قاضي التحكيم والمصلح الاجتماعي

حكم- لا بد من وجود قاضي التحكيم في كل مجتمع اسلامي اذ كثير من المجتمع يظلمون بعضهم وتقع قضايا كثيرة بينهم ويتعاجزون من مراجعة المحاكم وتعطيل انفسهم على القضاة الرسميين او غير الرسميين او انهم لا يؤمنون بكثير من القضاة انهم سوف يعاملونهم بلطف وانهم سوف يعطونهم الحلول الشرعية الثابته بل كثيراً ما يحيفون ويجورون على المحق لصالح المبطل فلا بد والحال هذه ان يتواجد فضلاء من الرجال او النساء يتصدون للحلول الشرعية للمظالم والدعاوى بين الناس كمثل ما فرض القران الكريم للزوجين المتنازعين المنشقين عن بعضهما قال تعالى[وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا35](1), وهذا صريح في فرض قاضي التحكيم فكيف ينكر بعض الفقهاء لزوم قاضي التحكيم وكيف يفرض اخرون ان يكون مجتهداً وان شروطه كشروط القاضي؟! بينما الاية ظاهرة بعدم الاشتراط.
حكم- قاضي التحكيم يجب ان يكون مؤمنا عارفا بالاحكام الشرعية اجتهاداً او تقليداً حتى يطبق الشرع على المتقاضيين, ولا مانع ان يكون اعمى او أميا لا يقرأ ولا يكتب وانما يحفظ الاحكام من مجالسة العلماء أو تكون امرأة او يكون غير بالغ اي انه صبي قد تجاوز

