فصل في بقية احكام الاوقات:

حكم- لا يجوز اداء الصلاة قبل الوقت لا كلاً ولا بعضاً ولا يجوز الشروع بها الا مع اليقين والحجة الشرعية من ساعة مضبوطة او خبر ثقة او علامة سماوية او أرضية متيقنة او اعلان واذان معتمد, كما في خبر ابن مهزيا, عن ابي جعفر (ع)فلا تصله في سفر ولا حضر حتى تتبينه(1), وفي خبر ابن جعفر (ع): في الرجل يسمع الاذان فيصل الفجر ولا يدري طلع ام لا غير انه يظن لمكان الاذان انه طلع؟ قال: لا يجزيه حتى يعلم انه طلع(2), يعني اذا كان المؤذن دقيقاً وثقة يوجب اذانه الاطمئنان صح الاعتماد عليه والا فلا.
حكم- ذووا الاعذار كالسجين والاصم والاعمى وفي الجو المغبر او ذي الغيوم بحيث لم يتبينوا دخول الوقت قالوا بكفاية الظن في حقه واستدلوا بالعسر والحرج, ولكن بعض الشارحين شددوا في عدم قبول الظن وجعل الصبر حتى حصول اليقين ليس بعسر ولا بحرج وهذا خلاف الظاهر من احوال الناس فمنهم من انسد عليه العلم مثل:

أ - سجين لا يعرف الليل من النهار.

ب - نعسان اذا لم يُصلِّ حالياً تأخذه النومة ويخرج الوقت.

ج - هو على سفر وان لم يُصلِّ فسوف لا يسمح له في الطريق بالصلاة ولا يصبر عليه.

د - انه ضعيف التدين وابوه او قريبه حريص عليه ان يصلي وان امره بالتدقيق والصبر انه يترك الصلاة, فهو ليس بحرج ولكن المشرف عليه في حرج.

هـ - ان السماء غائمة وما شابه مما لو اخر احتمل فوات الوقت بدون ان يعلم وما شابه من الاسباب الطبيعية كالخسوف والكسوف وستر الشمس بالابنية والجبال وما شابه.

وأستدل المشهور:
أولا: بالاصل: وهو ان المكلف يجهد نفسه بمقدار ما يستطيع والاصل عدم التكليف بما يوجب الحرج والعسر فهو موضوع عنهم, اقول ان صدق فهو المتبع.
وثانياً: مقدمات الانسداد: وهو عدم تيسر العلم والعلمي وهو لم يشترط فيه عدم التيسر العقلي وانما الغياب العرفي وعدم القدرة الشخصي, وهو واقع بحسب بعض احوال المكلفين.
وثالثاً: بجمله من الاخبار مثل:

 

أ - صحيح القسري قلت لابي عبد الله (ع): اخاف ان نصلي يوم الجمعة قبل ان تزول الشمس؟ فقال (ع): انما ذلك على المؤذنين(3), وهذا تسامح اسلامي مع المكلفين ووضع الامر عنهم لان المؤذن يكفِ في الثقة العرفية وهي لم تصل به حد القطع واليقين.

ب - ولا يعارضهُ منه خبر علي بن جعفر (ع) المذكور في الصفحة الماضية لان المؤذنين الذين لم يعتمدهم الامام (ع) انهم مؤذنوا العامة حيث لم يعرف للشيعة مساجد واجتماعات ولهم مؤذنون حسب ظاهر تاريخ الشيعة للرعب والمطاردات التي عاشوها.

ج - ويشهد لذلك ايضاً خبره الآخر: عن رجل صلى الفجر في يوم غيم او في بيت وأذن المؤذن وقعد واطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع الفجر ام لا فظن ان المؤذن لا يؤذن حتى طلع الفجر قال اجزأه أذانهم(4).

د - قال في المهذب: وبالجملة ان ما ورد في اعتبار الاذان الموجب للوثوق مطابق لمرتكزات العقلاء وطريقة الشارع في سائر الموارد خصوصاً في الامور العامة البلوى فيكون حاكماً على قاعدة الاشتغال وما دل على اعتبار العلم(5).

هـ - وموثق ابن بكير: ربما صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال: لا تعد ولا تعد(6), يدل على ان المكلف اذا صلى بدون تحقيق وتدقيق فقد قصّر في واجبه ولكنه ان طابق الواقع في دخول الوقت صحت صلاته.

