51 – كتاب الأيلاء و هو الرابع من الأحكام البرزخية

حكم – أصل الكلمة اولاء: بكسر الهمزة فالواو حرف لين و يسمى حرف علة و هو ينقلب دائماً إلى جنس الحركة قبله فانقلب هنا إلى ياء لكسرة الهمزة و في آلاء انقلب إلى ألف لفتح الهمزة قبله
و القول: ألايأ لو على وزن دعا يدعو بمعنى حلف مثل آلية على نفسي أن افعل كذا و كذا و المصدر ألوة بفتح الهمزة مثل دعوة أو بضم الهمزة بوزن غرفة و مصدر المرة إليّة بالتشديد مثل عطيّة جمعها ألايا و في الآية يقول [وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ](1) أي لا يحلف الغني بعدم إيتاء الفضل للفقراء نزلت في ردع شخص أغضبه فقير فحلف أن لا يعطيه صدقة.
حكم – الآية فيما نحن فيه أي ألايلاء قوله تعالى [لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ] أي يحلف الرجل أن لا يجامع زوجته فالمرأة تصبر [تَرَبُّصُ]أي انتظار [أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا] رجعوا لمضاجعة المرأة و جماعها [فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] أي فليغفر بعضهم لبعض و ليتراحموا بينهم [وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ](2) هو يصح شرعاً أيضا.
حكم – الإشكال في هذه القضية أن القسم لا يصح شرعاً إلا في الأمور الراجحة و عمل الخير و ليس في فراق الزوجة و تفتيت العائلة و قد صح هنا خاصة دون بقية الحلف في شيء آخر و قد نص على أن الزوج حلف أن يغيض زوجته و يقهرها و ليس لينفعها كما إذا كانت مريضة و احتاجت لترك جماعها فان الحلف يكون راجحاً على قاعدة بقية القسم كما في الحديث صحيح الحلبي: (أيما رجل آلا من امرأته و الأيلاء أن يقول و الله لا أجامعك كذا و كذا و الله لأغضنك ثم يغاضبها فانه يتربص به أربعة أشهر)(3)
حكم – لو حلف أن لا يطأ امرأته اقل من أربعة أشهر فليس له حكم الأيلاء إذا صبر كل المدة و لم يأتها لأن المدة التي هي اقل من أربعة أشهر لا يجب عليه وطأ المرأة فقد حلف على ما هو حقه
نعم إذا لم يصبر و أراد الرجوع إلى جماعها قبل نهاية المدة المحلوف على ترك الجماع فيها فعليه أن يعطي الكفارة كما سيلي.
حكم – كل نكاح ليس فيه طلاق لا يصح فيه الأيلاء فالمرأة التي تعقد بالمتعة (المؤقت) إذا حلف أن لا يجامعها فان كان الجماع لها ليس سيئاً و تركها راجحاً صح الحلف لأنه قسم في شيء راجح و إذا أراد المخالفة بالجماع فعليه الكفارة و أن كان الجماع حسناً و لأسوء فيه فلا يصح هذا القسم لأنه ليس براجح وأنها ليست لها طلاق وإنما تفارق بانتهاء المدة أو بهبة بقيتها لها.
حكم – لا ينعقد الأيلاء بالزوجة قبل الدخول بها فان حلف على ترك وطئها فان كان فيه المصلحة صح لرجحانه وإلا فلا يصح كما في الصحاح كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال ( غير المدخول بها لا يقع عليها أيلاء ولا ظهار )(4)
حكم – لا ينعقد الأيلاء إلا ببلوغ الزوج المولي وعقله واختياره فلو جبر على الأيلاء أو الظهار أو الطلاق وما شابه من الإيقاعات فلا يعتبر ولا يصح و الأيلاء يقع بقصد الضرر بالزوجة حقاً أو ظلماً ولابد من القصد فالساهي والغالط والجاهل باللفظ والمازح و.....وغيرهم مما لم يتم قصده لا يعتبر شيئاً.
