فصل الاطعمة والاشربة - وهو الثاني عشر من الاقتصاد العملي

حكم- ان الغاية القصوى في نزاع اهل الدنيا واسباب القتل والضرب والطرد والاعتقال والتجاسر والظلم والتحاسد والتباغض وهو شهوة الاكل وشهوة النكاح والانتقال من ذلك الى الكفر والنفاق وجحود الحق وظلم اهله وابعاد الانبياء والاولياء (ع) عن تعليم الناس, روى هشام بن الحكم قال لابي عبد الله (ع) (اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟
قال السجود لا يجوز الا على الارض او على ما انبتت الارض الا ما اكل او لبس فقال له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لان السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون على ما يؤكل ويلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته على معبود ابناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها)(1), ولذا ترى امير المؤمنين (ع) قد هون امر الاكل والشرب حتى لا يفتتن الناس عن الاهتمام بعبادتهم الى عبادة ملذاتهم, فقال (من كان همه بطنه فقيمته ما يخرج منها), وقال: (أأقنع من نفسي ان يقال لي امير المؤمنين (ع) و ابيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى), وقال (ع) : (وحسبك داءً ان تبيت بطنة وحولك اكباد تحن الى القد) والقد (الجلود المتيبسة).
حكم- الطعام ليس الاكل ولذلك لم يقل في الصوم انه يبطل بالطعام وانما قال يبطل بالاكل والشرب, لان الاكل هو مجموع مضغ الطعام ثم بلعه, واما الطعم فيصدق ذوق برأس اللسان ومعرفة طعمه من انه مالح او حلو او تفه او ماسخ او مج او مر, واما في هذا الباب فيقصد به كلا الحالتين طعم الاكلات واحكامها واكل الاكلات واحكام الاكل وذلك من باب ملازمة الاكل بعد معرفة طعمه غالباً.
حكم- ذكر في القرآن الكريم (47) آية في الطعام منها في تحليل الطعام على المؤمنين (ع) [لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ...93], المحرمات من الطعام, [وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ](2), وقال تعالى: [قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ...145](3), وسيأتي ما في الاية من محرمات ومنها الدم المسفوح اي الدم من حيوان له نفس سائلة والسائل منه وليس كل دم.
حكم- الناس في اللباس والطعام على ثلاث طبقات:

 

أ - المتأنقون المتبطرون فلا يلبس ولا يأكل الا بقوانين وضوابط من عنده ولم يرتبط بحكم شرعي ولا بعرف المؤمنين فيحلل لنفسه بقانونه ويحرم عليه ما شاء ويدقق ويحقق في ذلك فشغله الشاغل في الحياة طعامه وشرابه الى حد الافراط.

ب - المبعثرون النوكى يأكلون كل شيء ويشربون كل شيء فلا يحده تحريم شرعي ولا تقزز عرفي, فتراه يأكل السلابيح ويقظم الحية ويشوي لحم الكلب ويشرب بول الفيل ويتبرك برجيع البقرة ويشرب دماء وامعاء الحية كما رأيت في مطاعم بلاد الصين من التلفزة وهذا الى حد التفريط.

ج - الشخص المستقيم فانه يحرم ما حرم الله ويتقزز ما تقزز منه العقلاء ولا يستكبر على رزق الله من الطعام والشراب فيتقبل ابسط الاكلات ويشكر الله كما رأينا من تاريخ احوال امير المؤمنين (ع) انه يكسر الخبز اليابس بركبته ويأكله حتى يشبع ودون ان يشبع وكذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , وفي المقولة (انهما لم يأكلا خبز الحنطة ولم يشبعا من خبر الشعير) وهذا في الغالب والا فقد صادف اكلهما خبز الحنطة, والمهم ان المؤمن اكله باستقامة ووسطية ولا افراط ولا تفريط.

 

حكم- الخبيث والطيب يختلفان باختلاف الزمان والمكان والاعراف فعند قوم خبيث عند آخرين انه طيب وكلاهما من العقلاء المستقيمين, نعم هناك طيب عند كل العقلاء وفي كل الاحوال كالخبز واكثر الحبوب والخضروات والفواكه, ومنها خبيث عند كل العقلاء وفي كل الاحوال كالسموم والبول ورجيع الانسان والحيوان والجيف والعفونات, وتجرؤ بعض الحمقى بارتكاب اكلها او شربها ليس معناه انه يحلله ويستطيبه بل هو اعم.
حكم- ليس كل ما استطابه العقلاء هو طيب في الشرع ولا كل ما استخبثه الناس هو خبيث شرعاً فمثل الجري من الاسماك يأكله بعض المسلمين ولم يروا فرقاً بينه وبين الاسماك ذات الافلاس بينما هو حرام في الشرع, وكذلك لحم الارنب وكذلك لحم الافعى يستطيبه كثير من الشعوب وكذلك السلحفاة يشوونها ويقرطونها قرطاً بكل شهية وذلك كله حرام شرعاً.

وكثير مما يتقزز منه الناس يحل شرعاً, فمثل المخ في الرأس ومثل شحم العيون ومثل اللحم في اجواف العظام كلها حلال ولكن كثير من الناس يتقززون منها, نعم غير النخاع الذي في فقرات الظهر فانه حرام.


(1) الوسائل ب1 ح1 ما يسجد عليه.

(2) سورة المائدة 5/93.

(3) سورة الانعام 6/145.