أول قسامه حدثت

[حكم -660] الذي أسس مبدأ القسامة كطريق من طرق اظهار القتلة هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بامر الله تعالى
فعن ابي بصير قال سألت ابا عبد الله(ع) عن القسامة اين كان بدوها؟
فقال كان من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما كان بعد فتح خيبر تخلف رجل من الانصار عن اصحابه فرجعوا في طلبه فوجدوه متشحطاً في دمه قتيلاً فجاءت الانصار الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قتلت اليهود صاحبنا فقال ليقسم منكم خمسون رجلاً على أنهم قتلوه.
قالوا يا رسول الله كيف نقسم على ما لم نر؟
قال: فيقسم اليهود. قالوا يا رسول الله من يصدق اليهود؟
فقال أنا إذن أدي صاحبكم فقلت له كيف الحكم فيها
فقال ان الله عز وجل حكم في الدماء ما لم يحكم في شيء من حقوق الناس لتعظيمه الدماء لو ان رجلاً ادعى على رجل عشرة الاف درهم أو اقل من ذلك او اكثر لم يكن اليمين على المدعي
وكانت اليمين على المدعى عليه فاذا ادعى الرجل على القوم انهم قتلوا كانت اليمين لمدعي الدم قبل المدعى عليهم فعلى المدعي ان يجيء بخمسين يحلفون ان فلانا قتل فلانا فيدفع اليهم الذي حلف عليه فان شاؤوا عفوا وان شاؤوا قتلوا وان شاؤوا قبلوا الدية وان لم يقسموا فان على الذين ادعي عليهم ان يحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً فان فعلوا ادى أهل القرية الذين وجد فيهم وان كان في فلاة اديت ديته من بيت المال فان امير المؤمنين(ع) كان يقول لا يبطل دم امرئ مسلم)(1)
[حكم -661] قبل ان نفصل احكام القسامة لا بد من شرح كلمات في البحث


1- القسامة: قال في مجمع البحرين: القسامة بالفتح وهي الايمان تقسم على اولياء القتيل اذا ادعو الدم
يقال قتل فلان بالقسامه اذا اجتمعت جماعة من اولياء القتيل وادعوا على رجل انه قتل صاحبهم ومعهم دليل دون البينة فحلفوا خمسين يمينا ان المدعى عليه قتل صاحبهم فهؤلاء الذين يقسمون يسمون قسامة كذا في المصدر فان بعض المحققين والقسامة وقدرها خمسون يميناً بالله تعالى في العمد اجماعاً وفي الخطأ على الاشهر وقيل خمسة وعشرون...)


2- للوث:
[حكم -662] ان القسامة تثبت مع اللوث وهو امارة ظنية على صدق المدعى وهو القتل كوجود القاتل على بدن الضحية وبيده سكين ملطخ بالدم الطري ويتفطر وهو مضطرب.
ومن اللوث البينة غير متكاملة الشروط ومنه قول جماعة من الاطفال وما شابه.


3- الهايشهوالهايشات: وهي الفزعة والتكالب بين الناس في حال الزحمة وضيق المكان مما يسبب موت وقتل بعضهم بعض بلا ارادة ولا شعور كما اذا خاف الناس من شيء فركضوا وسحق بعضهم بعضا.
أو حصل كثرة من الناس فصك بعضهم بعضاً كما في أوقات الزيارات الكبرى في المدن المقدسة في العراق وغيرها.
وفي أيام منى في حال الحج وعند الانصراف من المشعر وهكذا.


4- العاقلة: اصلها من العقل وهو الذهن الوقاد الذي يتعقل الامور ويقتدم بالأنسان الى العلوم ويصلح الشؤون ويسير البدن لصحيح الافعال وينهاه عن سيئها.
وفي باب القصاص والديات يقصد بها الاقرباء من الرجال والعقل هو الربط والشد كما يقال في الحديث (اعقل وتوكل) أي اربط الجمل أو غيره حتى لا يسرق ويسير بعيداً فتفقده.
وسميت العشيرة من الرجال بالعاقلة لان الرجال في الجاهلية كانت تمنع من قصاص القاتل وتفديه بالمال فالعقل هنا المنع وفي الاسلام اجاز ذلك بالقتل الخطأ ولم تمنعه بالمصالحة في القتل العمد.


