الآية العاشرة: الاطاعة لأولي الامر

حكم- قال الله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً59](1), الآية هي لاحقة للامر باشاعة العدل في الحكم واداء الامانة لصاحبها, [تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ...58](2), والآية ايضاً سبقت آيات الذم الشديد لمن يسلم ولكنه يتحاكم الى الطواغيت فبعد آية اطاعة اولي الامر قال, [أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا60 وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا61...وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ...64 فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا65](3).
ان وظيفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي نفس وظيفة اولي الامر من بعده ولكن شرعية رتبتهم جاءت بواسطة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعيينه, كما ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) [وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى4](4), وانه [ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ44 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ45 ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ46 فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ47](5).
كذلك بالنسبة للمؤمنين سواء كانوا من اولي الامر او غيرهم [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا36](6), وكيف كان فالآية في بحثنا تقول باطاعة الله وهي طاعة موحدة مستقلة عن طاعة الرسل والاوصياء(ع) لان طاعة الله هي المصدر للطاعات, ثم جعل طاعة الرسول واولي الامر طاعة في صف واحد فطاعة اولي الامر هي نفسها طاعة الرسول لانهم بمستوى الرسول في الرتبة وتفضل الرسول بالرسالة كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (كفي وكف علي واحدة), (هؤلاء اهل بيتي انهم مني وانا منهم).
وافتراض طاعة اولي الامر فلا يكون التنازع معهم وانما التنازع للناس عن اولي الامر بعدم قبولهم ولكن القرآن عالج الاشكال فقال [فَإِن تَنَازَعْتُمْ...59](7) ولم ترضوا فردوا الامر الى الله والرسول فانظروا ماذا ينصوا والذي نص الله ورسوله على أحد ثبت ولايته للامر و يجب ان ينقطع التنازع.
والآية فرضت طاعة الامر مطلقة ولم تقيدهم كقوله (اذا كانوا مطيعين او ما داموا اتقياء) مما يدل على ان اولي الامر في انفسهم مطيعون بتمام الاطاعة والا انه اذا اطعنا كل من هب ودب بما فيهم الفسقة والظلمة فتكون الاطاعة مناقضة لطاعة الله ورسوله للحديث الشريف: (لا طاعة لمخلوق في معطية الخالق), والآية [وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ...113](8), وذم المنافقين بقوله [يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ...60](9) كما ذكرنا آنفاً.
وقد اخطأ علماء العامة وعموا وصموا عن الحق بتفسير الآية بخلفاء الراشدين او بأمراء الجيش, والآية تعم المسلمين لذكر طاعتهم في مستوى وفي صف طاعة الله ورسوله ومعلوم ان الرسول قد ارسل الى الناس الكافة وطاعته على عموم الامة وعلى الجنود فقط.
وفي الآية بحوث ومناقشات للعامة حاة ولكن لا يعجبني ان لها الاهمية ونكتفي بنقل كلام في شرح الآية, فعن جابر لما انزل الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ...59], قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن اولي الامر الذين قرن الله طاعتهم باطاعته؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (هم خلفائي يا جابر وائمة المسلمين من بعدي اولهم علي بن ابي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر ستدركه يا جابر فان لقيته فأقرأه مني السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي محمد وكنيته حجة الله في ارضه وبقيته على عباده ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله تعالى على يديه مشارق الارض ومغاربها ذاك الذي يغيب عن شيعته واوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بامامته الا من امتحت الله قلبه بالايمان)(10).


(1) سورة النساء 4/59.

(2) سورة النساء 4/58.

(3) سورة النساء 4/60 – 65.

(4) سورة النجم 53/3 – 4.

(5) سورة الحاقة 69/ 44 – 47.

(6) سورة الاحزاب 33/36.

(7) سورة النساء 4/59.

(8) سورة هود 11/113.

(9) سورة النساء 4/60.

(10) تفسير الميزان 5/420 عن البرهان عن ابن بابويه باسناده الى جابر.