أقسام النسبة:

وحينئذ تنقسم هذه النسبة إلى أقسام الأول:
1 - إما أن تكون ذو النسبة مذكوراً فيها كقول الشاعر:

اليمن يتبع ظله  

والمجد يمشي في ركابه.


فصاحب اليمن وهي البركة وصاحب المجد مذكور وهما من لهما الظل والركاب.
2 - وإما لم يكن مذكوراً كقولك (خير الناس من ينفع الناس) كناية عن أن لا خير فيمن لا ينفع الناس، فهذا المكنى به الثاني لم يذكر وإنما المذكور وهو خير الناس يلمح أو يشير بمعاكسه إذا المقولة: من عرّف الخير فقد عرّف الشر) هذه مقولة صحيحة.
الثاني: وتنقسم باعتبار الوسائط (اللوازم) والسياق إلى تعريض وتلويح ورمز وإيماء.
1 - التعريض: لغة السير في عرض الشيء كالمار في الشارع وأصحاب المحلات يعرض عليهم بمروره ويعرضون له بدون دخول المحلات ويقال أنهما جاؤوا للاستعراض فالتعريض خلاف التصريح.
واصطلاحاً هو أن يطلق الكلام ويشار به إلى معنى آخر يفهم من السياق نحو قولك للمؤذي (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
تعريضا له بنفي الإسلام الصحيح عنه.
وكقول الشاعر:

إذا الجود لم يرزء خلاصا من الأذى  

فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا


2 - والتلويح لغة أن تشير إلى غيرك من بعد فإذا رأيت شخصاً بدون وضوح أو من بعيد تقول لاح لي فلان وإذا رآك كذلك قلت لحتُ له.
واصطلاحا: هو المعلوم الذي كثرت وسائطه بدون تعريض نحو:

 

ومايك فيَّ من عيب فاني  

جبان الكلب مهزول الفصيل.


فإنك تريد أن تمدح نفسك بدون أن تتعرض للآخرين فإن الإنسان المضياف وكثير الزوار والطاعمين يجبن كلبه إذ يرى كثرة القادمين وكذلك إن الفصيل أي صغير الناقة لما يرى كثرة ذبح الحيوانات ونحر الإبل يخاف فلا يسمن وإنما يهزل.
فإن ذكر جبن الكلب وهزال الفصيل يلمح إلى الوسائط الدالة على الكرم من كونه كثير الطبخ وكثرة الآكلين وكثرة العمال والشرف الذي له بذلك البذل وأولئك الأتباع وأولئك الزوار والمنتفعين.
3 - والرمز لغة وضع العلامة على شيء ترمز إليه أو تشير إشارة خفية على شيء بأي عضو من البدن كأن تمشي خطوة أو تغمز بعينك أو باليد أو بالأصبع.
وفي الاصطلاح: هو المعلومة التي قلت وسائطها واللفظ قد خفي في الإشارة إليها في التعريض كقولك فلان وثير الفراش في الإشارة انه نوام أو الإشارة إلى جمال وكثرة نسائه المضاجع لهن.
أو أن حمّامه ساخن بهذا القصد وفلان عريض القفا يعني يرمز إلى بلاهته وبلادته وفلان سميك الرأس يرمز إلى قلة فهمه وخبله أو غبائه.
وفلان عريض الوسادة للرمز إلى أنه نوام كثير النوم والكسل وإهمال العمل وفلان عريض الكف رمز أنه بطاش قاسي يضرب الآخرين وغليظ الكبد كناية عن قسوته.
وهذا كله خفي العلاقة وبعيد الملازمة ما يلفظ وما يقصد إلا أن الناس تعارف بينهم هذه الرموز فالإنسان الاجتماعي الذي يمارس حياته مع المجتمع يعرف هذه المقاصد والذي ينزوي ولا يجتمع بالناس قد تخفى عليه المقاصد والكنايات.
4 - والإيماء أو الإشارة: هو الذي أشار إلى شيء بيده أو بأصبعه أو بغيرها بوضوح في الملازمة.
كقول الشاعر:

 

أو ما رأيت المجد ألقى رحله  

في ال طلحة ثم لم يتحول


كناية عن كونهم أمجاداً أجواداً بغاية الوضوح.
وقال بعضهم:

سألت الندى والجود مالي أراكما

وما بال ركن المجد أمسى مهدما

فقلت فهلا متما عند موته

فقالا أقمنا كي نعزي بفقده

 

تبدلتما ذلا بعز مؤبد

فقالا أصبنا يا بن يحيى محمد

فقد كنتما عبديه في كل مشهد

مسافة يوم ثم نتلوه في غد

 

والكناية من الطف أساليب البلاغة وأدقها حتى قيل (الكناية أبلغ من التصريح) لأن الانتقال فيها من اللازم إلى الملزوم فهو كالدعوى مع حضور البينة.
وأنها تمكن الإنسان أن يعبر عن أمور كثيرة بدون أن يؤاخذ على قوله لأنه يستطيع أن ينكر قصد الملازمة بين قوله وبين ما يرمز إليه اللفظ والكناية تعمي سعة المقاصد المبطنة في اللفظ فلذا قيل أن الكناية هي اللفظ الدال على ماله صلة بمعناه الوضعي لقرينة لا تمنع عن إرادة المعنى الوضعي أي المعنى الموضوع له.