الباب الأول: في المحسنات المعنوية

1 - التورية: في اللغة وريت الشيء أي سترته وأظهرت بديله والتورية في الأحكام الشرعية أن يقول شيئاً له معنى ويريد معنى ملازم له حين يخاف إظهار ما يقصد.
وهكذا يقصد في البديع أنه لفظ مفرد يتصرف إلى معنى وقصد وراء ذلك المعنى ويمكن أن السامع لم يتوجه للمعنى المخفي المقصود ويتوهم أنه يقصد المعنى القريب ولا ينتبه إلا الفطن قوي الفطنة وبنوا على ذلك قوله تعالى [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ] بقوله جرحتم أراد المعنى البعيد وهو ارتكاب الذنوب ولذلك قالوا لمن أسقط عدالة الشهود يقال أنه جرح الشهود ولذلك عبر عن التورية (إيهام وتخييل).
وكقول سراج الدين الوراق:

أصون أديم وجهي عن أناس

ورب الشعر عندهم بغيض

 

لقاء الموت عندهم الأديب

ولو وافى به لهم حبيب


الأديم: هو الأرض صور أن الوجه له أرضية وأنه يصونه عن قوم يكرهون الأدباء وأن رؤية الأديب عندهم كلقاء الموت وأصحاب الشعر يبغضونهم ويكرهون الشعر حتى لو جاء لهم به حبيب من أحبائهم وكيف كان فالتورية تنقسم إلى أربعة أقسام: مجردة ومرشحة ومبينة ومهيأة.
1 - المجردة: هي التي لم تقترن بما يلائم المعنين المعنى القريب الظاهر والمعنى المخفي كقول النبي إبراهيم(ع) لما سأله سلطان مصر عن زوجته سارة قال (هذه أختي) ولعله خاف أن قال أنها زوجته أن يأمر بقتله لأنه يريدها له فقوله أختي فقد صدق فأنها أخته بالإنسانية ومن ذرية آدم ع.
فقوله أختي لم يضع في قوله علامة على أنه قصد أخته من أبيه وأمه أو من أجداده آدم(ع) وحواء(ع) فما دون فهي تورية مجردة ومن المجردة أيضاً قول الشاعر:

 

حملنا هموا طراً على الدهم بعدما  

خلعنا عليهم بالطعان ملابساً.


معنى الدهم القريب الخيل وهو المراد والبعيد القيود من الحديد الأسود.
2 - المرشحة هي التي اقترنت بما يلائم المعنى القريب وسميت مرشحه لأن القريب غير مراد فكأنه ضعيف فإذا ذكر لازمه تقوى به نحو قوله تعالى [وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ].
فإنه يحتمل اليد العضوية هو القريب وذكر لازمه وهو البيان والبعيد هو القوة هو المراد لعدم وجود عضو لله تعالى وقوله تعالى: [حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] فإن المراد باليد هي العضو وذكر القرينة لليد العضوية وهو الإعطاء وهو المعنى القريب.
3 - والمبينة: وهي ما ذكر فيها لازم المعنى البعيد سميت بذلك لتبيين المورى بذكر اللازم للمعنى الخفي نحو قول الشاعر:

 

يا من رآني بالهموم مطوقا

أتلومني في عظم نوحي والبكا

 

وظللت من فقدي غصونا في شجون

شن المطوق أن ينوح على غصون


الشن: المثل أو الشأن فإن للمطوق بالهموم أن ينوح على فقده الغصون.
4 - المهيأة وهي التي تتهيأ القرينة قبل الفظ المورى به.
كقول الشاعر

وأظهرت فينا من سماتك سنة

 

فأظهرت ذاك الفرض من ذاك الندب.

 

فالفرض معناه القريب الوجوب والبعيد معناه العطاء والندب معناه القريب الاستحباب والبعيد معناه الرجل السريع في قضاء الحوائج.
فقد ذكر الشاعر السنة قبل لفظي التورية مما علمنا بأنه يقصد معناهما القريب.
والثاني من المهيأة ما يذكر القريبة بعد لفظ التورية كقول الإمام علي(ع) للأشعث ابن قيس أو في وصف الأشعث (أنه كان يحرك الشمال باليمين).
والذي أفهمه من الحديث لو ثبت وجوده وأنه هذا نصه أن الفاسق يحرك الشر بالتظاهر بالخير يعني منافق.