حكم – في الحديث تفصيل قضية الأيلاء في صحيح برير بن معاوية عن أبي جعفر (ع)وأبي عبد الله (ع) قالا (إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولاحق في الأربعة أشهر ولا إثم عليه في كفه عنها فان مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فسكنت ورضيت فهو في حل وسعة فان رفضت أمرها قيل له أما أن تفيء فتمسها وأما أن تطلق والطلاق يخلي عنها فإذا حاضت وطهرت طلقها وهو أحق برجعتها ما لم تمضي ثلاثة قروء فهذا الأيلاء الذي انزله الله تعالى في كتابه وسنة الرسول (ص)(5))
حكم – الحلف بغير الله تعالى لا كما يخبثون المبتدعون وينتقدون الشيعة فان الشيعة لم يعملوا إلا بما جاء بالكتاب والسنة، فان الله تعالى قد اقسم بعمر الرسول (ص) [لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ](6) واقسم بالشمس والقمر والنجوم والقلم وغيرها ويقسم أمير المؤمنين (ع) مراراً بقوله (لعمر الحق) ولو راجعت الأحاديث لتجد كثراً من القسم بالمقدسات في الأحاديث نعم انه لا ينعقد و ليس في حقه كفارة
حكم – الايلاء هنا لا ينعقد بغير اسم الله تعالى و أسمائه الخاصة مثل قوله: و الرحمن الرحيم و خالق السماوات و الأرض و رب العباد و لا يعتبر فيه العربية و لا القواعد العربية و إنما يتكلم بلغته و بقصد الايلاء فلو قال ( بخدا لا أجامعك بفتح الكاف لأنه لم يفهم الفرق بين المذكر و المؤنث باللفظ صح الحلف ) بل و يصح إذا لم يصرح بالجماع أو الوطئ بأن يقول لا اجمع رأسي و رأسك على مخدة أو لا تجمعنا غرفة أو لا يظلنا سقف بيت و قصده عدم الوطئ كما في حديث موثق لبريد بن معاوية قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في الايلا ء (إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته و لا يمسها و لا يجمع رأسه و رأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر )
حكم – إذا آلى زوجته بترك جماعها مدى الحياة أو بمدة طويلة فان صبرت فلا يجبر على الفئة أو الطلاق فإن رفعت أمرها للحاكم الشرعي أنظره أربعة أشهر و هذه الأربعة تبدأ من حين مراجعة الحاكم حتى لو كان صبرها شهور أو سنين كما عن العباس عن الرضا (ع) قال: (ذكر لنا أن اجل الأيلاء أربعة أشهر بعدما يأتيان السلطان فن مضت الأربعة أشهر فإن شاء امسك و أن شاء طلق و الإمساك المسيس)(7) و كيف كان فان واقعها في المدة المضروبة سقط الحكم مع الكفارة و أن لم يرجع اجبره اجبره الحاكم على الفئة أي الرجوع أو الطلاق فإن لم يفعل حبسه و ضيق عليه في المطعم و المشرب حتى يختار احدهما لا يعين عليه احدهما
حكم – إذا طلق رجعياً ثم رجع عليها في العدة لزم أن يطأها فإن لم يطأها رجع حكم المطالبة بالطلاق أو الفئة لأن الرجعية بحكم الزوجة ما دامت بالعدة و أما إذا طلق طلاقاً بائناًً ثم عقدها من جديد فقد سقط حكم الزواج الأول نعم لو ترك الموافقة وجب وعضه أن لا يتركها اربعة أشهر و ليس بحكم الايلاء , نعم إذا وطأها قبل خروج مدة العدة فان عليه الكفارة لعدم زوال كونها في العدة على الاحوط
حكم – إذا وطأها في مدة التربص أو قبلها أو بعدها قبل خلاص مدة الايلاء و جب الكفارة و هي كفارة يمين كما و عشرة مساكين بإطعامهم أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثاً (8) لأنه حنث لليمين و الفرق بين هذا اليمين و غيره أن هذا اليمين يجب حنثه بينما غيره يحرم حنثه
حكم – إذا وطأ في حال التربص سهواً و نسيان للايلاء أو بجنون أو الاشتباه بالحليلة أو بالنوم فان رضي حين يتذكر و يفيق فان عليه الكفارة و يعتبر قد فسخ الايلاء مثل ما لو لم يجامعها في الاثناء