و - عن عبد الله القروي قال دخلت على الفضل بن الربيع... هذا ابو الحسن موسى بن جعفر (ع) اني اتفقده الليل والنهار فلم اجده في وقت من الاوقات إلا على الحالة التي اخبرك بها انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد له الزوال فلست ادري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس اذ وثب فيبتدي الصلاة من غير ان يحدث وضوء فاعلم انه لم ينم في سجوده ولا اغفى ولا يزال الى ان يفرغ من صلاة العصر ثم اذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجداً الى ان تغيب الشمس فاذا غابت الشمس وثب من سجدته يصلي المغرب من غير ان يحدث حدثاً ولا يزال في صلاته وتعقيبه الى ان يصلي فاذا صلى العتمة افطر على شواء يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومه خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع اذ وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول اليّ(7), وهو يؤكد على اعتماد على خبر غلام ولم نعلم ان هذا الغلام بالغ ام لا مما يدل ان العرفي المعمول بين الناس كاف في التوثيق الشرعي, وكيف كان فلا الاستهتار والاستخفاف مقبول باثبات الوقت ولا التحقيق والتدقيق حتى يضيق عليه دينه كبني اسرائيل مفروض, وانما ملاحظة احوال كل شخص والجو الغالب فيقبل لبعضهم ادنى إطمئنان.

حكم- اذا اطمأن بالوقت او دخل بالصلاة ساهياً عن مراعاة الوقت فدخل الوقت وهو في الصلاة صحت صلاته لخبر ابن رباح(8) بخلاف ما تبين ان كلها قبل دخول الوقت فانها باطلة سواء دخل الصلاة سهواً أو عمداً أو علماً, وكذا اذا لم يتبين الحال فالاحوط الاعادة او القضاء وكذا اذا كان في الصلاة وتبين له ان الوقت لم يدخل فليس له ان يستمر بالصلاة بنية الوقت حتى لو علم انه باستمراره سوف يدخل الوقت وهو في الصلاة ولكن ايضاً ليس عليه ان يقطعها بل يستمر ويعدل بها الى القضاء او الى صلاة اخرى كما سيأتي الكلام عن العدول.
حكم- اذا شك بعد الفراغ من الصلاة بوقوعها قبل الوقت او في الوقت فان علم انه حين الشروع كان ملتفتاً بنى على صحة عمله, وان علم بانه كان غافلاً او لم يتذكر حاله فعليه ان يعلم بدخول الوقت قبل الصلاة او في الاثناء حتى يشمله الحديث (من ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت)(9), هذا اذا كان حين الشك عالماً بالدخول والا فلا يمكن الحكم بالصحة فيعدل بما صلى الى القضاء ويعيد الصلاة حين يتوكد دخول الوقت.
حكم- يجب في ضيق الوقتالاقتصار على الواجبات والمستحبات التي لا تسبب امتداد بعض الصلاة الى ما بعد الوقت وان فعل ذلك اثم ولكن صحت صلاته بدليل حديث (اذا ادرك ركعة من الوقت فقد ادرك الوقت), والتضييق والتعجيل انما هو في الاجزاء التي هي قبل انتهاء الوقت, واما الواقعة بعد الوقت فله ان يطول بها ما شاء, مثلاً لو صلى صلاة العصر في اخر الوقت فانه يقيم الصلاة مرة مرة او بدون اقامة ويكبر تكبيرة الاحرام ويقرأ الحمد وسورة جداً صغيرة وفي الركوع والسجود تسبيحة كبيرة واحدة او تسبيحات ثلاث صغرى, وفي القنوت يقول سبحان الله فقط ثم سمع المؤذن يؤذن للمغرب فله ان يطيل الركوع والسجود والتشهد والتسبيحات ما شاء من الذكر والدعاء والتسبيح الى آخر الصلاة.
حكم- ان رأى نفسه في صلاة العصر وشك انه ادى الظهر ام لا؟ بنى على صحة دخوله في الصلاة وتشمله قاعدة التجاوز واما دفعها بدعوى انها تصحح ما سبق من صلاة العصر لا ما يأتي وما شابه هذه الفلسفة فكلام شعري يفضي الى الغاء القاعدة في كل مواردها, وأما اذا شك بنية دخوله بالعصر وشك بانه صلى الظهر ام لا, فهنا يبني على عدم دخوله في العصر وعدم أدائه الظهر والامر واضح هذا اذا كان في الوقت المشترك واما لو كان في الوقت المختص بالظهر فلا يبني على تجاوزها مطلقاً.


(1)الوسائل ب58 ح1 و3 و 4 مواقيت.

(2)الوسائل ب58 ح1 و3 و 4 مواقيت.

(3)الوسائل ب3 ح3 و 4 الاذان.

(4)الوسائل ب3 ح3 و 4 الاذان.

(5)مهذب الاحكام 5/141.

(6)الوسائل 4/16 المواقيت.

(7)الوسائل 59/ 2 المواقيت.

(8)الوسائل 30 الباب كله بهذا المضمار.

(9)الوسائل ب30 ميقات.