ان الأئمة هم حاضرون وناظرون ومشرفون على النفوس في الدنيا واليهم المرجع في الآخرة

ان الأئمة هم حاضرون وناظرون ومشرفون على النفوس في الدنيا واليهم المرجع في الآخرة
حكم- ان ذلك ثبت في القرآن الكريم والروايات الكثيرة الصريحة والذين عموا وصموا عنها [وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ179](1), فقد ثبت بنصوص متفق عليها عند العامة والخاصة ومنها ما في القرآن:
1- [إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا15](2), [وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ18](3), [وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ... لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ78](4).
أقول: انا لو ذهبت الى القاضي وشهدت ان فلاناً طلق زوجته او انه تزوج فلانة او اخذ كذا او اعطى كذا فيقول لي القاضي انت سمعت الطلاق بكل شروطه او النكاح وعرفت مقاصد المتعاقدين بالقصد الجبري والتنفيذ وما شابه فان قلت لا اعرض عني وان قلت سألني وحقق معي عن تمام شروط تحمل الشهادة وادائها وعن خصوصيات الحادث, هذا في الدنيا, اما بالآخرة واداء الشهادة من قبل الانبياء والاوصياء فلا يقبل منهم الشهادة ما لم يكونوا يطلعون على القلوب ومقاصدها وليس الحكم هناك من قاضي عادي وعن ظواهر ما فعل الناس فاللازم ان المعصوم من النبي وكل امام من بعده حين يتحملون الشهادة في الدنيا يكونون حاضرين وناضرين للشخص وما قصد في قلبه حتى لما يؤدون يكون الاداء فاصلاً محكماً من كل جوانبه, فاذا قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على قوم (هؤلاء كذبوا على ربهم...) يكون صادقاً وناظراً وحاضراً جميع الحدث حتى حكم وشهد عند الله بان المشهود عليه كذب على الله وفي شهادته يكتفي الله ويحكم ويقول [أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ18](5).
2- قد ورد ان كل مرسل أو وصي نبي من حين ولادته ينزل عليه الروح القدس فيسدده ويخبره بكل ما يقع بين العباد, ولذلك ورد في زيادة اهل البيت(ع) : (اشهد انكم تسمعون الكلام وتردون السلام).
3- ان شهادة الانبياء(ع) من قبيل اخبار يعقوب ابنائه ولما فصلت العير قال اني [وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ...94](6), وقول يوسف(ع) للسجناء معه [قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا...37](7), وهو مما قلنا انه يخبر بما يقع في العالم.
4- ما جاء في الخبر بان مجيء احد المشركين الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) زاعماً الاسلام فاخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بان فلان اعطاه كذلك حتى يحتال ويصحب محمداً ثم يغتاله فأقر الرجل واسلم.
5- المسلمون يخاطبون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته), والجملة بكاف الخطاب فليس هو بغائب عن المصلي والا فالمصلي يكون مجنوناً حيث انه يقابل الحائط ويقول السلام عليك ايها..., وكذلك ايها حرف نداء للمقابل فلا ينادي الغائب بيا ايها.
6- ورد عن داود الرقي قال: دخلت على ابي عبد الله(ع) فقلت له جعلت فداك كم عدة الطهارة؟ فقال: (ما اوجبه الله فواحدة واضاف اليها رسول الله واحدة لضعف الناس وزن توضأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له), انا معه في ذا حتى جاءه داود بن زربي فسأله عن عدة الطهارة فقال له: (ثلاثاً ثلاثاً من نقص عنه فلا صلاة له) قال فارتعدت فرائصي, (عضلات الصدر), وكاد ان يدخلني الشيطان فابصر ابو عبد الله(ع) اليَّ وقد تغير لوني فقال: (اسكن يا داود هذا هو الكفر او ضرب الاعناق), قال: فخرجنا من عنده وكان ابن زربي الى جوار بستان ابي جعفر المنصور وكان القى الى ابي جعفر امر داود بن زربي وانه رافضي يختلف الى جعفر بن محمد فاني لاعرف طهارته, (اراقب وضوءه), حققت عليه القول وقلته فاطلع وداود يتهيأ للصلتة من حيث لا يراه فاسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما امره ابو عبد الله فما تم وضوءه حتى بعث إليه ابو جعفر المنصور فدعاه قال: فقال داود فلما ان دخلت عليه رحب بي وقال: يا داود فيك شيء باطل وما انت كذلك قد اطلعت على طهارتك وليس طهارة طهارة الرافضة فاجعلني في حل وامر له بمأة الف درهم فقال داود الرقي التقيت انا و داود بن زربي عند ابي عبد الله(ع) فقال له داود بن زربي جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدنيا ونرجوا ان ندخل بيمنك وبركتك الجنة, فقال ابو عبد الله(ع) : (فعل الله ذلك بك وبأخوانك من جميع المؤمنين) فقال ابو عبد الله(ع) لداود بن زربي: (حدث داود الرقي بما عليكم حتى تسكن روعته), قال فحدثته بالأمر كله فقال ابو عبد الله(ع) : (لهذا افتيته لانه كان اشرف على القتل من يد هذا العدو) ثم قال: (يا داود بن زربي توضاً مثنى مثنى ولا تزدن عليه وانك ان زدت عليه فلا صلاة لك)(8).