5- تعاقل ويعاقل: بمعنى يساوي كما في الحديث: ان المرأة تعاقل الرجل حتى تبلغ الثلث فان بلغته ردت على النصف.


6- القصّاص (الحداد) هو الذي ينفّذ في الجاني مقدار الجناية أي يقتل القاتل ويقطع عضو القاطع فيقتص منه ويحده.


7- الفداء


8- عقر: بمعنى كسر عضوه وحطمه كما في الحديث (فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره)(2)


9- النكول: هو ان من يطلب منه الحلف فلا يحلف فيقال انه نكل عن الحلف,
وهناك كلمات كثيرة تعتور الباحث الفقيه في درس وتدريس القصاص والديات سوف نعرفها في اول كتاب الديات ان شاء الله تعالى.
[حكم -663] يشترط في القسامة كما قلنا
أولا- اللوث فان وجد اللوث امكن القسامة وأما لم يوجد فهو من المدعي والمنكر.
وهو ان وجد بينة حكم بها وان لم توجد حلف المنكر فتسقط الدعوى وان لم يحلف ورد الحلف الى المدعي فان حلف ثبت القتل.
[حكم -664] لو وجد قتيل في الشوارع والطرق العامة فلا لوث الا اذا ثبت عداوة لاناس قريبين من المكان فاللوث يدور حولهم. ولو وجد بين القريتين فاللوث لأقر بهما ولو تساويا فاللوث لهما فلو تساوت وفي احدهما عدوٌّ له فاللوث حوله ولو لم يكن لوث فديته من بيت المال.
[حكم -665] لو تعارضت الأمارات ولم يحصل ظن فلا موضوع للقسامة بل تفصل الخصومة بالمدعي والمنكر.
ولو وجد ولي الميت شخصا مقتولاً في داره وادعى ان واحداً من أهل الدار قتله فهو لوث تجري فيه القسامة ولا بد من احراز وجوده حين الجريمة والا فلا لوث ولو انكر المدعى عليه وجوده حين القتل قدم قوله بيمينه.
[حكم -666] اذا اقر القاتل او كان للقضية شاهدا عدل فلا يحتاج للقسامة وكذا لوعفى اولياء القتيل أو لم يكن له أهل يطالبون بحقه.
أو مات في صحراء لم يعرفه المارون عليه الا ان بعض المارين غسله ودفنه ولم يسأل عنه أحد.
[حكم -667] وورد خبر سوار عن الحسن(ع) ان علياً(ع) لما هزم طلحة والزبير اقبل الناس ينهزمون فمروا بامرأة حامل على ظهر الطريق ففزعت منهم وطرحت ما في بطنها فاضطربت حتى مات وماتت امه من بعده فمر بها علي(ع) واصحابه وهي مطروحة وولدها على الطريق فسألهم عن امرها قالوا له انها كانت حاملاً ففزعت حين رأت القتال والهزيمة قال فسألهم أيهم مات قبل صاحبه قالوا ان ابنها مات قبلها قال فدعى(ع) بزوجها اب الغلام الميت فورثه من ابنه ثلثي الدية وورث امه ثلث الدية ثم ورث الزوج من امرأته الميتة نصف ثلث الدية الذي ورثته من ابنها الميت وورث قرابة الميت الباقي قال وورث قرابة الميت نصف الدية وهو الفان وخمسمأة درهم وذلك انه لم يكن لها وله غير الذي رمت به حين فزعت قال وادى ذلك كله من بيت مال البصرة)
اقول ان الرواية على القاعدة كما تقدم في الأرث
فان ارث المولود لوالدته ثلث ولوالده الثلثين وهكذا تقسم الدية التي له
وورث الزوج من زوجته نصف الارث ونصف ديتها لعدم الولد لها غير الذي مات قبلها.
ثم باقي الارث لاقرباء الميتة والعبارة غير المستقيمة في الرواية قوله (وورث قرابة الميت الباقي) والصحيح قرابة الميتة ولعله خطأ مطبعي.
