الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام

[حكم -30] أصل القسمة بالعلم وعدمه أربعة: العلم بالمقدار وعدمه والعلم بالمأخوذ منه وعدمه وبالتفصيل تزيد الاقسام فلاحظ ما يلي:

  1. انه عمله حلال وماله حلال ولكنه تعتوره افكار يصير يشك بالحلية في بعض أو كل ماله وحكمه البناء على الصحة وكل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه فتدعه.
  2. نعم لا بد من الاحتياط بالتدقيق والتحقيق ليخرج ذمته من الشبهات فانه من حام حول الشبهات يكاد ان يقع فيها.

  3. يعلم ان ماله حلال ولكن صادف ان وقع في معاملة فيها شبهة فهذا الاحوط له ان يتوكد أي معاملة كانت غلط ويصلحه.
  4. ان يعلم ان ماله فيه حلال وحرام ولم يعلم مقدار الحرام ولا مالكه المأخوذ منه وستأتي بعض أمثلته فهذا الذي يخرج خمس ماله ويحل له الباقي.
  5. يعلم بالحرام في ماله ويعلم المالك المأخوذ منه شخصا أو أشخاصاً.
  6. وهذا يلزم ان يعيد الحق الى مالكه ويضرب شيطانه ولا يكون قرينه

  7. يعلم بالحرام في ماله ولم يعلم مقداره ويعلم صاحبه فعليه ان يؤدي ما علم وان ادعى المأخوذ منه الزيادة فعليه الاثبات والأحوط المصالحة عن الزائد.
  8. يعلم المأخوذ منه في مجموعة مجهول مع علمه بالمقدار فهذا مجهول المالك.
  9. يعلم المقدار ولا يعلم المالك وهذا مجهور المالك.
  10. يعلم بحصول حرام ولكنه يجهل انه بالمال أو بالمظالم والتصرفات مع الناس نظير التوسط بالظلم والتوسط بالغصب من الآخرين.
  11. فهذا ان علم بالمظلومين وجب ارضاؤهم والتصالح معهم بالمال وغير المال ويسمى رد المظالم.

  12. يعلم بالتصرف الحرام في حق الناس ولكن يجهل المظلومين وهذا رد المظالم العام.
  13. يعلم المقدار والمالك ولكن لا يستطيع الوصول إليه وهذا يستنفد كل قواه للإيصال فان عجز تصدق عنه.
  14. ان علم ان غيره يرابي ولكن لم يعلم انه تاب وحلل المال أم لا وقد صار المال إليه بنى على التحليل كما سيأتي.

[حكم -31] معلومة التحليل باخراج الخمس هي خاصة فيما لم يعمل المقدار ولا المالك فإنه لو علم المقدار أخرجه ولا يصح الخمس لأنه قد يكون اكثر أو اقل واذا علم المالك فلا يصح الفرض للخمس اذ قد يثبت اكثر أو اقل فاللازم التذاكر معه عن المقدار والمصالحة. وأما مع مجهوليتها فيبذل خمس ماله المخلوط ويكتفي.

[حكم -32] المشهور ان هذا الخمس نفس مصرف الخمس الذي هو حق الإمام وحق السادة وغير المشهور شككوا بهذا. أولاً: لأنه من مصاديق اوساخ الناس من الحرام والشبهات وثانياً في رواية قال: ((تصدق)) عن الصادق(ع) قال : ((اتى رجل أمير المؤمنين(ع) فقال اني رجل كسبت مالا اغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي؟
فقال أمير المؤمنين(ع) : تصدق بخمس مالك فان الله قد رضي من الاشياء بالخمس وسائر المال لك حلال))(1)، فان التعبير بالتصدق يبعد عن جوازه للسادة.
وثانياً: اذا شككت بالمعنى الشرعي فلتحمل على اللغوي لاصالة عدم التقييد. وفيه: الظاهر ان مفهوم الاوساخ وعدمها مثل الخبيث والطيب فانهما الشرع يعينهما والا فكثير من الاشياء يتقزز منها الشارب أو الآكل مع ان الشرع يعتبرها حلال الاكل والشرب وليست عنده خبيثه وكثير من الاشياء يحب الناس شربها واكلها والشرع يعتبرها خبيثة،
كلحم الخنزير ان أحد الشباب وصف لي اكله بأحسن الوصف واستحسن طعمه كأفضل طعام وأشهى لذة.
فكذلك أوساخ الناس انا لا نستوعب كل اسبابها والمقصود منها.
وأما قول أمير المؤمنين(ع) تصدق فيحمل على المعنى اللغوي وقد ورد في القرآن مثله كقوله تعالى: [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا] (2)
ومعلوم أن الرسول يأخذ منهم ما هو حقه كالخمس وغيره ويأخذ الزكوات والصدقات للفقراء ولغير السادة فليس كل ما يأخذ الرسول هو الزكاة المعروفة.
وثالثاً – ان لفظ الخمس بالروايات مثل لفظ الصلاة والصوم معنى معروف ومحدود بالشرع فلا يحمل على غير المتعارف عند الشرع والمتشرعة.
نعم ان هناك الفاظ يشك فيها الانسان هل مقصودها لغوي وعرفي أو صناعي وشرعي، مثل لفظ الوضوء إذا قال الإمام(ع) : (عليك بالوضوء) فهل لفظه(ع) بالفتح؟ ويعني مطلق الطهارة أو بالضم؟ الذي هو معروف الجواب: حسب القرائن.
وكذلك لفظ الزكاة هل هي زكاة النفس ومطلق العطاء لتحليل الاموال أو يقصد الزكاة المعروفة؟ الجواب حسب القرائن.
وأما الخمس فليس له عمومية بل هو لفظ متعارف لا بد ان يحمل عليه الا مع قرينة صارفة كقولك لشريكك انما حصتك خمس المال أو العقار أو البستان وهكذا، فهذا يقصد الخمس اللغوي الرياضي وليس المخصوص للسادة شرعاً.