7- عن شهاب قال اتيت ابا عبد الله(ع) اسأله فابتدأني فقال: (ان شئت فاسأل يا شهاب وان شئت اخبرناك بما جئت له) قال: قلت له اخبرني جعلت فداك, قال: (قد جئت تسألني عن الجنب يسهو فيغمر يده في الماء قبل ان يغسلها), قال نعم, قال: (اذا لم يكن اصاب يده شيء فلا بأس وان شئت سل وان شئت اخبرناك)؟ قلت اخبرني جعلت فداك قال: جئت تسألني عن الجنب يغرف الماء من الحب فيصيب يده الماء؟ قلت نعم, قال: (لا بأس)(9).
8- ان الاخبار ومثلها تبين ان الائمة(ع) كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندهم اخبار الخلق الغائبة وعن الناس ويعرفون كل شخص ونسبه صاعداً في الظهور ونازلاً بالبطون, الم تعلم في تفسير قوله تعالى: [لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ...101](10), ان عمر لقي عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لها: غطي قرطك لا ينفعك نسبك من رسول الله, وقال: ان شجرة رسول الله نبتت في كبا, اي في الزبالة والقذارة يشير الى ان بعض اجداد الرسول وآله قد ولد بالزنا! فروي البخاري ومسلم غضب رسول الله واخبار الناس بانسابهم فرووه بمختلف التفصيل ومجملهُ عن أنس قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو غضبان اشتد غيظه ثم نادى الصلاة جامعة, وقال اين الساب لاهل بيتي ليقم إليّ وينتسب الى أبيه, فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا تسألوني عن شيء اليوم الا اخبرتكم به) و نحن نرى ان جبرئيل معه, وقال أنس: فما اتى على اصحاب رسول الله يوم اشد منه, وبكى المسلمون لعظم المصيبة وغطوا رؤسهم ولهم خنين, فقال إليه رجل من قريش يقال له حذافة وكان يطعن فيه فقال يا رسول الله من ابي؟ قال ابوك فلان فدعاه لابيه, وقام اليه آخر وقال يا رسول الله انا فلان بن فلان بن فلان, فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : لست لفلان وانما انت لفلان وان نحلك فلان بن فلان فقعد خجلاً, وقام رجل فقال اين مدخلي, قال (صلى الله عليه وآله وسلم) النار.
فقام عمر يبكي وقبل رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال انا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تعد علينا سوءاتنا فاعف عنا عفا الله عنك, وعن ابي هريرة: أن عمر بن الخطاب قال انا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك والله اعلم من آباؤنا(11), اقول قول عمر غير تام فالحق ان يقول (الله ورسوله اعلم) والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) امامه يعد انسابهم واحوالهم, واترك القارئ لمراجعة نسب عمر الاثيم لكتب أخرى ولا اوسخ كتابي هذا به والذي خاف عمر من فضيحته لانه نسب مكرر من المحارم والمصادر من الشيعة والسنة.
9- وروى ما مضمونه ان رجلاً شكى الى ابي عبد الله(ع) عدم الولد, فقال الامام(ع) : (أنك سيولد لك ثلاثة اولاد فلان وفلان وفلان), فتعجب الرجل فاخرج له الامام صحيفة فيها اولاده واحفاده الى يوم القيامة.
10- وعن مفتي مكة زيني دخلان: لما رجع عمر من الشام انفرد عن الناس ليعرف اخبارهم فمر بعجوز في خبائها فقصدها فقال: يا هذا ما فعل عمر لما رجع من الشام؟ قال: هو ذا قد اقبل من الشام ووصل الى المدينة, قالت لا اجزاه الله عني خيراً, قال ويحك لم؟ قالت انه والله ما نالني من عطائه منذ وليَّ الخلافة الى يومنا هذا دينار ولا درهم, قال ويحك وما يدري عمر حالك وانت في هذا الموطن؟ فقالت: سبحان الله ما ظننت ان احداً يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها, فصار يبكي ويقول: واعمراه واخصوماه كل احد افقه منك يا عمر(12).

من هذا تبين ان الناس حتى العجائز يفهمون ان من شرطية الامامة اطلاع الامام بما وراء الحس العادي ومثل ما نقول ان معه الروح القدس يخبره بما غاب عن احساس الناس مثل عيسى(ع) : [وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ...49](13).


(1) سورة الاعراف 7/179.

(2)سورة المزمل 73/15.

(3) سورة هود 11/18.

(4) سورة الحج 22/78.

(5) سورة هود 11/18.

(6) سورة يوسف 12/94.

(7) سورة يوسف 12/37.

(8) الوسائل ب32 ح1 الوضوء.

(9) الوسائل 45/2 الوضوء.

(10) سورة المائدة 5/101.

(11) راجع في تفصيل القضية البخاري 8/94 – 95 سورة المائدة 101 و 142 – 143, ومسلم 7/92 – 93 و 3/167 ومجمع الزوائد 7/188 والدرر المنثور 4/310 وتذكرة الفقهاء 2/470 وتفسير ابن كثير 2/175 وتفسير الرازي 4/444.

(12) حياة الحيوان للدميري 1/50.

(13) سورة آل عمران 3/49.