نذالة قريش ولطافة رسول الله(ص)

واجه المشركون اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتحرش والقتال والهجومات المكررة والاصحاب لم يقصروا في الدفاع عن انفسهم حتى علت كفة المسلمين على المشركين واندحروا, والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلق مكرراً كلمات الرحمة وطلب الرحم فيقول: (يا ويح قريش نهكتهم الحرب فماذا عليهم لو خلوا بيني وبين العرب فان هم اصابوني كان الذي ارادوه وان اظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وان أبو قاتلوني وبهم قوة فما تظن قريش؟ فو الله الذي لا اله الا هو لا ازال اجاهد على الذي بعثني به ربي حتى يظهر الله او تنفرد هذه السالفة) وهي صفحة العنق اي تقطع كناية عن القتل, وقال: (والذي نفس محمد بيده لا تدعني اليوم قريش الى خطة تسألني فيها صلة الرحم الا اعطيتهم اياها).
ومع ذلك اشتد صد المشركين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يسمعوا له وتأهبوا للقتال فقام المقداد وخاطب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا رسول الله نحن لا نقول لك ما قال بنو اسرائيل لموسى(ع) [فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ24](1), وانما نقول اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون والله يا رسول الله لو سرت بنا الى برك الغماد (حصن باليمن لمشركين اشداء) لسرنا معك ما بقي منا رجل, فسر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثم طلب الرسول من الاصحاب اعادة البيعة وهي بيعة الرضوان ونزل في ذلك [لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...18](2), اذ يزعم الوهابيين ان هذا الرضاء لكل اصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويعيرون الشيعة بعدم شمول محبتهم لكل الاصحاب وقد خشر الوهابية بهذا التعميم وركنوا الى الذين ظلموا ودافعوا عن المنافقين لان من جملة هؤلاء المبايعين باتفاق الوهابية والشيعة ومنهم عبد الله ابن سلول!
وانما نصت الآية بالرضوان عن المؤمنين الصادقين وليس عن كل الاصحاب فبايعوا على الموت في نصرته, فلما رأى المشركون البيعة وشدة عزم الاصحاب خضعوا وطلبوا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلح اذ انخلعت قلوبهم من ذلك, وعن ابن عباس ان المسلمين انتصروا على الكفار يومئذ برمي الحجارة حتى ادخلوهم بيوت مكة(3).
فتقدم سهيل بن عبد ود العامري لطلب الهدنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع شروط ثقيلة على المسلمين وقبل النبي بالشروط تبعاً للوحي فعمل المنافقون عملهم في الارجاف واشاعة الارتياب برسالة الرسول اشبهوا عملهم في المدينة في المواقف الحرجة وقد قال الله عز وجل [لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ...60](4), اذ ثار عمر حينئذ وكما هي العادة المكررة في حياته ضد الرسول مثل ثورته لما صلى الرسول على المنافق ولما توفى الرسول قام بالسيف يهدد المسلمين بالقتل كالمخبول وحين مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلب الصحيفة ليكتب لهم, وهكذا ثار هنا صائحاً بوجه الرسول: الست رسول الله, قال: بلى, قال السنا نحن مسلمون, قال: بلى, السنا على الحق وهم على باطل, قال: بلى, الم تعدنا ان ندخل المسجد الحرام محلقين ومقصرين؟ قال: بلى, قال: اذاً لماذا نعطيهم الدنية من ديننا, قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (اوقلت لك ان تدخل في هذا العام فاصبر فان الله منجز لي ما وعدني).
ولم يصدق وضل يفتن الناس حتى اختلى بصاحبه الاصدق من رسول الله عنده قال: اليس هو برسول الله؟ قال بلى, قال اولسنا بالمسلمين؟ قال بلى, قال اليسوا بالمشركين؟ قال بلى, قال فعلى ما نعطي الدنية في ديننا؟ قال له ابو بكر, يا عمر انه رسول الله وليس يعصي الله وهو ناصره استمسك بغرزه حتى تموت فاني اشهد انه رسول الله(5), وهذا مما يصرح بانه لم يؤمن بالرسول والرسالة.
وفي صحيح مسلم اعترف بتسائله مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً اذ انه قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (السنا على الحق وهم على الباطل؟ قال رسول الله بلى, قال اليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى, قال ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يا ابن الخطاب اني رسول الله ولم يضيعني الله ابداً) فانطلق فلم يصبر متغيظاً, قل فلم يؤمن, فاتى ابا بكر(6).
ومن ثورة عمر بوجه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) شكك كثير من الاصحاب بمصداقية الرسالة ولذا حين امرهم بنحر البدن والحلق او التقصير لم يفعلوا حتى تحير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عنادهم فدخل خباءه مهموماً مغموماً حزيناً ثم خرج فلم يكلم أحداً حتى نحر هو بيده ناقته وحلق رأسه رأسه واعرض عنهم, فلما رأوا اعراضه وعمله قاموا فنحروا وحلقوا, ومن ذلك تعرف قوله تعالى عن المنافقين والمرتابين: [لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ47](7), [وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ14](8).


(1) سورة المائدة 5/24.

(2) سورة الفتح 48/18.

(3) النص والاجتهاد 145 عن الكشاف للزمخشري.

(4) سورة الاحزاب 33/60.

(5) ذكر في السيرة الحلبية تساؤله مع ابي بكر فقط 2/81.

(6) مسلم ج2 باب صلح الحديبية والبخاري 2/81 في الشروط.

(7) سورة التوبة 9/47.

(8) سورة النساء 4/14