فصل في السحر واشباهه

حكم- عرفوا السحر عن ما يؤثر في الحواس تخيلاً كاذباً اوحقيقة ويمكن ان يضره او لا يضره, ومن الآيات [فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ116](1), فالسحر هو مجرد سحر في العين فهو ليس بواقع وحقيقة, والآية: [قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى66](2) فانها عمل كاذب يؤثر على العيون حتى يتخيل الرائي من العصا او الحبل انه حية تسعى.
حكم- تحريم السحر كالكفر لقوله تعالى [وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...102](3) وقد روى عن السكوني عن ابي عبد الله (ع) عن ابيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل) قالوا يا رسول الله لم لا يقتل ساحر الكفار؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لان الشرك اعظم من السحر لان السحر والشرك مقرونان)(4), وعن الامام العسكري (ع) في قوله عز وجل [وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ...102] قال (ع): (كان بعد نوح قد كثرت السحرة المموهون فبعث الله عز وجل ملكين الى بني ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم ويرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين واداه الى عباد الله بأمر الله عز وجل وأمرهم ان يقفوا على السحر وان يبطلوه ونهاهم ان يسحروا به الناس وهذا كما يدل على السم ما هو وعلى ما يدفع به غائلة السم...الى ان قال وما يعلمان من احد ذلك السحر وابطاله حتى يقولا للمتعلم انما نحن فتنه وامتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون من هذا ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر وطلب الاضرار به فان ذلك كفر الى ان قال ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم لانهم اذا تعلموا ذلك السحر ليسحروا به ويضروا به فقد تعلموا ما يضرهم في دينهم ولا ينفعهم فيه)(5), هذا الثابت عن اهل البيت (ع) واما الثابت في كتب العامة المخالفين من الاساطير والاكاذيب حول هاروت وماروت فشيء لا يصدق, يقولون انهما ملكان كانوا يدعون على الفسقة فانزلهم الله واودع فيهم الشهوة ففسقا وقتلا وشربا الخمر فاخذهما الله وعلقهما فهما يعذبان الى يوم القيامة وهذا لا يناسب الملائكة المعصومين فانهم عباد مكرمون [لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ27](6).
حكم- يحرم السحر والكهانة سواء كان ذلك بالكتابة او التكلم او النفث في العقد او الدخنة او التصوير ففي الحديث (من تعلم شيئاً من السحر قليلاً او كثيراً فقد كفر وكان آخر عهده بربه وحده ان يقتل الا ان يتوب)(7).
حكم- قال بعض الفقهاء ان نسبة السحر الى الواقع كنسبة المكر والخديعة اليه فكما انه واقع للمكر والخديعة الا ما يقوم بخيال الماكر والخادع ويتأثر بهما الممكور به والمخدوع بعض التأثير فكذلك السحر(8), أقول اما المسحور فانه يتأثر واقعاً او يموت او يقتل بعض الناس او يضرهم ويؤذيهم, واما عمل السحر فبعضه واقعي وبعضه تخيل وتشبيه وخداع الابصار والنفوس كقوله تعالى [سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ116](9).
حكم- السحر في البشر قديم جداً ولعله مما علم الشيطان لقابيل وذريته واشتهر في عهد موسى (ع) وفرعون مصر, ولكل شعب في العالم طرقه وكيفياته بالسحر فللنبط سحر والكلدانيين طريقة اخرى والى العرب والى الهند وغيرها ويختلف قوته وضعفه في التأثير بقدر خبث وخديعة الساحر والمسحور [وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ121](10),
حكم- الفرق بين السحر والمعجزة, كما فرق السيد الشيرازي(رح) في الفقه بان المعجزة تأتي في كل مكان وحال وزمان وبدون سبق تعلم وتحضير وتكون في مقام التحدي والسحر بعكسه, والمعجزة يفلح صاحبها واتباعه لانه يخاطب الفطرة فان [كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا...](11) و [فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا...30](12) بينما الساحر مفضوح بخداعه [وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى69](13), وايضاً ان المعجزة تأتي على يد اشرف الخلق والاولياء والانبياء والسحر يأتي من المشهورين بالشيطنة والخداع والشرانية.
حكم- المؤمن ينظر بنور الله تعالى, ورد في الحديث (عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون باذني), وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لولا ان الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا الى ملكوت السماوات)(14), وقال الحكيم السبزواري: (وانما الشواغل الحسية, قد حجبت نفوسنا النورية)(15), فاللازم على المؤمن تصفية نفسه وتعليقها بامر الله تعالى وبالمبادئ العليا محمد وآل محمد صوات الله عليهم واهمال التفكر في الدنيا والشيطان والاغضاء عن الشهوات والملذات, فكلما يرتبط قلب الانسان بالمنافع الدنيوية والاغراض الحياتية كلما ابتعد عن الآخرة والحساب والثواب والعقاب, قال امير المؤمنين (ع): (من كان همه بطنه فقيمته ما يخرج منها), وقال (ع): (وانما هي نفسي اروضها بالتقوى), وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ان اخوف ما اخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل).


(1) سورة الاعراف 7/116.

(2) سورة طه 20/66.

(3) سورة البقرة 102.

(4) الوسائل ب2.

(5) الوسائل ب25 4و7 ما يكتسب به.

(6) سورة الانبياء (ع) 21/27.

(7) الوسائل ب25 4و7 ما يكتسب به.

(8) مهذب الاحكام 16/103 مسألة 21.

(9) سورة الاعراف 7/116.

(10) سورة الانعام 6/121.

(11) سورة التوبة 9/40.

(12) سورة الروم 30/30.

(13) سورة طه 20/69.

(14) البحار 15/39 القلب وصلاحه الطبعة الحجرية.

(15) منظومة السبزواري.