[حكم -33] اشكلوا على الاكتفاء بتحليل المخلوط باخراج الخمس وقالوا في مجهول المالك يلزم ان يتصدق بجميعه. وفيه انه يتصدق اذا كان كل المال حرام ومجهول مالكه لا اذا يعلم المكلف أن فيه حلال وحرام.
واشكلوا ثانياً بوجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة كلها.
وفيه: ان هذا في غير الاموال ففي الاموال يأتي قاعدة الحلية وقاعدة الناس مسلطون على اموالهم.
وليس مثل اللحم المشتبه المذكى منه بغير المذكى فيجتنب باصالة عدم التذكية والمال ليس مثله لأن الميتة حرام ذاتي فلا وجه لتحليله بينما المال حرام عرضي ويشمله [خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا](3)
بينما اللحم حرام [إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ](4)
فالنص مختلف هذا عن هذا والعقل يدرك الاختلاف أيضاً،
والنصوص متوا فرة على تحليل المال المختلط بالتخميس فلا محيص عن قول الله وقول رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(ع).
وبالاضافة ان كل ما في الارض ملكهم فيفرضوا لهم ماشاؤا ويمنعوا ما شاءوا.

[حكم -34] اذا كان يعلم ان في أموال شخص حراماً وحلالاً كما اذا علم انه يرابي ثم صار المال إليه كالارث ولم يعلم ان مورثه قد حلل المال وتاب ام بقي مقدار الحرام فيه. بنى على التحليل كما في صحيح ابي المعزا ((لو ان رجلاً ورث من أبيه مالا وقد عرف ان في ذلك المال ربا ولكن اختلط في التجارة بغيره حلالاً طيباً فليأكله وان عرف منه شيئاً) معزولا (انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا، وايما رجل افاد مالاً كثيراً قد اكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرف بعد فاراد ان ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف))(5)
[حكم -35] ذكر عن المدارك بان مجهول المالك يتصدق بجميع المال حتى لو علم بان بعضه حلال احتياطاً واستند لعدة روايات ومنها موثقة ابن ابي حمزة وهي طويلة ونذكرها لانها مادة دسمة لخطباء المنابر وكثيرة البحث والفائد. قال ابن ابي حمزة: ((كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال لي استأذن لي على ابي عبد الله(ع) فاستأذنت له عليه فاذن له فلما ان دخل سلم وجلس ثم قال جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فاصبت من دنياهم مالاً كثيراً واغمضت في مطالبه؟
فقال ابو عبد الله(ع) : لولا ان بني أمية وجدوا من يكتب ويجب لهم الفيئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً الا وقع في ايديهم قال فقال الفتى جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟ فقال(ع): ان قلت لك تفعل؟ قال: أفعل قال: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ومن لم تعرف تصدقت قال له قد فعلت جعلت فداك قال ابن أبي حمزة فرجع الفتى معنا الى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الارض الا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه قال فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة .
قال فما اتى عليه الا أشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال: فدخلت يوما وهو في السوق قال ففتح عينيه ثم قال لي يا علي وفى لي والله صاحبك قال ثم مات فتولينا أمره فخرجت حت دخلت على أبي عبد الله(ع) فلما نظر الي قال لي يا علي وفينا والله لبصاحبك قال صدقت جعلت فداك والله هكذا قال عند موته))(6)
وفيه: ان هذه الرواية لا تكون دليل على ان مجهول المالك كله يتصدق به حتى ولو علم ان بعضه ملكه وذلك ان هذه الرواية كان المال بعضه حرام ومغصوب وبعضه من المظالم والتعدي على الناس وعلى حقوق أهل البيت(ع) وان الرجل كان من أعداء آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن كبار اعوان اعدائهم ومعلوم فان الدنيا حرام كلها عليهم ومخصصة للذين آمنوا كما قال تعالى : [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ](7) [حكم -36] ان شك أو جهل مقدار الحرام في ماله فانه يخرج الخمس كما قلنا، وان علم الاقل من خمس فليس عليه اخراج الخمس وانما يخرج مقدار ما علم صدقه لأنه يشك بالتكليف الزائد والاصل عدمه.
وان علم بزيادة الحرام عن الخمس أيضاً أخرج بمقدار ما علم وتصدق به على الفقراء وليس مصرفه مصرف الخمس لخروج الفرض عن النص الخاص بالخمس.

