البحث الثاني عشر والأخير: بلاغة التشبيه:

علة بلاغة التشبيه والتأثر به هو أنه ينتقل بك من الشيء إلى شيء يشبهه وصورة بارعة تماثله وتمثله بها وكلما كان هذا الانتقال بعيداً قليل خطورة بالبال أو يصحب شيئاً من الخيال وعدم الحقيقة كان التشبيه أكثر روعة وأدعى لإعجاب نفس السامع به.
1 - فإذا قلت فلان يشبه فلان بالطول أو في العرض أو بالشكل أو بالصورة أو بالكرم أو بالأخلاق فلا غرابة ويؤتى بهذا التشبيه لمجرد التعريف والتقريب فلا بلاغة مهمة تظهر منه ولا جهد أدبي في الكلام.
2 - ولكن الروعة والجهد غذا سمعت مثل قول المعري يصف نجما

يسرع اللمح في احمرار ما تسرع  

في اللمح مقلة القضبان


فإن تشبيه لمحات النجم وتألقه مع احمرار ضوئه بسرعة لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة التي لا يقربها إلا الأديب الممارس.
3 - ومن ذلك قوله تعالى في التقريب بين الشيئين المجهولين وبينهما غاية البعد [طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ](1).
يصف شجرة الزقوم في جهنم بشيء مخيف وان كان مجهولاً.
4 - ومن ذلك أيضاً قول الشاعر:

وكان النجوم بين دجاها  

سنن لاح بينهن ابتداع


قد صوّر النجوم في الفارقة في الظلام كأنها سنن جمع سنان وهو الرمح أو السهم مبتدعة أي بارقة في خروجها من بين الظلام
أو يقصد السنن جمع سنة شرعية والظلام حولها كالبدعة في الدين ووجه الشبه الميل والاتخاذ للسنة كالميل والحب للنجم والتنفر من الظلام كالتنفر والكراهة للبدعة.
5 - وقول المتنبي:

بليت بلى الأطلال إن لم أقف لها  

وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه


يدعو الشاعر على نفسه بالبلا وهو الموت والفناء إذا هو لم يقف بالأطلال وهي ما بقي من البيوت القديمة والآثار للقدماء شوقا إلى أهلها القدماء والاعتبار بهم وجاء بهيئة قوفه هيئة غريبة كان الشحيح وهو شدة البخل إذا ضاع منه خاتم ثمين في التراب كيف أنه يحرص ويجهد حتى يجده.
تتمة - 1 - قد اشتهر: بين العرب: أن شبيه الجواد بالبحر والمطر والشجاع بالأسد
والوجه الحسن بالشمس والقمر والنهار
والشعر الأسود بالليل
والنجوم بالسهام وبالدرر والأزهار والفوانيس.
والعالي المنزلة بالنجم كقول الشاعر:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

ولا تك كالدخان لاح لناظر

 

على صفحات الماء وهو رفيع

على طبقات الجو وهو وضيع


والسيف بالصاعقة والحليم الرزين بالجبل
والأماني الفارغة بالهواء والريح والعنقاء والماء
واليد الكريمة بالسيل والبحر
والصافي باللجين وهي الفضة
والجيش الكثير بالجيش الهادر أو السيل الهادر.
والخيل السريع بالريح والبرق
والجداول بالحيات الملتوية وبطون الحيات
والأسنان البيضاء بالبرد واللؤلؤ المنتظمة
والسفن بالجبال ومنه قوله تعالى [وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ](2)
والأعلام هي الجبال
والشيب بالنهار
وغرة الفرس بالهلال.
ويشبهون الجبان بالنعامة والذبابة
واللئيم بالثعلب
والماكر الخداع بالثعلب وابن آوى
والطائش بالفراش جمع فراشة والذباب
والبليد بالعامود وبالحمار
وغير الذكي بالحائط
والقاسي بالنار والحديد والصخر
والبخيل بالأرض المجدبة الصبخة.
ويصفون رجالاً بصفات حميدة ويضربون بهم المثل
بالصبر بالنبي أيوب ع.
والزهد بعيسى بن مريم ع.
والجمال والحسن بيوسف ع.
والسجود بزين العابدين علي بن الحسين ع.
والشجاعة بعلي بن أبي طالب ع.
والإباء والشهامة بالحسين شهيد كربلاء ع.
والكريم بحاتم الجاهلي.
والوفاء قيل بالسموأل بن عاديا اليهودي وهو من شعراء الجاهلية ت 62 قبل الهجرة.
والبلاغة بعلي بن أبي طالب ع.
والخطيب بقس بن ساعدة الأيادي خطيب الجاهلية
والحكيم لقمان ع.
وكاظم الغيظ: هو موسى الكاظم(ع) إمامنا السابع ع.
واشتهر الناس بصفات ذميمة
فالمكر والدهاء بمعاوية لع.
وقبح المنظر بالجاحظ
والجبن بحسان
والعي بباقل قيل أنه اشترى غزالا بأحد عشر درهما فسئل عن ثمنه فأشار بأصبعه العشر وأخرج لسانه ففر الغزال والنادم بالكسعي وهو غامد بن الحرث خرج إلى الصيد فأصاب خمسة حمر بخمسة أسهم وكان يظن أنه لم يصب شيئاً فكسر قوسه ولما أصبح رأى الحمر مصروعة والأسهم مخضبه بالدم بعض أصابعه فقطعها من الندم.
والبخيل بمارد وهو مخارق ابن هلال بخيل لئيم
والهجاء بالحطيئة ت 40 هـ لم يسلم منه أحد فقد هجا أبويه ونفسه وأهل بيته وله ديوان شعر
والفاسق هو عبد الرحمن بن أبي بكر ذكر في القرآن بالفسق
والمفتري الفاسق وهو الوليد أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قوم فافترى عليهم فنزلت آية [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ](3).
وغاصب أرض فدك من فاطمة الزهراء(ع) هو أبو بكر أول ظالم لآل محمد صلى الله عليه وآله وحارق باب بيت الزهراء ومسقط جنيها هو عمر بن الخطاب
والشجرة الملعونة بني أمية كما في الآية
القاسي اللعين الحجاج بن يوسف الثقفي.


(1) الصافات 37/65.

(2) الرحمن جل جلاله 55/24.

 (3) الحجرات 49/6