شبهات وردود عن [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ...23](1)

حكم- رأيت كيف ان كبار المفسرين للقرآن والمحدثين من السنة وكما هي عن الشيعة وذلك للاحتجاج على المجتمع السني بكتبهم وعلمالئهم واما عند الشيعة فالامر ثابت ومسلم ومتواتر عن اهل البيت(ع) فلا حاجة لاثباته, ومع ذلك تجد المتعصبين جداً كابن تيميه احدث شبهات حول تفسير الآية وقال اولا: ان هذه السورة مكية وقد نزلت قبل تزوج علي بفاطمة لان زواجهما كان بعد بدر في السنة الثانية الهجرية فلا يمكن ان تفسر بانها تقصد علياً وفاطمة والحسنين, وقال (وهذا كذب باتفاق اهل المعرفة وما شابه هذا المعنى)(2), ونقل الشبهه ايضاً العسقلاني في (تخريج الكشاف ونقل تاييده عن البخاري وكذا اثبت ابن كثير ان السورة مكية.
اقول مما يلقم امثالهم حجراً اعتراف كبار مفسريهم بان هذه الآيات مدنية, قال القرطبي: سورة الشورى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر, وقال ابن عباس وقتاده الا اربع آيات منها نزلت بالمدينة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ...)(3), قال الشوكاني(4) وابو حيان(5) والآلوسي(6).
الشبهه الثانية لابن تيميمه ايضاً (ان النبي لا يسأل عن تبليغ رساله ربه اجراً البتة بل اجره على الله وان القربى معرّفة باللام فلا بد ان تكون معروفة عند المخاطبين), اقول هذا معارضة للنص فانه يقول ان النبي امره الله ان يسأل الأجر وهذا المشكك يقول ان النبي لا يمكن ان يسأل, [قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ140](7), فان الله صرح وشهد انه امر رسوله بالقول اني اسألكم اجراً فكيف يمكن ان تغطي الشمس في رابعة النهار.
الشبهه الثالثة: ان كل المسلمين يحب اهل البيت(ع) فلا يثبت لهم ميزة على باقي صحابة الرسول حيث ان المسلمين يحبهم فمن اين اثبت لهم دون غيرهم الخلافة في الارض؟ الجواب: ان الآية لم تقل ان تحب, فان الحب يجوز وتحل حتى للكافر او الفاسق بسبب القرابة او حسن الخلق او ان له يد وكرم للفقراء فان الناس يحبون الذي يكرمهم, اما الود فلا يجوز الا للعادل الذي انتزع عن الرذائل بالمرة, فان المودة هي الحب الخالص الذي لا يجوز لغير المعصوم كالرسل والملائكة والاوصياء والاتباع التام في سنته وسيرته واوامره, هذا معنى المودة ان كنتم عرباً كما تزعمون, وهذا لم يكن في المخالفين والمقلدين لغير اهل البيت(ع) كابي حنيفة وحنبل وتيمية ومروان, وانما شيعة اهل البيت(ع) الاثنى عشرية اختصوا بصفة الحب التام مع الاتباع لسنة وسيرة وامر اهل البيت(ع) .
ولأجل ان المودة لا تجوز لغير المعصوم المطهر من الرذائل والمعاصي قد عير القرآن المنافقين بمودتهم لمخالفي الحق من الكافرين والفاسقين, قال تعالى [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...22](8), [تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ1](9).
الشبهه الرابعة: ان الشيعة اقصروا الآية على قرابة الرسول من علي وفاطمة والآية عامة للازواج والاقرباء على الاقل من هو بقرب للرسول كالعباس وذريته..
اقول: ان القرآن دقيق في تعبيره وقلت ان المودة في اللغة غير المحبة, فالمودة غير جائزة لمن عمل شيئاً من المعاصي في طول حياته وكيف هذا وقد ثبت المعاصي والاخطاء لكل من حول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السكوت على ظلامات رآها والركون الى الظالمين من الخلفاء واعوانهم واكثر الاصحاب شكلوا احزاباً اجرامية لحرب علي(ع) , وكيف تود زوجات الرسول وقد كرر الله عليهم نسبة الفاحشة الى بعضهن [يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ...30](10) وفسر الشيعة الفاحشة بحرب علي وقتل 18 الف من المسلمين, وكيف تودهم وقد تآمرت المرأتان عائشة وحفصة وتظاهرتا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى هددهما الله بالطلاق ومثلهما بالكافرتين امرأة نوح وامرأة لوط وكرر اسم الكافرين عليهما وعلى انصارهما في السورة ثلاث مرات واطلق كلمة النفاق فيها.
هذا اولاً وثانياً ان الاحاديث في تفسير الآية هي اوثق واضمن من تفسيرنا للآية وشمولها أو عدم شمولها, وان الحادثة التي نزلت فيها شاهد على تخصيص معناها فانها نزلت في حادثة تقسيم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لغنائم حنين حيث قسم كلها او جلها في الطلقاء والمنافقين والمؤلفة قلوبهم او مجرمي الحروب ضد الرسول بعدما زعموا انهم اسلموا ولم يصل من الغنيمة للانصار وخصوصاً المخلصين منهم فوجدوا انفسهم على تصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطب فيهم خطبة ومما قال: (الا ترضون ان ترجعوا برسول الله سالماً ويرجع الناس بالدينار والدرهم...) حتى ارضاهم, فما زال يقول حتى جثوا على الركب وقالوا اموالنا وما في ايدينا لله ولرسوله قال فنزلت [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ...](11), وسندعم هذا الطرح في ذكر منزلة اهل البيت(ع) عند الله ورسوله مما يلي, وشابه هذه الشبهه بشبهة خامسة وهي اسخف ما قيل وابرد (من يخ) اي من الثلج ان الاية تقصد ان يود كل انسان قرباه, قلت اذا كان في القربى فاسق ومجرم ومنافق فكيف تأمر الآية بالمودة للقرابة بالاطلاق ولم تقيد بالايمان والعدالة والفضائل والكرمات؟!
والذي يفسر هكذا تفسير اما جاهل واحمق واما متجاهل مفتري على كتاب الله ولعن الله الكاذبين.


(1) سورة الشورى 42/23.

(2) منهاج السنة 7/95 – 103.

(3) تفسير القرطبي 16/1.

(4) فتح القدير 4/524.

(5) البحر المحيط 7/507.

(6) روح المعاني 25/10.

(7) سورة البقرة 140.

(8) سورة المجادلة 58/22.

(9) سورة الممتحنة 60/1.

(10) سورة الاحزاب 33/30.

(11) نقل عن ابن عباس في مصادر عديدة.