- كتاب النشوز و الشقاق و هما الثاني و الثالث من الإحكام البرزخية: النشوز و الشقاق

حكم – النشوز هو الارتفاع و التعالي على الشيء و يعبر عن القيام المفاجيء و الجاد كما في قوله تعالى [وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا](1) أي قوموا و اذهبوا و هو يطلق على الرجل حيث يرتفع عن أداء حقوق زوجته و يؤذيها و يطلق على الزوجة إذا عصت حقوقه و آذته
و في القرآن الكريم الاثنان قال تعالى [ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ...](2)
[ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً](3) و لا يعبر بالنشوز عن الارتفاع بالخير و الصلاح و أنما يستعمل بالترفع عن الحق بالظلم و الجور و كل عمل شاذ عن الطبيعة العقلائية و أمر خارق للطبيعة له نشاز
حكم – نشوز الزوجة هو عنادها عن الطاعة الواجبة عليها كامتناعها عن االأخلاق الخارقةملاعبتها مع رغبته و إبداء شوقه لها أو كلماتها عليه بكلمات نابية ظلماً أو تعديها على بعض أهله و استغابتهم و الافتراء عليهم أو بعض الأصدقاء أو الأقرباء أو خروجها من البيت عناداً له بصورة منهية شرعاً و لو امتنعت عما هو غير واجب عليها فلا تكون ناشزاً كالتنظيف و الكنس و الطبخ له و لكن في المقابل له أن يمتنع عن البذل الزائد عن المعتاد
حكم – في الآية الكريمة [ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ] و كان النشوز لم يهجم رأساً و أنما له مقدمات كتغيير عادتها تتفاقم في التصرف صوتاً و كلاماً تحركات شاذة و مزعجة و على الرجل حينئذٍ يبدأ بمراحل إيقافها عن الدخول بالنشوز و قد رسم القرآن الخطوات لإرجاعها إلى التصرف الصحيح و السعادة العائلية فقال [فَعِظُوهُنَّ] بالكلام اللطيف و الآيات و الأحاديث الشريفة فان لم ينفع جاز هجرها يعني تركها في فراشها مستقلة أو في غرفة أخرى فان لم ينفع و لم يكفي تأديبها جاز ضربها ضرباً خفيفاً كما سيأتي كما في تتمة الآية كما يلي
حكم – النشوز كما قلنا هو العمل الناشز أي الشرير الخارج عن الأدب و الأخلاق الخارقة أمام الآخرين و يقال ناشز. و يقال على الزوجة و على الزوج كما في الآيتين , و أما لو كان كل منهما خارج عن الأخلاق إلى التنازع و التجاسر و سوء الخلق فيقال (شقاق) فان السوء فيه من الطرفين , و هذه كامل الآية [فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ] خاضعات مطيعات [حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ] لا تفضح أسرار زوجها وأهله وتستر ما يلزم ستره [ بِمَا حَفِظَ اللّهُ] كما أمر الله [ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ] ترفعن عن الواجب الذي عليهن وعصيانهن [ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ] في فرش النوم [ وَاضْرِبُوهُنَّ] ضرباً خفيفاً لا يتجاوز الرحمة والتعايش السلمي [فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً] لا تلجوا بإعادة ذكر نزاعها وعصيانها حتى لا تنتكس الأخلاق بينكما من جديد [ِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً] (4)
وان كان الزوج هو الناشز فعل المرأة أيضاً أن تعضه بالهدوء واللطف فان لم ينفع سلطت عليه احد العقلاء ممن يسمع وعظه وقد تتجاوز عن بعض حقوقها لمراضاته وسكونه إليها كما في الآية [فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا] (5) بان تتنازل عن بعض حقوقها أو تهدي له هدية وتتلطف به لتهدئته وترضيته كما سيأتي في مقدمات الطلاق، والآية الأخرى أيضاً [وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً] سوء خلق وتقصير في أداء حقوقها واحترامها [ أَوْ إِعْرَاضاً ] عنها [فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً] (6) بان تتجاوز المرأة عن بعض حقوقها والإعفاء عن سوء أخلاقه معها.
حكم و آية الشقاق [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا] بان يشق كل منهما معاهدة التعايش السلمي والاحترام ألمتبادل أو يكون كل منهما في شق أي في زاوية من الحجرة متباعدين عن بعضهما كناية عن شدة التنازع و سيأتي حكم هذه الحالة و هو أن يكلفا شخصاً أو أشخاص من محبي و مائلي النفوس للزوج و جماعة من أصل الزوجة و راغبي نصرتها و هم عادلون عقلاء [ فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا] يتفقان على حكم الإصلاح و الطلاق [ إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا](7).
حكم- الهجر والضرب لا يجوز القسوة يهما فلا يخرج من البيت ويسكن في بيت أخر إلا إذا كانت شديدة العصيان والطغيان وإلا فالآية تقول أن تهجروهن في المضاجع يعني بالفراش بان تباعد عنها فراشك أو تدير ظهرك إليها أو يكون في حجرة أخرى، والضرب لا يجوز أن يكون مدمياً و لا محمر البدن و لامسودّة و لامزرقّة و إلا كان فيه الدية و يكون بقصد الإصلاح و عدم الطغيان لا بقصد العدوان و الانتقام و الاستصغار و التحقير و إنما بقصد التأديب و التوجيه للصلاح و رجوع الاحترام المتبادل
