ثانياً: ان اصطفاء الحاكم على العباد بيد الله تعالى

حكم- ثبت ان الله سبحانه هو الذي ارسل الانبياء والرسل واصطفى لهم اوصياء واولياء لخلافتهم في اممهم كما اصطفى الملائكة لخدمة الكون والعباد وهم [...عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ26 لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ27](1), ومن هذا المبدأ تراه هو الذي يأتي بالملوك ويصطفيهم ويجعلهم خلفاء على الناس ويديرون دفة الحكم.
كما تقرأ [أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...246 وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ247](2).
كما انه سبحانه بيده تخليف الخلفاء فقد اصطفى آدم خليفته على ابنائه وتسلسل من بعده الخلفاء وكان الخلفاء بعده كلهم انبياء ورسل الى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تحولت الخلافة الى الوصي والولي بدون عنوان النبوة ولذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي), وقد نص في القرآن بالخلافة على عدة من كبار رسل الله تعالى بعد آدم ومنهم نوح(ع) ومنهم داود [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...26](3), ومنهم سليمان كما قال تعالى: [وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ...16](4), ورث الملوكية والعلم والملك وكل شيء من رتبه وعلى كل حال فان حكم البشر باختيار الله تعالى وكل من تعدى واختار خليفة لله في الارض فهو بمنزلة المشرك مع الله الاهاً آخر كما في الآية: [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ68](5), والاولياء الذين تتولوهم وتصفون لهم المودة وتتبرون من اعدائهم يلزم ان يكونوا من الله وهو الذي جعلهم اولياء لا باختيار البشر والذي يتخذ ولياً من امر الله يعتبر كافراً بامر الله تعالى كما قال تعالى: [أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا102](6).
حكم- هناك آيات تثبت احقية آل محمد بعدما ذكرنا الآيات العامة لتواصل سلسلة الوصاية الى يوم القيامة, الاولى آية المودة وهي: [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا...23](7), قال البخاري: قال سعيد بن جبير قربى آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك ونص عليه الذهبي, وكذلك ذكره مسند أحمد (2) وقال في المناقب: قالوا يا رسول الله من قرابتك قال: (علي وفاطمة وإبناهما), بعد جواب الرسول لمن سأله فاجابه بالآية قال ابن عباس: الم تروا الى ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ وقال بعضهم انما قال هذا لنقاتل عن اهل بيته وننصرهم(8).
وعن خطبة الامام الحسن(ع) بعد دفن امير المؤمنين (...لقد كان رسول الله يعطيه الاية فيقاتل جبرئيل عن يمنيه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه...انا ابن الذي ارسل رحمة للعالمين وانا من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا), اشارة الى قوله تعالى: [ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا33](9), في ما نزل على محمد وآل محمد [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ ...].
وقال الآلوسي في تفسيره وهو سني متعصب (ولله در السيد عمر الهيتي واحد الاقارب المعاصرين) حيث يقول:


بأية آية يأتي يزيد

وقام رسول رب العرش يتلو

 

غداة صحائف الاعمال تتلى
وقد صمت جميع الخلق قل لا


والخطاب هذا لجميع الامة لا للانصار فقط وان ورد ما يوهم ذلك فانهم كلهم مكلفون بمودة اهل البيت(ع) فقد اخرج مسلم والترمذي والنسائي فروي حديث الثقلين ونحوه الى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الاخبار(10).

وقال في الفتح بعد النقول عن الآية: (وقد اغنى الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة وقد بينا ذلك عند تفسيرنا لقوله [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ33](11), اقول لا تكاد تجد كتاب محدث من علماء السنة الا وترى يذكر الاية ويذكر ما روي فيها انها في علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم المعصومين(ع) سواء من المفسرين او المحدثين, نعم بعضهم يضعف الحديث وبعض يتلاعب بالالفاظ, فالقوم ابناء القوم من الخلفاء وبني أمية, (ومن يشابه أباه فما ظلم), (فقد ظلم), وممن تعرض لخطبة الامام الحسن بأمانه ابو الفرج الاصفهاني(12).


(1) سورة الانبياء 12/ 26 – 27.

(2) سورة البقرة 247.

(3) سورة ص 38/26.

(4) سورة النمل 27/16.

(5) سورة القصص 28/68.

(6) سورة الكهف 18/102.

(7) سورة الشورى 42/23.

(8) المعجم الكبير, 3/47 رقم 2641.

(9) سورة الاحزاب 33/33.

(10) روح المعاني 25/ 31 – 32.

(11) فتح القدير 4/536 – 537.

(12) مقاتل الطالبين 61 – 62.