(10) اخرجوه في السفر وقتلوه

حكم- وروي الكافي والتهذيب: عن الباقر (ع) قال دخل امير المؤمنين (ع) المسجد فاستقبله شاب يبكي وحوله قوم يسكتونه, فقال له: ما أبكاك؟ فقال: يا امير المؤمنين ان شريحاً قضى علي بقضية ما ادري ما هي, ان هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في سفر فرجعوا ولم يرجع ابي, فسألتهم عنه فقالوا: مات, فسألتهم عن ماله فقالوا: ما ترك مالاً, فقدمتهم الى شريح فاستحلفهم, وقد علمت يا امير المؤمنين ان ابي خرج ومع مال كثير, فقال لهم امير المؤمنين (ع) : ارجعوا فرجعوا, والفتى معهم الى شريح, فقال له امير المؤمنين (ع) : كيف قضيت بين هؤلاء؟ فقال: ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع ابوه, فسألهم عنه فقالوا مات, فسألتهم عن ماله فقالوا ما خلف مالاً, فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي؟ فقال: لا, فاستحلفتهم.
فقال امير المؤمنين (ع) : هكذا تحكم في مثل هذا؟ فقال: فكيف؟ فقال (ع) والله لاحكمن فيهم بحكم ما حكم به قبلي الا داود النبي, يا قنبر ادع لي بشرطة الخميس, فدعاهم فوكل بكل رجل منهم رجلاً من الشرطة, ثم نظر الى وجوههم فقال: ماذا تقولون, اتقولون انى لاأعلم ما صنعتم بأب هذا الفتى اني اذن لجاهل.
ثم قال: فرقوهم وغطوا رؤسهم, ففرق بينهم وأقيم كل رجل منهم الى اسطوانة من اساطين المسجد ورؤسهم مغطاة بثيابهم, ثم دعا عبيد الله بن ابي رافع كاتبه: فقال: هات صحيفة ودواة, وجلس أمير المؤمنين (ع) في مجلس القضاء وجلس الناس اليه, فقال لهم: اذا انا كبرت فكبروا, ثم قال للناس: اخرجوا ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ثم قال لعبيد الله بن ابي رافع: أكتب اقراره وما يقول: ثم اقبل عليه بالسؤال فقال له: في أي يوم خرجتم من منازلكم وابو هذا الفتى معكم؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا, قال: وفي اي شهر؟ قال في شهر كذا وكذا, قال: وفي اي سنة؟ قال: سنة كذا وكذا, قال: والى اين بلغتم في سفركم حتى مات ابو هذا الفتى؟ قال: الى موضع كذا وكذا, قال: وفي منزل من مات؟ قال: في منزل فلان بن فلان, قال: وما كان مرضه؟ قال كذا وكذا, قال: وكم يوماً مرض؟ قال: كذا وكذا.
قال ففي اي يوم مات ومن غسله ومن كفنه وبما كفنتوه ومن صلى عليه ومن نزل في قبره؟ فلما سأله عن جميع ما يريد اكبر أمير المؤمنين (ع) وكبر الناس جميعاً, فارتاب اولئك الباقون ولم يشكوا ان صاحبهم أقر عليهم وعلى نفسه, وامر ان يغطى رأسه وينطلق به الى السجن.
ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه وقال: كلا زعمتم اني لا اعلم ما صنعتم, فقال: يا امير المؤمنين ما انا الا واحد من القوم, ولقد كنت كارهاً لقتله ثم دعا بواحد بعد واحد كلهم يقر بالقتل واخذ المال ثم رد الذي امر به الى السجن فأقر ايضاً, فألزمهم المال والدم.
فقال شريح: يا امير المؤمنين وكيف كان حكم داود النبي؟ فقال علي (ع) : ان داود النبي مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم بيامات الدين فقال له داود: من سماك بهذا الاسم؟ فقال: ابي فانطلق داود (ع) الى امه وقال لها: ايتها المرأة ما اسم ابنك هذا؟ فقال: مات الدين فقال لها: ومن سماه بهذا الاسم؟ قالت: ابوه, قال: وكيف كان ذلك؟ قالت: ان اباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه قالوا مات, فقلت لهم, فأين ما ترك؟ قالوا: لم يخلف شيئاً, فقلت: هل اوصاكم بوصية؟ قالوا نعم زعم انك حبلى فما ولدت من غلام أو جارية فسميه مات الدين فسميته, قال داود: وتعرفين القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟ قالت: نعم, قال: فأحياء هم ام اموات؟ قالت: بل احياء, قال: فانطلقي بنا اليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم بعينه واثبت عليهم المال والدم وقال للمرأة: سمي ابنك عاش الدين.
ثم ان الفتى والقوم اختلفوا في مال الفتى كم كان, فأخذ امير المؤمنين (ع) خاتمه وجيمع خواتيم من عنده ثم قال: اجيلوا هذه السهام فأيكم اخرج خاتمي فهو صادق في دعواه لانه سهم الله وسهم الله لا يخيب.