البحث الحادي عشر: علم مما سبق أمور

1 - إن بعض أساليب التشبيه أقوى من بعض في المبالغة ووضوح الدلالة فلها ثلاث مراتب:
أ - أعلاها وأبلغها ما حذف فيها الوجه والأداة نحو: علي أسد وذلك لأنك قد ادعيت التحاد بين المشبه والمشبه به وأدعيت التشابه في كل شيء بحذف الوجه ولذا سمي هذا تشبيها بليغا.
ب - وأوسطها ما تحذف فيها الأداة فقط: نحو علي أسد شجاعة أو يحذف وجه الشبه فتقول (علي كالأسد) وذلك أن بذكرك الوجه حصرت التشابه فلم تدع للاحتمال مجالاً للنفي بأن التشابه في كثير من الصفات كما أن بذكرك الأداة نصصت على وجود التفاوت بين المشبه والمشبه به ولم تترك بابا للمبالغة.
ج - أقلها ما ذكر فيها الوجه والأداة وحينئذ فقدت المزيتين المذكورتين آنفاً.
2 - قد يكون الغرض من التشبيه حسنا جميلا وهذا هو الغرض الغالب للأدباء ومظهر بلاغة الخطباء كقول ابن نباته في فرس أغر محجل

 

كانما لطم الصباح جبينه  

فاقتص منه فخاض في أحشائه


أي أن الفرس اقتص من الصباح فأخذ قطعة منه وقد ألصقت قطعة الصباح في جبينه فصار أغراً.
وقد لا يصل المتكلم إلى مراده في وجه الشبه أو يصل إليه من بعد وهذا من التشبيه القبيح وغير المقبول.
3 - علم سبق أيضاً أن أقسام التشبيه من حيث الوجه والأداة ما يلي:
1 - التشبيه المرسل هو ما ذكرت فيه الأداة.
2 - التشبيه المؤكد هو ما حذفت منه الأداة.
3 - التشبيه المجمل هو ما حذف منه وجه الشبه.
4 - التشبيه المفصول هو ما ذكر فيه وجه الشبه.
5 - التشبيه البليغ هو ما حذفت منه الأداة وهو أرقى الأنواع.
6 - التشبيه الضمني هو تشبيه لا يذكر فيه المشبه والمشبه به وإنما يلمح إليهما ويفهمان من المعنى نحو

 

علا فما يستقر المال في يده  

وكيف نمسك ماء قمة الجبل


فالمشبه الممدوح وهو ضمير علا المستتر والمشبه به قمة الجبل ووجه الشبه تسرب الشيء منهما وعدم الاستقرار والأداة محذوفة وهذا النوع يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن ومثله قول الشاعر:

لا تنكر عطل الكريم من الغنى  

فالسيل حرب للمكان العالي


لأن القمة لا يستقر فيها الماء كما أن يد الكريم لا يستقر فيها المال.