وأما الدية من بيت المال لأن القتل وقع بسبب الجهاد الاسلامي والنتيجة ان الإمام(ع) سلم (15) الف درهم عشرة آلاف درهم دية الولد وخمسة للأم واورث الطفل امه.
 3333 درهم للوالدة من ارث الولد، ولوالده 6666 وللزوج من زوجته الميتة 2500 من ديتها ومثلها لقرابتها وله من زوجته من ما حصلت من دية ابنها 1666 درهم ومع ديتها للزوج 2500 = 10833 درهم للزوج
ويكون لاقرباء الزوجة الميتة 4166 درهم.
[حكم -668] روى السكوني عن أمير المؤمنين(ع): (ليس في الهايشات عقل ولا قصاص) والهاشيات الفزعة، وكل من قتل في زحمة وتدافع من الناس بسبب الكثرة مع ضيق المكان بحيث يقتل الناس بعضهم بعضا بلا ارادة أحد منهم ولا يعرف القاتل من المقتول اولاً.
وهذه الحال لا يفرض قصاصاً على أحد ولا دية على أحد من الناس والامام امير المؤمنين(ع) قد ودى القتلى في هذه الحال من بيت المال
[حكم -669] بيت مال المسلمين هوخزينة الدولة الاسلامية التي بيد وزير المالية يجب عليه ان يبذل كل هذه الشؤون فلا يدع خلة وحاجة في المسلمين بل في كل الشعب الا ويسدها ويكفيها المؤنة.
ولا يحتاج الناس في قرية أو مدينة من البلاد من مركز اسلامي للوعظ والارشاد أو لتوزيع المساعدات المالية والغذائية الا ويبذلها ويحقق الغنى فيها وأما زعم بيت المال انه بيد مراجع الدين فليس بمطلق وليس في كل الاعصار والامصار.
ففي عصر ترى مرجع أو مراجع يوزعون الاموال ويسدون خلل المسلمين وطلبات الاسلام في كل قرية وكل مدينة وكل دولة ويتصدى لكل حاجة وفي عصر آخر ترى المراجع مثل سائر الناس منهم فقير لا يستطيع حراكاً وكل ما يأتيه من الحقوق لا يكاد يكفي معيشته وعياله ونشر بعض كتبه وتعاليمه ومنهم موفور يكدس ويدخر الاموال ويورثها كما يورث امواله الخاصة والامة الاسلامية ترزح تحت وطأة الظلم والجور والفقر والحرمان
[حكم -670] من اقسام اللوث ما لو شهد صبي أو مجنون او كافر او فاسق او امرأة أو غير معروف العدالة على قتل فلان فلانا.
او كان الشخص القتيل نازلاً او ساكنا مع قوم فاصبح مقتولاً أو خرج به قوم في سفر او دعوه ليلاً ليس معه من يحفظه او كان قد هدده وتوعده من يعلم قدرته وعادته القتل وامكانه منه
[حكم -671] اختلفوا في القسامة كما اختلفوا في سائر الحقوق في القسم بين المدعي والمدعى عليه، ففي سائر الحقوق قالوا ان البينة على المدعي
فاذا لم يكن له بينة توجه اليمين على المنكر فاذا حلف سقطت الدعوى واذا نكل عن الحلف فهل يتوجه اليمين على المدعي طبيعياً او يلزم ان يرد المنكر اليمين عليه؟
فيه خلاف اقول الاقرب ان المدعي اذا ترك الدعوى حينئذ فلا يلزم رد الحلف وسقطت الدعوى طبيعياً
واذا لا زال يدعي فعليه ان يحلف فالقضية بيد المدعي وليس بيد المنكر.

واقول هنا ايضاً ان القسامة خمسين يميناً يتوجه على المدعين اولاً بخلاف سائر الحقوق فان حلفوا ثبتت الدية على المدعى عليهم واذا لم يحلفوا او لم يكملوا خمسين فاما ان يترك المدعون الدعوى وأما ان يتوجه اليمين على المنكرين فالمسألة بيد المدعين.


(1)ب10 ح5 دعوى القتل.

(2)الوسائل ب9 ح1 موجبات الضمان.