دأب التعسس والتجسس على المسلمين - (ثم يسقط الحدود الشرعية على العصاة المستحقين لها)

حكم- لو تجسس شخص عادي من المسلمين وجب على الحاكم العادل ان يعزره حتى يتوب فكيف لو رأيت خليفة المسلمين يتجسس عليهم ليلاً بما يسمى يتعسس ونهاراً ويقال له تجسس ولكن عاشقيه اعتذروا له باعذار كما هي العادة بل بدلوا سيئاته حسنات واعتذارهم للناس وربما يقنعون جهلة الناس وامعاتهم ولكن الله لا يفوته شيء [وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ27](1), وآية تحريم التجسس صريحة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا...12](2), وفي الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (اياكم والظن) أي سيء الظن (فان الظن اكذب الحديث ولا تحسسوا), وهو التدخل في شؤن الناس غير السرية (ولا تجسسوا) أي التفتيش عن اسرار الناس بالنظر والاستماع وباقي الحواس (ولا تناجشوا) اذاعة اسرار الناس وفضحهم او يتعامل شخص مع البائع وهو لا يريد الشراء وانما ليسمع آخر ويقهر على الترخيص للاخر او بالعكس ان يزيد على الدلال حتى يزيد المشتري الحقيقي وهو من الغش والخداع والمكر السيء بالناس, (ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغظوا وكونوا عباد الله اخواناً).
وتعال الى سيرة عمر في تسلطه على الامة المسكينة كان يتعسس ويتلصص على العوائل ليلاً فسمع امرأة تهز سريرها وتقول: (فو الله لولا الله لا شيء غيره لهزهز من هذا السرير جوانبه...), ومعناه انها خائفة من الله ولولا خوفها من الله لزنت لان الشهوة الجنسية اشتدت فيها, فدخل عليها وسألها عن اسباب هذا القول فاشتكت غياب زوجها, وهذه مجموعة من الحماقات والمعاصي الموبقات, اولاً لا يجوز ان يضع اذنه ويتسمع بما يجري في بيوت الناس خصوصاً ليلاً, وثانياً يحرم ان يدخل على امرأة وحيدة والتدخل باحوالها, وثالثاً اذا تعرف على مثل هذا بدون تعسس مخزي ولا تلصص شائن ان يستشير العارفين بطرح حاجات الناس وحلها ويكلف من يحل مثل هذه المشاكل.
والقضية الثانية التجسس والتعسس, انه تجسس على بيت فسمع رجلاً يغني في بيته فتسور عليه الحائط, سبحان الله فيا لله وللخلفاء, فوجد عنده امرأة وزقاً من خمر فقال أي عدو لله اظننت ان الله يسترك وانت على معصيته؟ فقال لا تعجل يا امير المؤمنين ان كنتُ اخطأت في واحدة فقد اخطأت انت في ثلاث, قال الله تعالى [وَلَا تَجَسَّسُوا] وقد تجسست, وقال [وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا...189](3), وقد تسورت, وقال [فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا...61](4), وما سلمت, فقال هل عندك من خير ان عفوت عنك(5), قال نعم, فعفا عنه وخرج(6), والخبر مشهور عند الرواة, وهل فعل ذلك او مثل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) او امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) ؟ وهل يصح عند العقلاء المستقيمين ان يكون مثل هذه العقلية ان يحكم المسلمين ويسمى اميراً للمؤمنين.
وعن السدي تصرف اكثر صبيانية انه خرج عمر بن الخطاب فاذا هو بضوء نار واتبع الضوء حتى دخل الدار فاذا سراج في بيت فدخل واذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه فلم يشعر حتى هجم عليه عمر فقال: ما رأيت منظر اقبح من شيخ ينتظر اجله, فرفع الشيخ رأسه فقال بلى صنيعك انت أقبح مما رأيت مني اذ تجسست وقد نهى الله عن التجسس ودخلت بغير اذن, فقال عمر صدقت ثم خرج عاضاً على ثوبه يبكي وقال ثكلت عمر أمه.
وهجر الشيخ مجلس عمر حيناً ثم حضر مستخفياً فرآه عمر فقال لمن معه علي بهذا فجاء خائفاً لانه يرى ان عمر سيسوؤه بما رأى منه فقال عمر ادن مني فلا زال يدنيه حتى اجلسه جنبه والتقم اذنه وقال والذي بعث محمداً بالحق ما اخبرت احداً من الناس بما رأيت منك ولا ابن مسعود فانه كان معي(7), وهذا العمل الثاني مع الشيخ طمأنه واجازه للتمادي بالغي والمعصية وقربه للشيطان الرجيم.
وعن الشعبي ان عمر فقد رجلاً من اصحابه فقال لابن عوف انطلق بنا الى منزل فلان فنظر فاتيا منزله فوجدا بابه مفتوحاً وهو جالس وامرأته تصب له في الاناء فتناوله اياه فقال عمر لابن عوف هذا الذي شغله عنا, فقال ابن عوف لعمر وما يدريك ما في الاناء؟ فقال عمر اتخاف ان يكون هذا تجسساً؟ قال هو التجسس, قال وما التوبة من هذا؟! قال لا تعلمه بما اطلعت عليه من امره(8).


(1) سورة يونس 10/27.

(2) سورة الحجرات 49/12.

(3) سورة البقرة 189.

(4) سورة النور 24/61.

(5) وهذه معصية اكبر من الثلاث اذ اسقاط الحدود عن العصاة لا يجوز شرعاً.

(6) كنز العمال 2/167 وابن ابي الحديد في شرحه 3/96 واحياء العلوم 137.

(7) كنز العمال 2/141 ح3354 و 3694 ومستدرك الحاكم 4/377 وتلخيص الذهبي.

(8) كنز العمال 2/141 ح3354 و 3694 ومستدرك الحاكم 4/377 وتلخيص الذهبي.