فصل في ضعف وقلة المخلصين من اصحاب الرسول(ص)

حكم- هذا هو الوجه الثاني الذي نريد ان ننظر فيه بصورة اجمالية سريعة وليس قصدنا التفضيل بهذه المفردات من بعدها اجملها الاشارة الى ضعف وقلة المؤمنين والعاملين المخلصين لله ولرسالته من اول الدنيا الى يوم القيامة, فلاحظ القرآن وحديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ماذا يعبران عن الاصحاب والتابعين وكيف انهم يغلب فيهم الظلمة والمنافقون وضعاف الدين وقلة الناجين يوم القيامة, فلاحظ معي الى قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونه وهي رواية مجمع عليها (افترقت امة موسى الى احدى وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقيات في النار وافترقت امة عيسى الى اثنتين وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقيات في النار, وستفترق أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة منها فرقة ناجية والباقيات (الباقون) في النار)(1), وقد لحق هذا الحديث عشرات بل مئات الاحاديث تقول (يا علي انت وشيعتك الفائزون بالجنة, يا علي انت وشيعتك رواء مرويون واعداؤكم ضماء مضمئون مقمحون في يوم القيامة يؤخذ بهم الى النار)(2).
وتقول (الائمة من بعدي اثنا عشر)(3) ويقول (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية)(4), ثم تدبر لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ما ينجو من اصحابي الا كهمل النعم)(5), ثم انظر في القرآن الكريم فقد وصم بالنفاق وضعف العقل وضعف الدين عموم الاصحاب ولم يخرج منهم باعتبار ايمانه وعمله وجهاده الا شاذ وقليل جداً فتابع معي, قال الله تعالى: [لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ25 ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ...26](6), فقد انزل السكينة على سبعة نفر من بني هاشم الذين هم صمدوا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرم من هذه السكينة حوالي خمسة عشر الف نفر وهم الهاربون الضعفاء في الدين والذين هم لم يستحوا من الله ورسوله بالفرار من الجهاد مكرراً وكثيراً.
وقال تعالى [إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا10](7), قد شكوا بالتوحيد وصدق الله ورحمته ورأفته وانه ارسل رسلاً وسينصر عبده ورسوله.
ومخاطبة الله في الآية للجميع يعني انه لم يخرج من هذا التوصيف الا الشاذ القليل, وكتب التاريخ لم تسجل في هذه الوقعة مما له اهمية عظيمة الا امير المؤمنين(ع) , ولذلك كان العمل من الشيطان الرجيم لبقية الاصحاب الا اقل القليل ان يحسدوه ويظلموه ويغصبوا منصبه الذي نصبه الله ورسوله فيه ويحابروه ويلعنوه ويلعنو ويقتلوا ذريته وشيعته الى هذا اليوم, [وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا12](8), وهذه سورة الاحزاب مليئة بهذه الاوصاف ومثلها سورة التوبة والمنافقين والبقرة والمائدة والنور والشورى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والفتح وغيرها وغيرها واكثر من الف آية في المنافقين والمتآمرين والكائدين والماكرين بالله ورسوله, والقرآن قد فضح الجميع ولم يسكت عن المصلين مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً [وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ11](9).
وشملت الفضيحة حتى جلاسه والمستمعين إليه [وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ16](10), وشملت الفضيحة والسخرية بالملتفين حول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تعالى: [فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ36](11), حانين رؤسهم ومركزي نظراتهم اليك كالمهابيل, [عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ37 أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ38](12), هذا في المنافقين وليس بالمشركين لان الشرك لم يلتف حول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يهطع رأسه له ولا يطمع بدخول الجنة ولا يعترف بالحياة بعد الموت حتى يطمع بشيء فيها.
حكم- بعد لعن المتسلطين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذيت قطعوا ارحامهم وهجموا على اهل البيت(ع) ظلموهم ودحروهم عن حقهم فقال تعالى [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ22 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ23](13), ثم قال عن قراء القرآن [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا24](14), انهم هم اهل القرآن ويقرؤن القرآن ولكن لم يتبعوا أوامره بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعميت قلوبهم واقفلت ضمائرهم وسودت صحائفهم.
هذا وقد قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض), فكل من حارب علياً(ع) واهل البيت او ظلمه او هجم على بيت الزهراء(ع) او غصب ارثها هو داخل تحت هذه الاوصاف انهم قد قطعوا ارحامهم وعموا وصموا عن القرآن الكريم, وقال الهل تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ144](15), وهذه ايضاً لم تحاشي احداً بل الخطاب للجميع لو لا بعض المخرجات وثبوت المقلة من المخلصين لما قام للاسلام عود, واعتبر باعتذارات الوهابية عن الاصحاب للاسلام فاجابوا عن عثمان الذي قد فر من جميع الحروب ولم يسجل له حضور في كل الحروب انه كانت زوجته بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت مريضة فكان يعللها ويطيبها!! وعن حسان الجبان نصاً من السنة والشيعة الجواب انه كان فيه مرض قلت واين اجازة الله او رسوله له بالهروب من مرضه, واما عمر فلم يسجل التاريخ انه ترأس جيشاً او قد سجل موقفاً مشرفاً في حرب من الحروب بل الثلاثة لم يرد انهم قتلوا كافراً واحداً او قتلهم او قاتلهم كافر.