حكم – إذا نشزت و هو غائب أو غافل أو هو معرض و غير مهتم ثم لما توجه إليها و حضر عندها حسن أخلاقها و رجعت إلى الطاعة فلا تعتبر ناشزاً و لا يلزم المباشرة بالوعظ و إنما أن يوكل غيره ممن يمكن أن , و إذا ادعت حجة مصدقة في نشوزها فلا نشوز ولو أنكرت النشوز في الماضي نظر في عملها المستقبلي و يقاس عليه.
حكم – إذا نشز الزوج تعظه المرأة أو تسلط غيرها يعظه و لا تهجره و لا تضربه و إنما ترفع أمرها لمن يؤثر به لإصلاحه فان لم ينفع رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي
حكم – يجب على الزوج أن يراعي شعورها و أحوالها فلا يحكم عليها بأول تقصير بالنشوز فلعلها كانت مريضة أو غاضبة أو مقهورة من شيء أو عندها مصيبة لموت قريب لها أو خسرانه أو رأت تصرفاً سيئاً من الزوج فعليه أن يصلح عمله قبل النقد لها و الضغط عليها و هي أيضا ليس لها أن تحكم عليه بالنشوز بأول تقصير و إنما تلاحظ أحواله و ظروفه و ما أصابه في خارج الدار أو في داخله و هذه المراعاة منهما لبعضهما هي الموجبة لسعادتهما و سلامة دنياهما و رضاء ربهما و أجرهما في آخرتهما.
حكم – ورد في خطبة الوداع من الرسول (ص) أن لنسائكم عليكم حقاً و لكم عليهن حقاً حقكم عليهن أن لا يوطين فرشكم و لا يدخلن بيوتكم احداً تكرهونه إلا بإذنكم و أن لا يأتين بفاحشةٍ فان فعلن فان الله قد أذن لكم تعضوهن و تهجروهن في المضاجع و تضربوهن ضرباً غير مبرح فا ن انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف و عن مجمع البيان عن الإمام الباقر (ع) (انه الضرب بالمسواك )(8) و عن النبي (ص) (إني أتعجب ممن يضرب امرأته و هو بالضرب أولى منها) و قال (لا تضربوا نسائكم بالخشب فان فيه القصاص)(9) وحديث الحولاء عنه (ص) (فأي رجل لطم امرأته لطمة أمر الله عز و جل مالك خازن النيران فيلطمه على حر وجهه سبعين لطمة في نار جهنم)
حكم – ورد في أذية النساء لأزواجهن عن النبي (ص) قال (من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها و لا حسنة من عملها حتى تعينه و ترضيه و أن صامت الدهر و قامت و أعتقت الرقاب و أنفقت الأموال في سبيل الله و كانت أول من ترد النار) ثم قال رسول الله (ص) (و على الرجل مثل ذلك الوزر و العذاب إذا كان لها مؤذياً)
حكم – في قوله تعالى [وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا ] قال الإمام الصادق (ع): نزلت في ابنة محمد بن مسلمة كانت امرأة رافع بن خديجة و كانت امرأة قد دخلت في السن فتزوج عليها امرأة شابة كانت أعجب إليه من ابنة محمد بن مسلمة فقالت له ابنة محمد بن مسلمة ألا أراك معرضاً عني مؤثراً علي فقال رافع هي امرأة شابة و هي أعجب إلي فان شئت أقررت على أن لها يومين أو ثلاثة مني ولك يوم واحد فأبت ابنة محمد بن مسلمة أن ترضاها فطلقها تطليقة واحدة ثم طلقها أخرى فقالت لا و الله لا ارض أو تسوي بيني و بينها يقول الله [وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ]يعني شحت نفسها بأن تبذل يوماً منها حتى ترضيه و حضر شحه أيضا بالتساوي بين المحبوبة و الأقل حباً كلا الشحين حضرا في نفوسهما (و ابنة محمد لم تطب نفسها بنصيبها و نفسها شحت عليه فاعرض عليها رافع و إما أن يطلقها الثالثة فشحت على زوجها و رضيت فصالحته على ما ذكرت)
حكم – بمناسبة الحكم و الموضوع نعرف أن المراد من قوله تعالى [من أهله... من أهلها] انه ليس المهم القرابة النسبية و إنما المهم انه من طرفها و آخر من طرفه أما أن توكل هي من قبلها و يوكل هو من يختار ممن يمثله و إنما المهم أن الذي يمثله يحشم لصلاحها و يهمه نصرتها و الي من قبله أيضا من يدافع عنه و ألا فإذا كان كلاهما عدواً لها أو كلاهما عدواًً له فسوف يحكمان لخذلانه و الفراق عنه و عدم العدالة في حقهما و لذا لا يصح أن يكلف الزوج الرجلين أو الشخصين ألا بقبول الزوجة و كذلك لا تختص هي بتكليف الشخصين ألا بأمره أو إذنه

حكم – الآية الكريمة قالت [ حَكَماً.... َحَكَماً] بلفظ المفرد و لكن المحتمل أن لا يشترط الفردية فيصح أن أكثر من واحد من الرجال و النساء من قبلها وجهتها و كذلك جماعة من جهته و يجلسون و يتفهمون تفاصيل النزاع و أسبابه و لابد أن يكونوا متشرعين فلا يتعدوا الشريعة في الحل و الطرح و إذا تبين أن بعضهم غير متشرع فلابد أن يخرج من مجلس الإصلاح و يستبدل بالعارف و الأكثر طيباً و عقلاً و إرادة للإصلاح.


(1)المحادلة 11

(2)النساء 34

(3) النساء 128

(4) النساء 34

(5) البقرة 229

(6) النساء 128

(7) النساء 35

(8)الفقه 5/169 النكاح عن تحف العقول

(9)المستدرك النشوز