[حكم -37] ان علم المقدار وعلم صاحبه في ضمن مجموعة ولم يعرفه بعينه قسم المقدار بينهم كدرهمي الودعي وتقتضيه قاعدة العدل والانصاف والظاهر ان درهمي الودعي قاعدة مطردة لكل امثالها. وان أبوا القبول بالتقسيم أخرج صاحبه بالقرعة
وان اشتبه المالك في جماعة غير محصورة فهذا مجهور المالك.

[حكم -38] ان اشتبه شخص المالك في جماعة وشك في غيرهم فالجماعة المظنونة يقسم عليهم والأصل عدم تكليفه بالمشكوكين.

[حكم -39] ان المال المختلط فيه الخمس ولو صرف ولم يخرج الحمس لم يتبدل الحكم واللازم ان يخرج الخمس لتحليل ما في ذمته. وان صار في ذمته قبل تعلق الخمس به فهو ينقسم كما قلنا في العين الخارجية المختلفة فلاحظ ما يلي:

 

أ - ان علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أو علم بعدد غير محصور تصدق به عنهم.

ب - ان علم صاحبه في عدد محصور قسمه عليهم كدرهمي الودعي.

ج- وان لم يرضوا بالقسمة اخرج المالك بالقرعة.
د- وان علم جنسه ولم يعلم مقداره بنى على الاقل ودفعه للمالك ان علم.
هـ- وتصدق عنه ان لم يعرفه.
و- وان علم جنسه وكان قيميا كالانعام اخرج قيمته.
ز- وان كان مثلياً كالحبوب اخرج مثله.
ح- وان لم يعلم جنسه اخرج القيمة بمقدار المتيقن.
ط- وان لم يعلم مقداره ولا صاحبه ففتوى العروة بالتصدق ويبني على الاقل ولكن الاقرب شمول الخمس أيضاً.


[حكم -40] لو جهل المالك والمقدار فاخرج الخمس ثم تبين المالك لزم الضمان له والمصالحة معه. كما في خبر حفص عن ابي عبد الله فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً .... الى ان قال: ((فان اصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها فان جاء طلبها بعد ذلك خيَّرة بين الاجر والغرم فان اختار الأجر فله الاجر وان اختار الغرم غرم له وكان الاجر له))(8)
وان غرم له جاز للباذل استرجاع الصدقة من الفقير اذا أراد وكانت موجودة

[حكم -41] إذا بذل الخمس ثم علم بان الحرام كان أقل جاز له استرجاع الزائد وان شك فلا يرجع وان علم بانه اكثر وجب التصدق بالزائد. وان علم المالك فاعطاه وتراضيا ثم علم بانه ليس المالك جاز الاسترجاع منه الا اذا كان فقيراً وينطبق عليه الحق لان المالك مجهول.

[حكم -42] لو كان الحرام من المال معينا ومخلوطاً من حلال وحرام فهذا يخمس كما قلنا وأما لو كان الحلال معزولاً عن الحرام فلا يجوز ان يخلطه بالحرام ليخرج الخمس فلو خلطه ولم يعلم يزيادة الحرام عن الخمس اخرج الخمس وهو آثم وأما لو خلطه ليخرج الخمس


(1) الوسائل ب10ح4 ما يجب فيه.

(2) البراءة  9/103. 

(3) البقرة 2/29.

(4) المائدة 5/3.

(5) الوسائل ب5 ح2 الربا.

(6) الوسائل ب5 ح2 الربا.   

(7) الأعراف 7/32.   

(8) الوسائل ب18 ح1 اللقطة.