد بالآخرين ولا يخاف الله ولا يتوجه للعقاب يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.
  3. قال الامام الصادق (ع): (لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب الا وجبت له الجنة فاذا صليت فاقبل بقلبك على الله عز وجل فانه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عز وجل في صلاته ودعائه الا اقبل الله عز وجل عليه بقلوب المؤمنين وايده مع مودتهم اياه بالجنة).
  4. كما قال الله تعالى في كتابه: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا96](1).
  5. وعن ابي عبد الله (ع) يقول (من صلى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله ذنب).
  6. وفي اسرار الصلاة للشهيد (رحمه الله) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (اذا قام العبد الى الصلاة فكان هواه وقلبه الى الله انصرف كيوم ولدته امه).
  7. وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي ذر: (يا ابا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه).
  8. وعن ابي بصير عن الصادق (ع): (يا ابا محمد ان العبد يرفع له ثلث صلاته ونصفها وثلاثة ارباعها واقل واكثر على قدر سهوه فيها ولكنه يتم له من النوافل)فقال له ابو بصير ارى النوافل ينبغي ان تترك على حال؟ فقال ابو عبد الله (ع): (اجل لا).
  9. وعن علي (ع) في حديث الاربعمائة: (ليخشع الرجل في صلاته فانه خشع قلبه لله عز وجل خشعت جوارحه فلا يعبث بشيء).
  10. وعن ابن ابي يعفور قال: قال ابو عبد الله (ع): (يا عبد الله اذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف ان لا يعود اليها ابداً ثم اضرب ببصرك الى موضع سجودك فلو تعلم من على يمينك وشمالك لاحسنت صلاتك واعلم انك قدام من يراك ولا تراه).
  11. وقد قلنا في آداب الاذان والاقامة ان صفوف الملائكة تحيطك بالانوار والاستغفار لك بقدر ما تحسن من صلاتك وتزيد من الذكر.
  12. وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (صل صلاة مودع فاذا دخلت في الصلاة فقل هذا آخر صلاتي في الدنيا وكن كأنَّ الجنة بين يديك والنار تحتك وملك الموت وراءك والانبياء عن يمينك والملائكة عن يسارك والرب مطلع عليك من فوقك فانظر بين يدي من تقف ومع من تناجي ومن ينظر اليك).
  13. ومما عرف من شدة الانصراف الى الله تعالى وعدم المبالاة بالنفس ما عرف عن امير المؤمنين (ع) انه كان اذا دخل الصلاة ربما ينزعون السهم او غيره من جسده ولا يتوجع ولا يتحرك وكذلك روي عن احوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
  14. ومن الحديث عن زهد وخشوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه كان اذا قام الى الصلاة يربدّ وجهه خوفاً من الله تعالى وكان لصدره او لجوفه ازيز كأزيز المرجل.
  15. وكان علي (ع) اذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون فيقال له: مالك يا امير المؤمنين (ع) فيقول: (جاء وقت امانة الله), قال تعالى: [إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ72](2), (فلا ادري احسن اداء ما حملت ام لا).
  16. وعن الامام الصادق (ع) انه يتلجلج لسانه ولا يسرع بالتلبيه والناس يلبون ثم يسألونه ان يلبي فيقول: (اني اخاف ان اقول لبيك فيقول ربي لا لبيك يا عبدي).
  17. وعن عدة الداعي إنه كانت فاطمة (ع) تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى.
  18. وفي الخبر ان علياً وفاطمة في ليلة العرس اغتسلا في اول الغروب ثم قاما بالصلاة طول الليل.
  19. وانها تورمت قدماها من القيام بالعبادة.
  20. ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تورمت قدماه من العبادة وكان يقف على مقدم قدمه حتى نزل قوله تعالى: [طه1] يعني طأها [مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى...2](3).
  21. وعن المفضل بن عمر عن الصادق (ع) ان الحسن بن علي (ع) كان أعبد الناس في زمانه...وكان اذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل.
  22. وعنه (ع) في وصف علي بن الحسين (ع) وكان (ع) اذا قام الى الصلاة تغير لونه فاذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً.
  23. وعنه (ع) كان علي بن الحسين (ع) اذا حضرت الصلاة اقشعر جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة.
  24. ولقد حدث حادث مؤلم وهو انه قد وقع الامام الباقر في البئر وهو طفل فاخذت امه فاطمة (ع) بنت الحسن (ع) تصرخ والامام زين العابدين يصلي لم ينفتل من صلاته حتى أكملها فقال واشار الى الماء فرفعه حتى اخذه ابوه وسلمه الى امه وقال ما اضعف قلوبكن او قال: (خذيه يا ضعيفة اليقين).
  25. ولقد وقع على رأس الامام ابي جعفر (ع) رمح فثبت في رأسه وهو في الصلاة فلم ينزعه حتى قام ولده جعفر ونزعه منه هذا من تعظيم واقبالاً على صلاته وانه يستحي من ربه ان يتحرك لنزع ما وقع عليه وقد قال تعالى: [وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا105](4).
  26. فعلى المصلي ان يكون عليه من الوقار والسكينة والخشوع والخضوع كذلك الذي ثبت عن اولياء الله العظماء.
