32 - الإبداع:

هو اشتمال الكلام عدة أنواع من البديع
كقول الشاعر:

فضحت الحيا والبحر جوداً فقد بكراد

 

حياً من حياء منك والتطم البحر


يقول أن الحياء قد بكى لاستحيائه منك وكذا استحيا البحر فكرمتك فارتطم وهذا منه حسن تعليل وتلوين بإخراج أكثر من معنى من لفظ الحياء
ومبالغته حتى جعل الحياء يستحي وأنه يبكي ومعلوم أن البكاء والحياء أفعال لا تنسب للصفات وإنما تنسب للفاعل والموصوف بالصفات.
ومع ما فيه من رد العجز إلى الصدر وفيه الجناس التام الحيا والحياء
وللقرآن الفضل في هذا الفرع فكل كلام الله معجز في القرآن البلاغة وجمعه للبديع ففي الآية الكريمة [وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ](1).
قيل فيها 22 نوعاً من البديع مع أنها 17 كلمة وهي:
1 - المناسبة التامة أبلعي أقلعي
2 - الاستعارة فيهما.
3 - الطباق بين الأرض والسماء.
4 - المجاز في قوله [وَيَا سَمَاءُ] يعني يا مطر.
5 - الإشارة في [وَغِيضَ الْمَاءُ] فإن فيه معاني عديدة فإن الماء لا يفيض أي لا ينشف ويغور إلا أن يقلع المطر وتبلغ الأرض المياه بواسطة العيون.
6 - الأرداف في قوله [وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ] فإن الاستواء قريب من معنى الاستقرار.
7 - التمثيل في [وَقُضِيَ الْأَمْرُ] فإنه عبارة عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين.
8 - التعليل: فإن غيض الماء وانقطاع المطر علة لاستوائها على الجبار.
9 - التقسيم: فإنه استوفى أقسام الماء في تناقصه.
10 - الاحتراس في قوله [وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] احتراساً من ظن الجاهلين الذين يظنون أن العقاب يشمل غير المستحقين.
وكذا [وَغِيضَ الْمَاءُ] وهي احتراس عن توهم انقضاء الأمر بمجرد إقلاع الماء
11- الانسجام: فإن الآية منسجمة الألفاظ متناسقة اللطافة سهلة الحفظ لينة التعبير هينة إدراك الفكر.
12 - حسن التنسيق: فإنه تعالى قص القصة عاطفاً بعضها على بعض.
13 - إئتلاف اللفظ مع المعنى لأن كل لفظة لا يصلح أو لا يحسن في محلها غيرها مما يناسب السياق العام.
14 - الإيجاز في اشتمال الكلام على فصوله: فإنه سبحانه أمر ونهى وأخبر ونادى ونعت وسمى وأهلك وأبقى وأسعد وأشقى وقص من الأنباء العجائب في ارتفاع السفينة وحطها وفصول وكيفيات ذلك كله معجز ومعجب.
15 - استيفاء كلمات العرب فقد اشتمل من الحروف: العطف والنداء والاستعلاء والإلصاق [لِلْقَوْمِ] والإضافة والجملة الأسمية والفعلية والظرفية ومن الأسماء العلم الأرض والسماء والسفينة والجودي واسم الجنس: الظالمين والقوم والماء
ومن الأسماء المفرد والجمع ومن إشارة التنقيط الفتحة والضمة والكسرة والتنوين
ومن الأفعال الماضي والمضارع والأمر ومبنى للمعلوم ومبني للمجهول.
16 - التسهيم: إذ أول الآية يدل على آخرها ويشير إليه.
17 - التهذيب: لأن مفرداتها حسنة التعبير سهلة الأداء متقاربة مخارج الحروف فصيحة الألفاظ سليمة من التنافر بعيدة عن التعقيد اللفظي والمعنوي.
18 - حسن البيان لأن السامع يعشق سماعها ويحب تعبير ولا يشكل في تفسيرها.
19 - الاعتراض في قوله [وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ].
20 - الكناية: فإنه لم يصرح بمن أغاض الماء ولا من قضى الأمر وسوى السفينة ولا بمن قال يا أرض ويا سماء) على سبيل الكناية.
21 - التعريض: فإن الله تعالى قد عرض بسرد قصة هلاك هؤلاء الظالمين لتهديد وإنذار غيرهم من المجرمين والظالمين.
22 - التمكين لأن الفاصلة قارة متمكنة في موضعها وقد عد بعضهم فيها 150 نوع من البلاغة.


(1) هود(ع) - 11/44.