فصل الفرار من الزحف

[حكم -35] لا يجوز الفرار من الحرب ويجب إجابة الداعي اليه.
قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)](1)
وعن أمير المؤمنين(ع): ((وليعلم المنهزم انه مسخط به موبق نفسه في الفرار واجد لجدة الله والذل اللازم والعار الباقي وان الفار لغير مزيد في عمره ولا محجور بينه وبين يومه ولا يرضى به ولموت الرجل محقا قبل هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس بها والاقرار عليها))
وعن أبي الحسن الرضا(ع) : ((حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة وترك نصرتهم على الاعداء والتقوية لهم على ترك ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية واظهار العدل وترك الجور واماته الفساد لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين وما يكون في ذلك من السبي والقتل وابطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد))
[حكم -36] مقدار قوة المسلمين وعددهم ونسبتهم لمقدار عدد الاعداء وعدتهم محسوبة في جواز الفرار او عدمه.
فقد ورد عن علي(ع): التدرج في أمر الله بالحرب فقال: ((ان الله لما بعث نبيه أمر في بدو امره ان يدعو بالدعوة فقط وانزل عليه [وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا](2)
فلما ارادوا ما هموا به من تبييته، امره الله تعالى بالهجرة وفرض عليه القتال فقال: [أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ](3)
فنسخت آية القتال آية الكف، ثم قال: ومن ذلك ان الله تعالى فرض القتال على الأمة فجعل على الرجل ان يقاتل عشرة من المشركين فقال: [إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ](4) ثم نسخها سبحانه وتعالى فقال: [الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ](5) فنسخ بهذه الآية ما قبلها فصار فرض المؤمنين في الحرب ان كان عدة المشركين اكثر من رجلين لرجل لم يكن فاراً من الزحف وان كان العدة رجلين لرجل كان فاراً من الزحف))
[حكم -37] المقصود بهذه النسبة هو مجموع الجيش المسلم لمجموع الكفار المتقاتلين وليس الفرد فاذا برز المسلم فاجتمع به ثلاثة او عشرة فلا يجوز ان يفر من الزحف نعم يفر من هذه المقابلة ويتحيز الى مجموعة من المسلمين ويستقوي بالآخرين كما في الآية [مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ] فهو مجاز واما الفرار بالمرة فحرام.
[حكم -38] هذه النسبة ليست على التحقيق وانما للتقريب وهذه النسبة في الحروب القديمة واما الآن فاللازم جعل ضوابط أخرى حيث لم تكن الحروب في تقابل الافراد وانما بقدرة السلاح.
فاذا كان العدو يملك سلاحاً يحصد المدينة في لحظات فلا يجوز مقابلته بالسيف والسهم والتفگة والمسدس ذي واحد مليم.
[حكم -39] اذا جاز الفرار يلزم ان يكون بحكمة حتى لا يسبب الخذلان أمام الاعداء مثلاً ان يخاطبهم بلطف ويعلن عدم ارادة الهلاك للطرفين أو فرض الهدنة المؤقتة أو المصالحة على اخف من الحرب.

وبالجملة ان لا يظهر الذل والخوف مما يحرض الكافرين على المؤمنين

(1) الانفال 8/16.

(2)الاحزاب 33/48

(3)الحج 22/39.

(4) الانفال 8/65.

(5)الانفال 8/66.