  27. وان يجدد التوبة والانابة في كل مرة, ولا يظن من نفسه انه بريء فمن ظن هذا من نفسه فهو مغرور جاهل بالواقع الشرعي, ولو تعلم علماً واسعاً في المناطات الشرعية لعلم من نفسه انه في كل نظرة وكل كلمة وكل حركة له تقصير معين وربما معصية بل ربما من الكبائر وهو جاهل لم يدرك سوء ما يفعل.
  28. ولذا قد ورد عن زين العابدين (ع): (الناس كلهم هالكون الا العالمون والعالمون كلهم هالكون الا العاملون والعاملون كلهم هالكون الا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم).
  29. وعليه ان يكون صادق في قوله لله تعالى: [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ5] فلا يعبد الشيطان او الدنيا او النفس او الزوجة او الولد او المال.
  30. وان يكثر من الذكر والدعاء والاستغفار كما يأتي في كل فصل من الصلاة.
  31. وان يفكر انه من يخاطب ففي الحديث اذا اردت ان تخاطب الله فصل واذا اردت ان يخاطبك الله فاقرأ القرآن.
  32. وعن الامام الرضا (ع) في فقهه قال حين قيل له جعلت فداك ما معنى الصلاة في الحقيقة؟ فقال: (صلة الله للعبد بالرحمة وطلب الوصال الى الله من العبد اذا كان يدخل بالنية ويكبر بالتعظيم والاجلال ويقرأ بالترتيل ويركع بالخشوع ويرفع بالتواضع ويسجد بالذل والخضوع ويتشهد بالاخلاص مع الامل ويسلم بالرحمة والرغبة وينصرف بالخوف والرجاء فاذا فعل ذلك اداها بالحقيقة), ثم قيل ما آداب الصلاة؟ فقال: (حضور القلب وافراغ الجوارح وذل المقام بين يدي الله تبارك وتعالى ويجعل الجنة عن يمينه والنار يراها عن يساره والصراط بين يديه والله امامه).
  33.  ولا يأخذك العجب في نفسك فتحسب انك من اهل اعلى عليين وتقول اني من اولياء الله ولو فهمت الواقع الشرعي وما في نفس الله تعالى ولا يعلم ما في نفس الله الا هو حيث قال له عيسى: [تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ116](5).
  34. لو علمت شيئاً من ذلك الواقع لعلمت من نفسك وشيطانك و [لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا18](6).
  35. ومعلوم ان هذا التخشع وحبس النفس عن التفكر في العبادة وحبس البدن عن العبث والتحرك والالتزام بالوقار والسكينة انما يصح ويصدق بعد تصفية حساب العبد من حقوق الآخرين ومن التعديات على العباد.
  36. فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال للامام علي (ع): (ثمانية لا يقبل الله منهم الصلاة العبد الابق حتى يرجع الى مولاه والناشز وزوجها عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار وامام قوم يصلي بهم وهم له كارهون والسكران والزبين وهو الذي يدافع البول والغائط).
  37. وعن عبد الملك عن ابي عبد الله (ع) قال: (اربعة لا تقبل لهم صلاة: الامام الجائر والرجل يؤم القوم وهم له كارهون والعبد الابق من مواليه من غير ضرورة والمرأة تخرج من بيت زوجها بغير اذنه).
  38.  وعن الامام الرضا (ع): (فاذا اردت ان تقوم الى الصلاة فلا تقم اليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة وعليك الخشوع والخضوع متواضعاً لله عز وجل متخاشعاً عليه خشية وسيماء الخوف راجياً خائفاً بالطمأنينة على الوجل والحذر فقف بين يديه كالعبد الابق المذنب المريب بين يدي مولاه فصف قدميك وانصب نفسك ولا تلتفت يميناً ولا شمالاً وتحسب كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ولا تعبث بلحيتك ولا بشيء من جوارحك ولا تفرقع اصابعك ولا تحك بدنك ولا تولع بانفك ولا بثوبك ولا تصل وانت متلثم ولا يجوز للنساء الصلاة وهن متنقبات ويكون بصرك في موضع سجودك مادمت قائماً واظهر عليك الجزع والهلع والخوف وارغب مع ذلك الى الله عز وجل ولا تتك مرة على رجلك ومرة على الاخرى وتصلي صلاة مودع ترى انك لا تصلي بعدها ابداً واعلم انك بين يدي الجبار ولا تعبث بشيء من الاشياء ولا تحدث نفسك وافرغ قلبك وليكن شغلك في صلاتك)
  39.  ثم اسمع عن المتخشعين اتباع الظلمة المتسلطين قال امير المؤمنين (ع) لكميل: (يا كميل لا تغتر باقوام يصلون فيطيلون ويصومون فيدامون ويتصدقون فيحتسبون إنهم موفقون يا كميل اقسم بالله لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ان الشيطان اذا حمل قوماً على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والرياء وما اشبه ذلك من الخن والمأثم حبب اليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود ثم حملهم على ولاية الائمة الذين يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون, يا كميل ليس الشأن ان تصلي وتصوم وتتصدق بل الشأن ان تكون الصلاة فعلت بقلب تقي وعمل عند الله مرضي وخشوع سوي وابقاء المجد فيها الوصية...).
  40. اللازم على العارف بالله ان يعلم ان العبادة اذا حسنت منه فهذا من توفيق الله تعالى وليس من عظمة نفسه وان شاء الله ان يرسل الشياطين عليه وعلى امثاله تؤزهم أزا فليحمد الله انه قد عصمه من قرب الشياطين وليسأله دوام البعد عن الشيطان والعصمة من الزلل والتوفيق لخير العمل ان شاء الله تعالى.

(1)سورة مريم 19/96.

(2)سورة الاحزاب 33/72.

(3)سورة طه 20/2.

(4)سورة يونس 10/105.

(5)سورة المائدة 5/116.

(6)سورة الكهف 18/18.