القمار والميسر

قال الله تعالى [إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ90](1), وكان الجاهلية يتعاطون الميسر ومن اشهر صوره عندهم انهم كانوا يشتركون في بعير عشرة اشخاص بالتساوي ثم يضرب بالقداح وهو نوع من القرعة فسبعة يأخذون بأنصبة متفاوتة معينة في عرفهم وثلاثة لا يأخذون شيئاً.
واما في زماننا فان للميسر عدة صور منها: ما يعرف باليانصيب وله صور كثيرة ومن ابسطها شراء ارقام بمال يجري السحب عليها فالفائز الاول يعطى جائزة والثاني وهكذا في جوائز معدودة قد تتفاوت فهذا حرام ولو كانوا يسمونه بزعمهم خيرياً.
أو ان يشتري سلعة بداخلها شيء مجهول او يعطى رقماً عند شرائه للسلعة يجري عليه السحب لتحديد الفائزين بالجوائز, ومن صور الميسر في عصرنا عقود التأمين التجاري على الحياة والمركبات والبضائع وضد الحريق والتأمين الشامل وضد الغير الى غير ذلك من الصور المختلفة حتى ان بعض المغنين يقومون بالتأمين على اصواتهم(2), هذا وجميع صور المقامرة تدخل في الميسر وقد وجد في زماننا أندية خاصة بالقمار وفيها ما يعرف بالطاولات الخضراء الخاصة لمقارفة هذا الذنب العظيم وكذلك ما يحدث في مراهنات سباق الخيول وغيرها من المباريات هو ايضاً نوع من انواع الميسر ويوجد في بعض محلات الالعاب ومراكز الترفيه انواع من الالعاب المشتملة على فكرة الميسر كالتي يسمونها (الفليبرز) ومن صور المقامرة ايضاً المسابقات التي تكون فيها الجوائز من طرفي المسابقة او اطرافها كما نص على ذلك جماعة من اهل العلم.
حكم- المرجع في معرفة الات القمار اهل اللعب والخبرة به وكل ما كان من الاته وهجر سقط اعتباره قماراً وهو متقوم بطرفين او اطراف رابحون وخاسرون واما لو لعب شخص واحد لنفسه فلا حرمة ان لم يفوِّت واجباً.
حكم- لا اثم مع الجهل بالموضوع او بالحكم او النسيان لهما او الاضطرار او الاكراه ومع العلم فاللعب حرام من الكبائر والحضور حرام وبيع الات القمار على انها قمار حرام وحفظها للتقامر بها حرام فيجب تغييرها الى مواد نافعة محللة.
حكم- لا يجوز المقامرة مع الكفار بحجة (الزموهم ما الزموا انفسهم به) لان الزموهم بما هم يفعلون وليس باني اتورط باللعب المحرم معهم ولذلك اذا رأينا الكفار او المخالفين لاهل البيت (ع) وعرفنا بانهم يستحلونه فاللازم ان نثبت لهم تحريمه وانهم على ضلال في معرفتهم ثم نمنعهم كما في الرواية عن شارب الخمر في عهد خلافة عمر وكان يصرخ ولم يستأثم معتذراً بانه لم يعلم بحرمته فامر امير المؤمنين (ع) بالدوار معه في مجالس المؤمنين يسألونهم انهم اخبروه بحرمة الخمر فما احد ادعى اخباره فعفي عنه واعلم حرمته.
حكم- لو اشترى تاجر اخشاباً او غيرها من المواد ومن جملتها صلباناً وهو شعار كفر النصارى والات قماراً وما شابه من المحرمات فان قصد التاجر ابقائها والمتاجرة بها مع حرمتها فمقدار المحرم حرام وبقية التجارة بالمحلل حلال.
حكم- ليس كل لهو حرام فانه هناك لهو واجب ومنه مقاربة الزوجة في بعض الفروض ومنه مستحب كالسبق والرماية والسباحة ومنه مباحة كالتنزه بالحدائق والاسفار والبحر والانهار ومنه مكروه مثل كثرة النوم والاكل والسهرات الحمقاء غير المفيدة كما في الخبر: (السهر حماقة الا في ثلاث: علم ينتفع به او عبادة يتقرب بها الى ربه او ملاعبة الرجل اهله في الحلال), واما الحرام فانما هو اللهو الباطل الذي ينسي عن ذكر الله واليوم الآخر.
حكم- لا يملك اللاعب الرهان حين يربحه كما لم تملك الزانية اجرة الزنا كما في خبر ابن سعيد قال (بعث ابو الحسن (ع) غلاماً يشتري له بيضاً فاخذ الغلام بيضة او بيضتين فقامر بها فلما اتى به اكله الامام (ع) فقال له مولى له ان فيه من القمار قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه)(3) وفي هذه الرواية بحوث:

 

أ - ان الامام (ع) مكلف ان يعمل كما يعمل الناس ولا يعمل بعلم الامامة نعلم ذلك من احاديث وحوادث عديدة.

ب - تصديقه بقول العبد بدون استصغار ولا مناقشة ومعلوم ان العبد ثقة والا فلا يجوز تصديق غير الثقة.

ج - بعدما علم تقيأ الطعام الطيب الحلال والحكم الشرعي حتى للذي يأكل المحرم المغصوب لان البلع يسقط الطعام عن المالية فانه قد تلف سواء بقي في الامعاء اوقاءه فالذي قاءه يعتبر شيئاً آخر غير المال المغصوب, واما تقيؤ الامام فليس لأجل حرمة البيضة وانما لشدة النكير وتخويف العبد الذي يعلب القمار وهو منسوب للامام المعصوم حتى لا يعود لمثلها وانه (ع) ليعمل ذلك لاجيال حتى يعرفوا شدة تحريم القمار وان اختلاطه في دم الانسان يحرفه عن التقوى والبعد عن الله.

 

حكم- اذا تعارف في بلد انها الات قمار حكم عليهم بالتحريم المطلق وفي بلد ليس من الات القمار فالتحريم مخصوص بالعوض, ولو لعب الشخص في حالين في حال الكفر ثم اسلم واستمر على لعب القمار ففي حال الكفر حل له المال الذي اخذه من القمار لان الاسلام يجبّ ما قبله.


(1) سورة المائدة 5/90.

(2) مر بحث التأمين وقد حللنا بعض وجوهه.

(3) الوسائل ب35 ح2 ما يكتسب به.