العشر سنين اذا كان رشيداً مجرداً ان يكون مدافعاً عن الحق جيد الفهم وجيد التعبير يعي ما يقول ويحسن التطبيق على الاحكام الشرعية.
حكم- يجب على مجموعة من المؤمنين ان يؤلفوا هيئات من الرجال والنساء للاصلاح بين العوائل ورفع المظالم بينها, قال الله تعالى [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ104](2), [فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ1](3), [لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ8](4).
حكم- روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من حكم بين اثنين تراضيابه فلم يعدل فعليه لعنة الله) ذكره في المسالك دليلا على صحة قضاء قاضي التحكيم وقد منع السيد في الفقه اجازة قاضي التحكيم بالمرة فانه رح بعد ذكره الروايات (فارجعوا بها رواة احاديثنا.... ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا) قال: فان هذه العناوين لا تصدق الاعلى الفقيه فهو المنصوب من قبلهم الذي امر الناس بالرجوع اليه فالرجوع الى غيره كالمقلد خلاف امرهم (ع) اذا لم يكن بامر المنصوب من قبلهم وهذا اقوى وعلى هذا فلا الادلة العامة شاملة لقاضي التحكيم اذا كان مقلداً ولا هناك دليل خاص لقاضي التحكيم يشمل العامي المقلد ثم ذكر دليل المسالك وقال: لا دلالة فيه على اطلاق قاضي التحكيم بحيث يشمل المقلد...)(5), وفيه ان بعث الحكم في شقاق الزوجين دلالة صريحة على قاضي التحكيم واحاديث نظر في حلالنا هي اعم من النظر با جتهاد فان المقلد ينظر ايضاً بالواسطة
حكم- يجب ان يكون مصدر الاحكام في القضاء هو طريق اهل البيت (ع) فمن القران ما يفسره اهل البيت (ع) ومن الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيته الكرام عليهم الصلاة والسلام ومن طرق الثقاة عندهم (ع) لامن الكذابين عليهم ولا يصح القضاء بالقياس ولا بالمصالح المرسلة ولا برالذرائع ولا بحديث ورد عن صحاح السنة ولم يرد عن اهل البيت مثله فان كل ما خرج من غير اهل البيت (ع) فهو باطل وكذب وافتراء واثام هذا سواء كان القاضي مجتهداً او مقلداً فلا يجوز ان يقلد في قضائه غير علماء وفقهاء الشيعة الاثني عشرية سواء كان قاضي عام او قاضي التحكيم.
حكم- اذا اختلف المتقاضيان فاختار كل منهما قاضياً وكان المختاران كلاهما قاضيين شرعيين جامعاً للشرائط تخيرا, واما لو كان احد القاضيين غير جامع الشرئط فلا يجوز تقديمه على الاخر والاحوط اختيار الاورع ثم الاعلم والاكثر احتياطا في الدين وسيأتي اداب القاضي والاصلح مقاضاة.
حكم- لو ادعى احد الرعايا دعوى على قاضيٍ فرفعها الى قاضيٍ آخر وجب استجابته فيحضره وينظر في قضيته, كما اذا ادعى احد على الملك او رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او اي وزير وجب استجابته وحرم اهماله, كما ورد عن امير المؤمنين (ع) اذ قبل دعوى امرأة على وال فعزله بشكواها فان العدل يقتضي محاسبة كل مقصر في حق الناس وعلو وظيفته لا الحق من ذمته ولا تبدل سيئاته حسنات
حكم- لو كان شخص شكاية على قاضي تخير الشاكي بين قبول قضاوة نفس القاضي على نفسه اوشكايته الى قاضي آخر واذا تقاضاه الى نفسه فلم يقبل الشاكي جاز نقض القضاء الى قاض آخر هذا اذا اعتقد عدالة القاضي المشتكى عليه والا فمن الاول يلزم ان لا يحكم نفسه بنفسه.
حكم- يجوز للحاكم تنفيذ قضية ثبتت عند حاكم آخر اذا كان ثبوتها بالموازين الشرعية واما اذا كان القاضي الثاني شك بالميزان الشرعي وهو يعلم بحجية قضاء الاول وصحة اجتهاده جاز ايضاً تنفيذ فتوى الاول اما اذا اختلف معه بالفتوى واطمأن بخلافه فلا يجوز تنفيذ قضاء الاول, ومن هذا القبيل قلنا في كتاب الاجتهاد والتقليد بجواز عمل مجتهد مطابقا لفتوى آخر اذا كان شاكاً بالرأي ولم يبث بفتوى شرعية ويمكن ان ينزل الى الدرجة المقلد لغيره اذا اشتد شكه.
حكم- يجوز للقاضي ان يقضي بعلمه في حقوق الناس بل يجب ذلك لرفع المظالم بين العباد ولا يجوز في حقوق الله تعالى الا بالبينات والحلف مثلاً اذا علم ان فلانا نكح غير زوجته ولا بينة في البين وجب عليه عزلهما واذا علم انه استعمل غير ماله وجب اخذه منه وتسليمه صاحبه واذا علم ان فلانا سارق وجب اخذ المال من السارق وتسليمه للمسروق منه ولايجوز للقاضي العالم بالقضية ان يقطع يد السارق الا بالبينات والحلف لان القطع حد لله تعالى فلا يجوز له ان يحكم به بعلمه وتسليم المال لصاحبه حكم للناس فيجب العمل بعلمه وروى سلمة بن سهيل قال سمعت عليا (ع) يقول لشريح: انظر الى اهل المعك والمطل ودفع حقوق الناس من اهل المقدرة واليسار ممن يدلي باموال الناس الى الحكم فخذ للناس بحقوقهم منهم وبع فيها العقاروا لديار(6).
حكم- اذا عمل القاضي المسمى احمد بعلمه في حقوق الناس بحق المعتدي زيد فا شتكاه زيد الى قاضي آخر, فتكليف القاضي الثاني له ان يكلف احمد بالا ثبات بالبينات والقسم والا فيرده ويردعه ويبطل قضاءه كما روى من هذا القبيل عن ابي عبد الله (ع) قال في كتاب علي (ع) ان نبياً من الانبياء شكا الى ربه القضاء فقال كيف اقضى بما لم تر عيني ولم تسمع اذني؟ فقال اقضى عليهم بالبينات واخفهم الى اسمي يحلفون به وقال ان داود (ع) قال يارب ارني الحق كما هو عندك حتى اقض به فقال انك لاتطيق ذلك فالح على ربه حتى فعل فجاءه رجل يستعدي على رجل فقال ان هذا اخذ مالي فاوصى الله الى داود ان هذا المعتدي قتل ابا هذا واخذ ماله فأمر داود بالمتعدي فقتل واخذ ماله فدفع الى المستعدى عليه قال فعجب الناس وتحدثوا حتى بلغ داود (ع) ودخل عليه من ذلك ماكره فدعا ربه ان يرفع ذلك ففعل ثم اوحى الله إليه ان احكم بينهم بالبينات واخفهم الى اسمي يحلفون به)(7).
