فصل في تزاحم موجبات الضمان

[حكم -326] التزاحم والنقاش في التقديم والتأخير إنما هو بين السبب والمباشر:
الأول- التزاحم بين السبب والمباشر والاصل هو تقديم المباشر في الضمان ولكن يلزم مراجعة كيفية الحدث فمرة يقدم المباشر واخرى يقدم السبب
مثل من حفر حفيرة ضيقة يموت من سقط فيها وغطاها وامر من يجر غريمه بتلك الارض فسقط فيها فمات
فالسبب اقوى وبالعكس ان شخصاً حفر بالوعة أو حفيرة لمقاصده فيعلم شخص بالحفيرة ويأتي ويلقي شخصاً فيها فالمباشر أقوى وهو الضامن.
الثاني: اجتماع السببين.
[حكم -327] لو وضع حجراً في الطريق وحفر آخر حفيرة بجنبها فجاء شخص فعثر بالحجر ثم سقط في البئر، قالوا بان الضمان على واضع الحجر لانه السابق في الوصول للموت ولا يخلوا من اشكال.
اذ العثرة بالحجر غير مميتة فيمكن ان يكون البئر مستقلاً بالقتل والعثرة مجرد مقدمة.
ويمكن ان يكون الوقوع بالبئر غير مميتة فيكون السقوط بالعثار مع السقوط بالبئر كلاهما حتى وقع الموت.
واحتمال استقلال وضع الحجر بالاهلاك لا يصدق لان السقوط بالبئر يقينا اكثر خطورة وتأثيراً.
بل لو لم يوضع الحجر فان حفرا البئر وعدم تغطيته بغطاء قوي ومحكم وحده كاف في موت الواقع فيه ومصدق لضمان صاحبه نعم ان وضع الحجر عامل مساعد للسقوط والهلاك.
[حكم -328] قد يكون للقتل أو التلف سببان كواضع الحجر وحافر البئر وقد يكون مباشران كما اذا قتلا معا
وقد يكون مباشر والسبب كناصب المقصلة ورافع المشنوف فوق الكرسي وساحب الكرسي من تحته
والمباشر مع السبب قد يكون السبب اقوى
وقد يكونت المباشر اقوى كمثال المشنفة.
وقد يتساويان
ولا اشكال في اشتراك السببين المتساويين اشتراك المباشرين في الضمان والمباشران سواء كانا تساويا او كان احدهما اكثر تأثيراً فانهما يتقاسمان بالضمان
نعم ان عطله أحدهما وقتله الآخر فالضامن هو القاتل اما القصاص أو الدية.
والحابس او الجارح غير القاتل عليه قصاص الجرح وللحابس الحبس.
[حكم -329] المباشر والسبب، سواء كان المباشر اقوى او تساويا فان المباشر هو المقتص منه ويضمن الدية كما اذا اخذه وقيده وقتله فان القاتل يقتل والآخر يسجن.
ومثلوا لذلك للحافر والدافع وواضع الحجر والدافع عليه
والممسك المقيد والذابح وواضع الثقل في كفة المنجنيق ورامي الضحية في الكفة الاخرى وراميه به ومعلق الشخص بالمشنقة ورافع الكرسي من تحته ومقعد الضحية في الكرسي وضاغط زر الكهرباء وناقل الضحية للمحبس وغالق الباب عليه فان الذابح والرامي ورافع الكرسي وضاغط الكهرباء والفالق المميت جوعا وعطشاً له هم الضامنون اما بالقصاص أو الدية والاخر يحبس ويعزر
[حكم -330] اذا اجتمع السببان يمكن ان أحدهما متعد والآخر غير متعد ويمكن ان يكونا كلاهما متعد.
ويمكن ان يكونا غير متعد وهذا التقسيم جعله بعض هو المناط في الضمان وعدمه.
وفي الاول ان المتعدي هو الضامن المقتص منه أو باذل الدية كما اذا وضع حجراً في طريق الضحية عدوانا وقصداً لعثرته وحفر آخر بئراً في جنبه في ملكه للاستفادة منه فان واضع الحجر هو الضامن.
وفي العكس من وضع حجراً في ملكه للجلوس عليه عند الوضوء مثلاُ.
وحفر الآخر حفرة في جنبه بنية الاذى والعدوان فان الحافر هو الضامن.
ورد بعدم صحة المناط اذ نية العدوان وعدمه لا تصحح وضع الحجر او الحفرة في ملكه أو في غير ملكه