أقول بالله عليك لولا علي(ع) وبطولاته والقلائل من اهل البيت(ع) كحمزة وجعفر واقل القليل من الاصحاب الذين [فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا23](16), كيف كان انتصر الاسلام بالكثرة الكاثرة الذين هم غثاء كغثاء السيل والذين وصفهم الله تعالى فقال [وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ...101](17) وهم من الكثرة بحيث ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحصهم فلذا قال تعالى [لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ101](18), وفي تفسير العذاب مرتين قبل عذاب يوم القيامة ان الله سوف يسلط عليهم بعضهم يقتل بعضهم بعضاً ويسلط السلاطين الظلمة المجرمين كما وعدتهم فاطمة الزهراء(عليها السلام) في خطبتها كما سيأتي قريباً, والعذاب الثاني على يد الامام الحجة(ع) فانه سيهلكهم هلاكاً ولم يبق من الاعراب الا التائب من عدواته للحق واهله وهو قليل جداً, وفضح الله جبتهم في نفوسهم ومخاوفهم من ظهور الحق فقال تعالى: [يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ64](19), وسيشكوهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة [وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا30](20), انهم يقرؤون القرآن ولكنهم هجروا العمل به واطاعته وبشرهم بنار جهنم ايضاً فقال: (انه سيؤتى من اصحابي ويؤخذ بهم الى النار فيقول يا رب هؤلاء اصحابي فيأتي النداء من رب العزة, دعهم يا محمد فأنك لا تدري ما فعلوا من بعدك), فأقول: سحقاً سحقاً لمن غير وبدل(21).


(1) الرواية مجمع عليها عند السنة والشيعة.

(2) الصواعق المحرقة وغيرها كثير.

(3) في البخاري ومسلم وكل الصحاح.

(4) صحيح مسلم.

(5)

(6) سورة التوبة 9/25 – 26.

(7) سورة الاحزاب 33/10.

(8) سورة الاحزاب 33/12.

(9) سورة الجمعة 62/11.

(10) سورة محمد 47/16.

(11) سورة المعارج 70/36.

(12) سورة المعارج 70/37 - 38.

(13) سورة محمد 47/22 – 23.

(14) سورة محمد 47/24.

(15) سورة آل عمران 3/144.

(16) سورة الاحزاب 33/23.

(17) سورة التوبة 9/101.

(18) سورة التوبة 9/101.

(19) سورة التوبة 9/64.

(20) سورة الفرقان 25/30.

(21) بهذا المضمون عن البخاري: في بدء الخلق باب (واذكر في الكتاب ويم وباب الحشر (كما بدأنا اول خلق نعيده), كتاب كشف المتواري في صحيح البخاري 2/489 مرقم 538 وعن العواصم من القواصم ص49 وابن كثير في البداية والنهاية 5/273 – 274.