حكم- اذا ترافع المتقاضيان الى قاضي في قضية كانا قد تقاضيا عنده سابقاً فلا بد ان يعيد النظر وادلتها تماما اذا كان قد نسي بعض ذلك ولا يعتد برأيه السابق هذا اذا لم تتجدد في القضية ادلة اخرى وامور زادت على الماضي والا وجب تجديد التحقيق وكذلك في كل احتمال بتجديد علامات وادلة اخرى لتغير الحكم (فان الامر يحدث بعده الامر) كما يقول الشاعر.
حكم- اذا كانت القضية تامة شروط الثبوت من شهود وقسم والشهود عدول ظاهراً ولكن القاضي علم بعدم الصدق واقعاً فلا يجوز له ان يحكم بهذا الظاهر ومثل هذا ورد عن عاصم السلولي: ان غلاما ادعى على امرأة انها أمه فانكرت فقل عمر علي بام الغلام فاتي بها مع اربع اخوة واربعين قسامة يشهد انها لاتعرف الصبي ةان هذا الغلام غلام مدع غشوم ظلوم يريد ان يفضحها في عشيرتها وان هذه جارية من قريش لم تتزوج قط وانها بخاتم ربها.. الى ان قال فقال علي (ع) لعمر اتأذن لي ان اقضي بينهم؟ فقال عمر سبحان الله كيف لا وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول اعلمكم علي بن ابي طالب؟ ثم قال للمرأة الك شهود؟ قالت نعم فتقدم الاربعون قسامة فشهدوا بالشهادة الاولى فقال علي (ع) لا قضين اليوم بينكم بقضية هي مرضاة الرب من فوق عرشه علمنيها حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال لها الك ولي فقالت نعم هؤلاء اخواتي فقال لاخوتها امري فيكم وفي اختكم جائز؟ قالوا نعم قال اشهد الله واشهد من حضر من المسلمين اني قد زوجت هذه الجارية من هذا الغلام با ربعماءة درهم والنقد من مالي يا قنبر علي با لدراهم فاتاه قنبر بها فصبها في يد الغلام فقال خذها فصبها في حجر امرأتك ولا تأتني الا بك اثر العرس يعني الغسل فقام الغلام فصب الدراهم في حجر المرأة ثم تلببها فقال لها قومي فنادت المرأة النار النار يا ابن عم محمد تريد ان تزوجني من ولدي هذا والله ولدي زوجني اخوتي هجينا فولدت منه هذا فلما ترعرع وشب امروني ان انتفي منه واطرده وهذا والله ولدي)(8).
حكم- لو كان للقاضي حالتان حالة جمع الشرئط من العدالة والعلم والحفظ وحالة قد فسق او نسي أو جن ومعلوم ان الشرط لازم في الابتداء والاستدامة نعم اذا اكمل سماع الدعوى وقضا وانتهى القضاء ثم فسق اونسي وجهل فالقضية شرعيه, واما اذا صدر من غير جامع الشروط فهذا القضاء باطل وغير ملزم للمتقاضيين
حكم- المجتهد المقلد وامام الجماعة في الصلاة ومدرس الدين والقاضي بين الناس ومؤلف الكتب الدينية والشاعر ومن اشبه بهذا الوظائف والرتب لا يحتاجون الى شهادة من مرجع ديني ولا من حكومة ولا اجازة لممارسة ذلك, اذ هي خدمات انسانية واسلامية وهي من الاعمال الحسبية كما مر توضيحها في الاقتصاد الاسلامي الاول الاقتصاد العبادي كا لخمس والزكاة والثاني الامور الحسبية فمن تصدى لشيء من ذلك فان كان هو اهلا لذلك فبها ونعمت والاردعه المجتمع ولم يتقاضوا إليه وربما يجب على العلماء والمسؤلين ردعه وايقاف ممارسته لانه يفسد المجتمع, كما لا يجوز له ان يتدخل في ادارة خاصة شكلها اهل هيئة معينة فيقضي لهم او يفتي لهم او يدرس في مدرستهم مالم يأذنوا له ويطلبوه وانه وان كان عملا مبروراً مثابا الا ان الناس مسلطون على املاكهم واموالهم وانفسهم.
حكم- اذا عينت الحكومة او العلماء قاضياً او مدرسا او اماما او شاعراً فلا يجب على الناس مراجعته بل هم مخيرون في مراجعة من شاؤا واذا عنيت الحوزة العلمية مرجعاً دينيا فلا يجب على الناس تعيينه والناس مخيرون في تقليد من شاؤا ممن له الاهلية اذ الحديث الشريف (فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظاً لدينه مخالفا لهواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه وذلك لا يكون الا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم..)(9), ولم يقل على العوام ان يقلدوه وانما خيرهم بينه وبين غيره من الافراد الذين فيهم هذه الصفاة أيضاً
حكم- قلنا في باب الاجتهاد و التقليد وفي كتاب الوكالة بان الفقيه لو عين وكلاء ائمة للناس او قضاة او مدراء لمركز اسلامي فلا ينعزل بموت المرجع الذي عينه لان وكالة هذا الوكيل ليست من قبيل الوكالة التجارية وانما هي وكالة فخرية لبيان الاهلية والرتبة في خدمة الاسلام والمسلمين نعم ان وكلاء الامام الاصل لا تثبت وكالتهم ولا ايمانهم شرعاً اذا مات موكلهم الا ان يراجعوا ويثبتوا رتبتهم عند خليفته والا يكونوا قد ارتدوا وخرجوا عن التشيع والمرجع الموكل ليس بمنزلة الامام (ع) وتوكيله.


(1) سورة النساء 4/35.

(2) سورة آل عمران 3/104.

(3) سورة الانفال 8/1.

(4) سورة الانفال 8/8.

(5) فقه السيد الشيرازي(رح) 1/35 كتاب القضاء.

(6) الوسائل ب1 ح1 آداب القاضي.

(7) الوسائل ب1 ح2 كيفية الحكم.

(8) الوسائل ب21 ح2 كيفية الحكم.

(9) الوسائل ب10 ح20 صفات القاضي.