علم المعاني: العلم الأول في البلاغة هو المعاني

وهو العلم الذي يبين اختلاف أحوال المخاطبين والظروف القائمة حين الخطاب حتى إذا عرف هذه الأحوال القى الكلام بحسب تلك الظروف والأحوال وقد أخلى الكلمة والكلام من العيوب فيكون كلامه بليغا قال بعض العلماء: أن المعاني المتصورة في عقول الناس المتصلة بخواطرهم خفية بعيدة لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه ولا مراد شريكه ولا المعاون على أمره إلا بالتعابير التي ترتبها من الفهم وتجعل الخفي منها ظاهراً مطلقاً والمجهول معروفا والوحشي مألوفا وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة يكون ظهور المعنى والعاقل يكسو المعاني في قلبه ثم يبديها مثل عرائس في أحسن زينة فينال المجد والفخار ويلخص بعين العظمة والاعتبار.
والجاهل يستعجل في إظهار المعاني قبل العناية بتزيين معارضها واستكمال محاسنها فيكون بالذم موصوفاً وبالنقض معروفا ويسقط من أعين السامعين ولا يسلك في سلك العارفين(1).
أقول: قد تعارف في علم الأصول الفقهية كما في علم المعاني أن تحمل الكلام على ظاهر معناه الحقيقي ولا تأخذك الوساوس فتحمله على المجاز إلا بقرينة ولا بد وقبل أن تدخل في هذا العلم أن تعرف الحقيقة والمجاز والحقيقة إما أصيلة كالحيوان للحيوان المفترس المعروف منقلبة عن المجازية مثل الصلاة حقيقتها الذكر والدعاء، كما يفهمها المسيحيون لكنها في أحكام الإسلام تبدلت إلى هذه الأفعال من القراءة والذكر والحركات وسميت حقيقة شرعية.
ومن بعض الكلام ما يسمى مرتجلاً يعني كلام لا معنى له ارتجل له معنى وتعارف في لسان العرب استعماله في تلك المعنى مثل دلالي بمعنى القلب في لسان عوام جنون العراق ومن الكلام ما هو مبهم ومهمل بحيث يبقى لا معنى له ويعتبر قائله هاذراً كهذر الأطفال والمجانين، واعلم أن كل علم قاله العلماء من مختلف اللغات وقبل أن يخوض أما قيه(2) ويغور في أماسيه(3).
يهتم ويعني بمقدمات مهمة وهي اسمه وتعريفه وموضوعه وواضعه وفائدته فقد عرف علم المعاني بأنه: أصول وقواعد يعرف بها أحوال الكلام العربي (4) حتى يتكلم المتكلم بحسب مقتضى الحال.
مثل إن ذكاء المستمع يقتضي إيجاز الكلام معه وحزنه يقتضي التكرار في تسليته وغروره يقتضي التكرار في تحذيره وخوفه يقتضي تطمينه وغباؤه وعدم التفاته يقتضي التطويل في تعريف واستعمال مختلف الأساليب في تفهيمه والفات نظره.
2 - وموضوع علم المعاني: اللفظ العربي من حيث أفادة معانيه الثانوية التي هي الأغراض المقصودة للمتكلم بحيث يشتمل على لطائف وخصوصيات تخرجه بثوب قشيب ومسموع رطيب والمعاني الأولية هي أصل المعنى اللغوي على حقيقته ومجازه.
3 - وفائدته: معرفة إعجاز آيات القرآن الكريم واسرار الحديث الشريف ونفائس الكلام العربي من الحديث والشعر وما فيها من حسن الوصف وبراعة التأليف ولطف الإيجاز وضروري التكرار وسهولةالتركيب وسلامة المادة من عيب الكلمة والكلام وعلى رأسها القرآن العظيم فقد حيرت محاسنه افذاذ الفصحاء وأقعدت تراكيبه أحلام البلغاء وأعجز أسلوبه أعلام الأعاريب
ومن بعده الحديث الشريف للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين(ع).
وعلى رأسها نهج البلاغة فإني رأيته فائقاً في أسلوبه على كلام المخلوقين من بعد كلام الخالق شديداً في لائمته حصيفا في سرده فريدا في تمثيله عظيما في تبليغه يزهد القارئ في دنياه ويربط السامع في آخراه مبعدا التابع عن شيطانه مسفه السفه وساخر المسخر ومقوي القلوب على التقوى ورابط الأرواح للمولى وحاجز النفوس على الورع وقد رأيت المسلمين كيف اختلفوا وتفرقوا أيادي سبا يوم فارقوا تعاليم النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته الكرام عليهم الصلاة والسلام وتمسكوا بحبال الظالمين من الخلفاء الجائرين واتباعهم الجاهلين والتعبير عن المعاني في اصطلاح علم البيان: هو التعبير باللفظ عما يتصوره الذهن وهو الصورة الذهنية من حيث يقصدها المتكلم.
4 - وواضعه: سيد الأوصياء علي أمير المؤمنين ع.
فهو المعلم الأول والأول بالفصاحة والبلاغة للأمة الإسلامية ووضع قواعده الخليل ابن أحمد الفراهيدي الأزدي ت 739 م قال في المنجد عن الخليل هو سيد أهل الأدب قاطبة في علمه وهو الغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله وهو أول من استخرج العروض.
وقد علم سيبويه والأصمعي وغيرهما من أئمة العربية توفى في البصرة له كتاب العين وهو أول قاموس عربي ورثه في العلم تلميذه أبو عبيدة بن المثنى المتوفى سنة 211 هـ الذي كتب كتاب علم البيان المسمى (مجاز القرآن) وتبعهما الجاحظ في كتابه إعجاز القرآن وابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء والمبرد في الكامل ورتب العلم ووسع بحثه عبد القادر الجرجاني ت 471 هـ.
5 - استمداده: كما قلنا من الكتاب الشريف والحديث الشريف وكلام العرب واشعارهم.

وعلم المعاني: من الجمع لمعنى ومعناه مقاصد بحسب اللغة.


(1) جواهر 45 في الحاشية.

(2) أعماق وبحجه.

(3) جمع أمس أي تاريخه وماضيه.

(4) الحال هو الأمر الداعي لكلام المتكلم وبعبارة أخرى (الغرض الداعي للتكلم).