اذ يمكن ان يحفر حفرة في ملكه وهو يعلم ان اطفال الجيران يأتون ويلعبون بقربها وقد يسقطون فيها فهذا لا يبرر الحفر بحجة انه في ملكه أو بغير نية العدوان بل الضمان ينسب لعلمه بامكان وقوع الاطفال وكما اذا غصب داراً وحفر فيه بئراً وهو ضروري للدار فاذا سقط فيها انسان لا يعتبر الحافر قاتلاً بمجرد كان غاصباً للدار مع انه محسن.
وخص الضمان على واضع الحجر بلا دليل.
واستظهر في الفقه اشتراكهما بالضمان مطلقاً وان كليهما سبب (1) وهو الاقرب
[حكم -331] في الثاني وهو ان كليهما متعد قالوا ان الضمان على واضع الحجر والظاهر انهما مشتركان حيث انه لو عثر بدون سقوط بالحفرة لم يمت ولو سقط بدون عثرة لم يمت.
وفي الفرض الثالث وهو ان كليهما غير متعد كما اذا وضع احدهما حجراً لحاجة اليه في ملك مباح وحفر الآخر بئراً لضرورة إليه في مباح
فعثر شخص وسقط في البئر.
فهذا يتبع النسبة العرفية وواقع من قضى عليه فان كان السقوط في الحفرة موجبا لاخماد نفسه موته فالضمان على الحافر وان كان السقوط بالحجر تأثره بزهاق الروح فواضعه ضامن وان كان كلاهما فعليهما وان كان اجله حينئذ ولم ينسب الموت لهما فلا شيء عليهما مثل اذا كان بستان في طريق الزوار مع ذلك حفر صاحبه بئراً وهو يعلم ان المارين ليلا والعميان والغافلين قد يقعون فيه فهو ضامن لهذه الحوادث وكان عليه ان يغلقه غلقاً محكما حتى لا يسبب الحوادث
[حكم -332] اختلف الفقهاء فيما اذا اشترك اكثر من واحد في الاهلاك
كما اذا كان الشخص في غرفة فشعل احد الموجودين في الغرفة مدخنة وجاء الآخر فزاد فيها الخطب فزاد الغاز والدخان فمات الساكن فيها
أو أدخل شخص في الضحية سكينا فجرحه وجاء الآخر فضغط على السكين وادخلها الى المقتل
او دخل مريض الى غرفة باردة فضغط شخص زر الحرارة وجاء الاخر وشغط بالحرارة الاعلى فاختنق المريض ومات
وفي كلها اني اقرب الضمان على الثاني وقال بعضهم بالاول وقال آخر بالتشريك.
[حكم -333] تغيير الطبيعة لا يضمنها أحد
كما لو أحسن شخص فحفر بئراً في مكان آمن فأمطرت السماء مطراً غزيراً فأصبحت الارض مزلقة او صار الجو ضبابا ومطرت برداً فانزلق الناس الى البئر
أو وضع حجراً للفائدة فحركه السيل أو الرياح الى مكان مهلك او وضع سلكا كهربائيا عاليا عن الناس فقطعته الرياح وصعق به الناس.
ففي كلها الظاهر عدم الضمان على أحد العاملين.
[حكم -334] اذا اكل الانسان فاكهة كالموز وما شابه فلا يلقي القشور وسط الطريق واذا القاه فيما يحتمل فيه الحوادث ووقعت الحوادث فهو ضامن لما يحدث مثل ما يسقط به المشاة ويصيبهم الكسور والجروح وربما الموت.
وكذا اذا عثر بحجر فانتقل الحجر الى وسط الطريق وسبب السقوط للمارين فان العاثر الناقل الاول هو الضامن لما حدث بالناس حسب الظاهر.
[حكم -335] اذا لعب الاطفال فوضعوا حواجز في الطريق فعثر بها بعض الناس فالضمان على الاطفال تؤخذ من عاقلتهم.
[حكم -336] لو قال له أحد ركاب السفينة ألقِ متاعك بالبحر لاضطراب السفينة من الثقل.
فان القاه مختاراً وبدون ان يأخذ الضمان ولا ضغط فلا ضمان له بشيء وان اجبره على الالقاء ضمن له المتاع الذي اجبره وان تخالفا فالأحوط المصالحة لان الآمر يدعي بوجوب الالقاء عليه شرعاً لنجاته ونجاة الآخرين وبأي حجة ان أمرته بالإلقاء ان اضمنه له؟
والجواب ان الآخرين ايضا مسؤولون عن نجاتهم فاللازم ان تقسم الخسارة بالإلقاء على الجميع وهذا الكلام له وجه.
