فصل نهي الأئمة عن الحرب بغير الدفاع عن الحق ومع إمام حق

[حكم -12] لم نر في سيرة الأئمة ان امروا بالجهاد او مارسوا القيام به الا النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي أمير المؤمنين(ع) حيث امره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما مضمونه ((يا علي لا ترفع السيف من بعدي الا في ثلاث: الناكثين والقاسطين والمارقين))
ولذا لم يحارب عمر حين هجم على الدار مع جلاوزته، واكتفى باعتذاره بانه معاهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم الحرب من بعده
وأما الحسن(ع) فحربه كذلك اضطراراً لدفع معاوية حيث غصب الخلافة وقاتل المؤمنين وجار في الحكم، ولم يستمر بالحرب وهادن معاوية لأمر بينه وبين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كما اشار الرسول الى ذلك بقوله (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا)
وأما الإمام الحسين(ع) فقد أُلجئ أيضاً للحرب اذ توجه الى مكة قاصداً الراحة ولكن يزيد ارسل مع الحجاج جلاوزته ليقتلوه ولو كان معلقاً باستار الكعبة.
وأما بقية الأئمة(ع) فانهم كانوا مطاردين ومحجورين ممنوعين من كل عمل ومنزوعين عن كل حقوقهم.
نعم قد انتفض بعض الشباب من قراباتهم وهذا كان لا بد منه لشدة السطوة عليهم والجور في حقهم.
وفي الخبر موثق سماعة عن لقاء عباد البصري لعلي بن الحسين(ع) في طريق مكة فقال له: ((يا علي بن الحسين تركت الجهاد وصعوبته واقبلت على الحج ولينه ان الله عز وجل يقول: [إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ](1) فقال أتم الآية فقال: [التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ] فقال علي بن الحسين(ع) اذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم افضل من الحج))(2)
وخبر السمندري قال: ((قلت لأبي عبد الله(ع) اني اكون بالباب -يعني باب من الابواب- فينادون السلاح فاخرج معهم فقال ارأيتك ان خرجت فاسرت رجلاً فاعطيته الامان وجعلت له من العهد ما جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للمشركين أكان يفون ذلك قال لا والله جعلت فداك ما كان يفون لي قال فلا تخرج))
وخبر عبد الملك قال: قال لي ابو عبد الله(ع): ((... إي والله لو كان خيراً ما سبقونا اليه قال قلت له كان يقولون ليس بيننا وبين جعفر خلاف الا انه لا يرى الجهاد؟ فقال أنا لا أراه؟ بلى والله اني لا أراه ولكن أكره أن أدع علمي الى جهلهم)).
ومرفوعة حماد عن علي بن الحسين(ع) قال: ((والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم الا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل ان يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به))(3) .
وعمر بن حنظلة قال سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: ((خمس علامات قبل قيام القائم الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية واليماني فقلت جعلت فداك ان خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات انخرج معه؟ قال: لا))(4)
وعن أبي بصير عن ابي عبد الله(ع) قال: ((كل رأيه ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل))(5) وسيأتي روايات أخرى في المنع في فصل المرابطة فصل بقية الاعذار.
[حكم -13] للوالد أو الوالدة ان يمنعوا ولدهما من الجهاد ان لم يجب عينا.
ففي الحديث عن جابر عن أبي عبد الله(ع)جاء رجل الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : ((يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان لي والدين كبيرين يزعمان انهما يأنسان بي ويكرهان خروجي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قم مع والديك فو الذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة)(6)
[حكم -14] لو كان صحيحا ولكن بعد شروع الحرب عجز بسبب الحرب أولا بسببه كما لو عمي أو عرج أو شل او تمرض باي مرض شديد أو افتقر مما يحتاجه بالحرب وهكذا.
[حكم -15] لو وجب عليه عيناً فلا يصح ان ينيب شخصا مكانه وان وجب عليه كفاية صح ان ينيب مكانه ويصح ان يفرض له أجرة.