حكم – لو كان في وقت التربص كان مريضاً و لا يستطيع الجماع أو هي مريضة أو حائض أو مسافرة أو منعها مانع أو انه خائف من عدو متربص له فلا يجلس الزوج حتى يثبت تمكنه و يمتنع فيجبر إما على على الفئة أو يطلق
حكم – لو ادعى الوطأ و انكرت يقبل قوله بيمينه و إذا شاؤوا الفحص و إذا اختلفا في انقضاء المدة يقدم قول من يدعي البقاء استصحاباً له و إذا اختلفا في زمان ايقاع الايلاء أو المرافقة فالقول قوله من ينكر الانقضاء و يدعي البقاء. قال الفقهاء هذا ميلاً لجانب الحدث الاقوى و هو صحة النكاح و بقاؤه و تقديم اثاره عند الشك ولو لم نلاحظ أهمية بقاء الزوجية و صحة الاخذ بآثارها لكان التوجيه مشكلاً و ذلك لأن استصحاب ايقاء الايلاء أو المرافقة يدفعه استصحاب عدم الفئة إليها إلى زمان الشك.
حكم – يمكن الايلاء لأكثر من زوجة بلفظ واحد كما يمكن الايلاء و الظهار بجملة واحدة و المشهور أن عليه كفارتان و لكن اختلاف مدة الظهار عن الايلاء دعانا إلى التفصيل
فإن مدة الظهار ثلاثة أشهر فإن فاء أي رجع لنكاحها قبل انتهاء الثلاثة فإن عليه كفارتان
و مدة الايلاء اربعة أشهر فإن يرجع لجماعها بعد الثلاثة و قبلا لاربعة فإن عليه كفارة الظهار فقط
لو اختار كفارة الظهار صيام شهرين [قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا](9) أو كان الظهار متأخراً فرجع بعد الشهرين طولب بالكفارتين و الاحوط الكفارتان مطلقاً
و لكن في رواية ألسكوني عن علي (ع) (في رجل آلى من امرأته و ظاهر في كلمة واحدة , قال عليه كفارة واحدة) و احتملوا فيها التقية و قعدة الإلزام للعامة أو انه حلف مظاهراً وليس بحلف على ترك الوطىء وظاهراً مستقلاً وهذا التفصيل جيد.
53 – كتاب الظهار في البرزخية وهو الفصل الخامس
حكم – الظهار مشتق من اسم جامد هو الظهر لتشبيه ظهر زوجته بظهر أمه بالتحريم وليس من اسم معنى مشتق وهو الظهور المقابل بالظهور والإخفاء وهي مسألة مهمة في أحكام الإسلام وقد نزلت فيها سورة المجادلة وكان في الجاهلية من ألفاظ الطلاق وسببه إن وطأ الزوجة يتم أما بعلوه على بطنها وأما بركوب ظهرها كركوب الدابة وقد نفر نفسه عنها ونفر زوجته عن ركوبه إياها بتشبيه ظهرها بظهر أمه ولا يكون في البشرية أن تركب إلام إبنها على ظهرها وهما عاريان في الجماع.
حكم – أشكل الراوندي انه مشتق من الظهر الذي هو عضو الإنسان وقال انه مشتق من الظهور لأنه ينكحها يظهر عليها أي يملك ظهرها أو يعلو عليها و ألا لكان البطن اقرب إلى الجماع واغلب عند الوطأ.

أقول بل أن الاشتقاق من الظهر وعدم ذكر الفرج أو البطن أو الركاب الذي هو سطح الفرج كالعانة في الرجل أو هو الركب بفتح الراء وسكون الكاف لمراعاة حياء الباحثين والخطباء بين الناس خصوصاً إذا كان خطيب على النساء والرجال فأنه يستحي من تفصيل عورة المرأة وما قارب العورة واستعمال الزوج لها، واشتقاق الحكم من الظهر أكثر لطفاً من اشتقاقه من التفريج أو التبطين أو التفخيذ و ألا فالمسألة تشمل تشبيه الزوجة بأي عضو من إلام كما سيلي.


(1)النور 22

(2)البقرة 226 -227

(3)الوسائل ب1 ح1 أيلاء

(4) الوسائل ب8 ح2 أيلاء

(5) الوسائل ب2 الأيلاء

(6) الححرات 72

(7) الوسائل ب8 ح7 ايلاء

(8) كما في الآية [فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَحدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ]

(9) المحادلة