وهذا اذا كان الشخص محاسباً ولم يتنازل بدون تعويض
[حكم -337] لو اضطر الى تخريب متاع فاذا اذن صاحب المتاع سقط الضمان والا فهو ضامن وان كان محسناً.
ولو قال احرق متاعك أو ثوبك او اجرح نفسك وعلي ضمانه، لو كان في ذلك مصلحة للمأمور فلا ضمان على الآمر وإذا ضمن فهو احسان منه.
وان كان مصلحة للآمر والمأمور فيلزم ان يقسم الغرامة عليهما
واذا كان في مصلحة مجموعة من الناس فعليهم تحمل المصاريف ويقسم الضمان على الكل.
[حكم -338] روى في صحيح محمد بن قيس عن ابي جعفر(ع) قال: (قضى أمير المؤمنين(ع) في اربعة اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك الثاني بالثالث واستمسك الثالث بالرابع حتى اسقط بعضهم بعضا على الأسد فقلتهم الأسد فقضى بالاول فريسة الاسد وغرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة)(2)
وهذه الصحيحة على القاعدة فان الاول هو الذي وقع لا بضغط أحد قلا يضمن أحد له ديته وهو قد سحب الثاني وهو واحد من ثلاثة فله ثلث والثاني سحب الثالث وهو واحد من ثلاثة وهو أحدهم فعليه الثلثان والثالث عليه للرابع كل الدية لأنه سحب ولم يسحب غيره فله كل الدية
[حكم -339] حدث حدث مفجع مثيل ما رويناه آنفاً
انه وقع شخص في بئر الكنيف فجاء ثاني واتى بحبل ليسحب الساقط السابق فزلق فسقط الثاني وجاء الثالث ونفس المسألة حدث بالثالث.
فنقول اما الاول فلم يضمن له أحد شيئاً، والثاني ان سقط لانزلاقه هو فليس له دية وان سقط بقوة سحب الاول فعلى الاول نصف الدية أنه واحد من اثنين، والثالث ايضا ان هو انزلق فلا دية له وان انسحب بقوة سحب الثاني فعلى الثاني له نصف الدية
وكيف كان فقد ذهب من الثاني مقدار جنايته وهو ايقاع الثالث فله النصف وللثالث الدية كاملة لأنهم قد سحبوه ولم يسحب أحداً.
كما القاعدة التي جاءت بها الرواية الآنفة الذكر.
[حكم -340] لو رأى شخص آخر في حال الخطر من جوع أو عطش أو مرض أو من حاجة أو تعب، أو طلب منه حاجته فلم يبذل له وهو قادر، فهو آثم شديد الاثم وربما يخلد بالنار
وقال بعض الفقهاء بعدم ضمان ما يقع عليه بسبب ذلك
وروي عن المسيح(ع) ان (تارك مداواة الجريح هو وجارحه على حدٍ سواء)
وعن أمير المؤمنين(ع) انه (قضى في رجل استسقى قوما فلم يسقوه وتركوه حتى مات عطشا بينهم وهم يجدون الماء فضمنهم ديته)(3)
وعليه فاذا لم يحدث به حدث فإنما هي حاجة وانتهت وانما اذا حدت به تلف او موت فالاحوط لهم ان يبذلوا ديته وهم آثمون ملعونون.
وان لم يحدث به حدث فهم آثمون ولا ضمان عليهم.
[حكم -341] لو عض رجل يد رجل فسحب المعضوض يده فسقطت بعض اسنان العاض فلا دية للأسنان اذا كان ظالماً.
[حكم -342] فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): في رجل عض يد رجل فانتزعها من فيه فسقطت ثنايا العاض فطلها)(4)، طل فعل ماض أي أهدر
[حكم -343] لو أحدث جناية بنفسه فلا دية له ولو أحدث جناية بغيره مات الفاعل فلا دية له وانما عليه دية جنايته بالآخر وكل ما يصيب شخص في بدن أحد نقيصة أو مرضا وأوجاعا أو تلفاً فعليه الدية وكل ما فعل ببدن أحد زيادة حسنة من جمال وحسن وصحه وذهاب اوجاع وذهاب شين فليس عليه شيء وان كان فعل به ذلك بقصد الاذى والعدوان بل له الاجرة ان طلبها.


(1)موسوعة الفقه للسيد الشيرازي (رحمه الله) كتاب الديات 188.

(2)الوسائل ب4 ح2 موجبات الضمان.

(3)المستدرك

(4)عن النهاية لابن الاثير 3/163.