[حكم -16] يحرم الابتداء بالحرب في الاشهر الحرم الا إذا اقتضت الضرورة والاشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.
[حكم -17] لا يجوز القتال في مكة والمدينة الا اذا كان العدو قد ابدى العداوة والحرب فيهما فيجوز قتاله، وكذا اذا اقتضت الضرورة.
[حكم -18] اذا هجم على شخص أو على قوم هاجم معتد وجب الدفاع عن الدين أو عن النفس أو عن العرض أو عن المال.
سواء كان من الكافرين أو المسلمين وتسقط الشروط في هذا الدفاع فلا يسقط عن المريض أو المرأة أو الطفل أو الأعمى أو الأعرج أو الفقير.
نعم يبقى الوجوب كفائياً فإذا قام من به الكفاية سقط عن الآخرين ويبدأ السقوط بالاضعف فالأضعف.
[حكم -19] يجوز الاستعانة بالكافر في دفع الهاجم الظالم حتى لو كان المهاجم مسلما ولا ضمان على المدافع في تلف الهاجم الظالم من ماله أو نفسه او عرضه بشرط ان لم يفعل المدافع عملاً محرماً كما اذا بدأ بالفجور بنساء الهاجم أو اللواط مع ابنائه فان الحرام يبقى حراما على كل حال.
[حكم -20] في الدفاع عن النفس أو الدين أو المال أو عن العرض يجب المعرفة والتدبر فلا يجوز التهور حتى يهلك نفوس المدافعين كما لا يجوز الجبن حتى يتسلط العدو وعدم دفعه عن المستضعفين من النساء والاطفال والشيوخ فيجب في الدفاع التدبر والتعقل في دفع الظلم باقل خسارة من الجانبين فاذا امكن دفع الظالم بالخداع وجب الخداع وحرم المصارحة والمقابلة المهلكة.
ولذا ورد عن أمير المؤمنين(ع) قوله: (رأي الشيخ أحبُ إليَّ من جلد الغلام)
وحكي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان قال له رجل أوصني فقال له: ((عليك بالصبر فكرر السؤال فكرر النبي الجواب)).
فلما رجع الرجل الى قومه رآهم يريدون الحرب مع آخرين فاوقفهم وصالحهم وكف شر القتل بينهم وهكذا يجب تدبير الامور بين الناس.
[حكم -21] كل من قتل في حرب سواء في حرب ابتدائي أو دفاعي فهو شهيد لا يغسل ويكفن الا في ثيابه وانما يصلى عليه ويدفن ما لم يدركه المسلمون بعد الحرب وبه رمق فانه يغسل ويحنط ويكفن.
وأما الذي يقتل في غير القتال كالذي يصلبه الظالمون أو خرج في مظاهرة احتجاج غير مسلحة فقتل جيش السلطان المتظاهرين فان المقتول يغسل ويكفن.
وكذلك المقتول في التفجيرات بدون ان يتقابل ويتحارب مع المفجرين الظالمين.
[حكم -22] على ما ذكر فان الشهادة قسمان الاول ما له احكام الشهيد فلا يغسل ولا يكفن وهو الذي يقتل في محاربة ومقابلة مسلحة.
والثاني ما ليس له احكام الشهيد ولكنه يعد من الشهداء في يوم الحساب ولعل ثوابه اعلى من الشهيد الاول.
وقد ورد ((من مات على حبنا فهو شهيد)) ((ومن ماتت في نفاسها فهي شهيدة)) ((ومن مات غريباً عن وطنه فقد وقع أجره على الله)) فهو شهيد اذا مات في طريق حق، ومن مات مجاهداً دون عرضه أو دينه أو نفسه أو ماله فهو شهيد حتى لو كان جهاده بالكلام أو بالبدن بدون السلاح.
ومن دافع بالسلاح بالمقابلة الفردية مع العدو فهو شهيد من النوع الثاني فيغسل ويكفن وانما لا يغسل اذا قتل في حرب عامة وليس في قتل فردي.
[حكم -23] من كيفيات الحروب حرب العصابات والمفاجئات والاغتيالات السرية مثل سرقات الحرامية وهي التي تحصل بدون وعيد ولا نظام وهي مسببة للهرج والمرج فلذلك تحتاج الى اذن من لجنة مؤلفة من المجتهدين الاتقياء والمخلصين.
[حكم -24] اذا هاجم أو واحدٌ جماعة أو واحداً مطالبين بحق شرعي كما اذا ابتدأ المهجوم عليه بالاعتداء عليهم فهجموا عليه فلا يجوز له دفعهم ودفاعهم وانما يعطيهم مظلمتهم واذا دافع بلا حق له فهو ضامن ما يتلف وما يحطم.
واذا هاجم جماعة أو واحد بلا حق جاز للمهجوم عليه الدفاع بالاقل ضرراً فالاقل ولا يجوز الزيادة فاذا هجم جماعة باليد دفعهم باليد وليس له ان يعاجلهعم برمي الرصاص القاتل فاذا فعل فهو ضامن الا اذا كانوا يقصدون قتله وهم قادرون وهكذا الدفع له مقادير يحكم بها العقلاء والمطلعون.


(1)التوبة9/111.

(2)الوسائل ب12 ح3 جهاد العدو وكل الروايات هنا في هذا الباب.

(3) الوسائل ب13 جهاد العدو.

(4)الوسائل ب12 ح3 جهادالعدو.

(5)الوسائل ب13 جهادالعدو.

(6)الوسائل ب2 ح1 و2 جهادالعدو .