المعصية الثانية لتركيز خلافتهم

المعصية الثانية لتركيز خلافتهم, سرية أسامة بن زيد بن حارثة الى غزو الروم وكانت سنة 11 للهجرة, وهناك نصوص لم يتعبدوا بها كما سنتلوه عليك (فاسمع التفصيل):
ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اهتم في هذه السرية اهتماماً عظيماً فأمر أصحابه بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك, ثم عبأهم بنفسه الزكية, أرهافاً لعزائمهم, واستنهاضاً لهممهم, فلم يبق احداً من وجوه المهاجرين والانصار, كأبي بكر وعمر(1) وأبي عبيدة وسعد وأمثالهم الا وقد عبأه بالجيش وكان ذلك لاربع ليال بقين من صفر سنة 11 فمن الغد دعا اسامة وقال: سر الى موضع قتل ابيك فاوطئهم الخيل فقد ولينك هذا الجيش فاغر صباحاً على اهل اُبنى, بضم الهمز بين الرملة وعسقلان قرية مؤتة وحرق عليهم واسرع السير لتسبق الاخبار فان أظفرك الله عليهم فاقبل الليث فيهم وخذ معك الادلاء وقدم العيون والطلائع وفي 28 ثقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمرض الموت وصدع بالحمى فلما اصبح وجد الجيش متباطئ فعقد اللواء لاسامة بيده وحضهم على السير وقال: (اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله), وخرج وعسكر بالجرف ولم يبرحوا وطعنوا في تأمير اسامة واكثروا على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم لا يواجهونه فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غضباً شديداً وصعد المنبر على ما به من علة وحمد الله واثنى عليه ثم قال: (ايها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة ولئن طعنتم في تأميري اسامة لقد طعنتم في تأميري اباه من قبله وايم الله ان كان لخليقاً بالامارة وان ابنه من بعده لخليق بها), وحضهم على الخروج فصاروا يودعونه ويخرجون الى الجرف وهو لا يزال يكرر انفذوا جيش اسامة جهزوا جيش اسامة وكرر قوله: (جهزوا جيش اسامة لعن الله من تخلف من جيش اسامة)(2), ولكنهم عصوا ورجوا ينتظرون موته حتى يحكموا ما تواعدوا عليه من الانقلاب كما اشارت اليه الآية: [أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ...144](3), وبعد الانقلاب استلام الحكم ودحر اهل بيته عن حقهم وعصيان الرسول بما قاله يوم الغدير ونقض بيعتهم لعلي في يوم الغدير وفي غير الغدير حيث كانوا يظهرون الايمان والتسليم لاوامر الرسول والوصية باهل بيته من بعده [وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ14](4), ولو اطاعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ساروا تحت لواء اسامة لفاتت عليهم الفرصةى في استلام الحكم وابعاد علي عن ولايته وهذا ما اوكده الرسول تطبيقاً لاوامره المكررة بالوصاية لاهل بيته للحكم من بعده.
وحتى بعد استلام الحكم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارادوا الغاء تنفيذ جيش اسامة ولكن ابا بكر لم ير الضرورة لهذا العصيان حيث ان قد برد غليله وجماعته باستلامه السلطة وانه لو بقيت قوة الرجال حوله ربما يعصونه ويدحرونه فلا تحسم الامور فابعاد القوة عن المدينة كان هو مقتضى المصلحة لاستتباب الحكم لصالحهم هذا ما رآه ابو بكر ولكن عمر اراد اتمام عصيان الرسول بان يلغوا قيادة اسامة ايضاً بعد عصيانه بعدم الانضواء هو ومن يشد بهم حزامه في الانقلاب كابي عبيدة وقنفذ وابن عوف وابي بكر وعثمان وامثالهم, فألح على ابي بكر بالغاء قيادة اسامة ولكن ابا بكر اخذ بلحيته قائلاً: (ثكلتك امك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمرني ان انزعه)(5), وقد اصاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في انه كان اهلاً للقيادة فساروا بثلاثة الاف مقاتل على الف فرس فحرق منازل ابني وقطع نخلهم وقتل واسر كثير وقتل قاتل ابيه زيد وشعارهم (يا منصور أمت) وهو شعار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر واسهم الغنائم للفارس سهمان وللراجل سهم وانما امر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لاسامه على الشيوخ كسراً لكبريائهم ولو امر احدهم لتم زعمهم من اهليتهم للتولي على المسلمين من بعده عبوراً من حق قيادة جيش عدته ثلاثة الاف الى حكم كل المسلمين وقرانهم واعراضهم واموالهم ودينهم.
واعتذر عنهم عن عصيانهم بتنفيذ حملة اسامة والانضواء تحت لوائه الشيخ سليم البشري قائلاً (واما طعنهم قبل وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تأمير اسامة مع ما وعوه ورأوه من النصوص قولاً وفعلاً على تأميره فلم يكن منهم الا لحداثته مع كونهم كهول وشيوخ ونفوس الكهول والشيوخ تأبى بجليتها ان تنقاد الى الاحاديث وتنفر بطبعها من النزول على حكم الشبان فكراهتهم لتأميره ليست بدعاً منهم وانما كانت على مقتضى الطبع البشري والجبلة الآدمية)(6), ورد عليه السيد عبد الحسين شرف الدين بقوله: (اعتذر ثم عن طعن الطاعنين في تأمير اسامة بانهم طعنوا بتأميره لحداثته مع كونهم كهول وشيوخ وقلتم ان نفوس الكهول والشيوخ تابى بجبلتها وطبعها ان تنقاد الى الاحداث فلم لم تقولوا هذا بعينه فيمن لم يتعبدوا بنصوص الغدير المقتضية لتأمير علي(ع) وهو شاب(7) على كهول الصحابة وشيوخهم لانهم بحكم الضرورة من اخيارهم قد استحدثوا سنة يوم مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما استحدثوا سن اسامة يوم ولاه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم في تلك السرية وشتان بين الخلافة وامارة السرية فاذا ابت نفوسهم بجبلتها ان تنقاد للحدث في سرية واحدة فهي اولى بان تأبى ان تنقاد للحدث مدة حياته في جميع الشؤون الدنيوية والآخروية, على ان ما ذكر من ان نفوس الشيوخ والكهول تنفر بطبعها من الانقياد للاحداث فمننتوع.
ان كان مرادكم الاطلاق في هذا الحكم لان نفوس المؤمنين من الشيوخ الكاملين في ايمانهم لا تنفر من طاعة الله ورسوله في الانقياد للاحداث ولا في غيره من سائر الاشياء, والا كانت تشملهم [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا65](8), [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا...7](9), [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا36](10), قال الشاعر ابن ابي الحديد المعتزلي الحنفي:


وما كان صنو المصطفى بمؤمر ولا كان يوم الغار يهفو جنانه
ولا كان معزولاً غداة براءة
فتى لم يعرق فيه تيم ابن مرة(12)
امام هدى بالعرض آثر فاقتضى
يزاحمه جبرئيل تحت عباءة

 

عليه ليضحى لابن زيد مؤمرا
حذاراً ولا يوم العريش تسترا(11)
ولا في صلاة ام فيها مؤخرا
ولا عبد اللات الخبيثة اعصرا
له الفرض رد الفرض ابيض ازهرا
لها مثل كل الصيد في جانب الفرا(13)



(1) اجمع اهل السير والاخبار على ان ابا بكر وعمر كانا في الجيش, وارسلوا ذلك في كتبهم ارسال المسلمات وهذا ما لم يختلفوا فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذه السرية كطبقات ابن سعد وتاريخي الطبري وابن الاثير والسيرة الدحلانية وغيرها.

(2) نقل اللعن مشهور ومنهم في الملل والنحل للشهرستاني في المقدمة 4.

(3) سورة آل عمران 3/144.

(4) سورة النساء 4/14.

(5) سيرة الحلبي وسيرة ابن دحلان والطبري في تاريخه باحداث سنة 11.

(6) كانت سن اسامة اكثر ما قيل عشرين سنة واقله سبع عشرة سنة.

(7) كان عمر علي(ع) يوم وفاة رسول الله(ص) 33 سنة لانه ولد قبل البعثة بعشر سنين وقبل الهجرة بـ 23 سنة.

(8) سورة النساء 4/65.

(9) سورة الحشر 59/7.

(10) سورة الاحزاب 33/36.

(11) علي لم يلده تيم الخبيب في انساب العرب.

(12) في حرب بدر اختفى ابو بكر بالعريش عن الجهاد.

(13) بكسر الفاء اصلها فراء جمع فروة وبعض جلود الحيوانات ليكون له وبر ناعم او فروة للراس خاصة وهذا مثل عربي معناه شركة علي(ع) في كل شؤون الاسلام ونصرته.