البحث الثامن: في فوائد التشبيه:

معلوم أن الفائدة: الإيضاح والتأثير في النفوس وحلاوة الخطاب والإستيناس بالكلام وزيادة المحبة وتمتين العلاقة بين الأفراد والمجتمعات وإنما قيل للإنسان إنسان لأنه يأنس ببعضه ويجتمع إليه فيكون عوائل وأنسابا وأصهاراً وشعوبا وقبائل [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ](1)
وتحصل الفائدة من التشبيه من.
1 - بيان حاله إذا كان المشبه مبهما غير معروف الصفة فيعطي المشبه صفته حين تشبيهه بمثال آخر أو بأمر آخر أعرف منه كما إذا لم يعرف شخص كيفية شجر النارنج فيقال له أنها كشجرة البرتقال وكقول الشاعر:

إذا قامت لحاجتها تثنت  

كأن عظامها من خيزران.


إذ شبه بالخيزران من جهة لين تلويها.
2 - أو بيان إمكان حاله وذلك حين يسند إليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له ويكون الشبيه واضحاً مسلما به ليقر في ذهن السامع كقول الشاعر عن المصيبة والبلية:

ويلاه أن نظرت وإن هي أعرضت  

وقع السهام ونزعهن أليم


شبه نظرها إلى الشخص التي تريد أن تصيبه كوقع السهام وشبه انتهاءها وأعراضها كنزع السهام المغرزة في الجسم ففي الحالين مشقة وأوجاع لا تتحمل.
3 - بيان مقدار المشبه بالقوة والضعف: وذلك إذا كان المشبه معلوماً معروف الصفة التي يراد إثباتها له معرفة إجمالية. كقول الشاعر:

 

كأن مشيها من بيت جارتها  

مر السحابة لا ريث ولا عجل




فقد بين أن مشيتها التوسط
وكتشبيه: الماء بالثلج في شدة البرودة
ومثل بقوله:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة  

سوداً كخافية الغراب الأسحم


فقد شبه النياق السود بخافيه الغراب الأسود فبين مقدار السواد والخافية هي ريش مخفي تحت الجناح إذا ضم الجناح خفيت والأسحم لون السواد.
4 - أو تقرير حال المشبه في تمكينه في ذهن السامع بتشبيهه بما هو أظهر بحيث يزيد المعنى إيضاحاً.
كتمثيل عمر الصبا بالأصيل أو السحر من حيث سرعة ذهابه وقول الشاعر:

إن القلوب إذا تنافر ودها  

مثل الزجاجة كسرها لا يجبر


شبه القلوب عند التنافر بالزجاجة إذا انكسرت.
5 - أو بيان إمكان وجود المشبه حين يبدو غريباً ومستبعد حدوثه كقول الشاعر:

فإن تفق الأنام وأنت منهم  

فإن المسك بعض دم الغزال


أي أن تتفوق الأنام فلا غرابة مثل المسك الذي يحدث من دم الغزال.
6 - أو مدحه وتحسين حاله تعظيما له أو ترغيبا به واستحسانه كقول الشاعر:

وزاد بك الحسن البديع نضارة  

كأنك في وجه الملاحة خال


النضارة: الجمال والرونق والحلاء في الشخص
والمليح: الجميل والخال قطعة دم متجمد حمراء أو سوداء تكون في بعض الخدود صغيرة أو كبيرة متحدة أو متعددة وقد تزيد في الجمال لخلافها للون الخد وقد ضرب الشاعر مثال جمال ممدوحه بالخال وقال أيضاً:

 

كأنك شمس والملوك كواكب  

إذا طلعت لم يبد منهم كوكب


وقال:

له خال على صفحات الخد

والحاظ كأسياف تنادي

 

كنقطة عنبر في صحن مرمر

على عاصي الهوى الله أكبر.



الألحاظ: هي النظرات شبهها بالأسياف في حدتها وزاد في وصفها كأنها تنادي لمن لم يحب بالتكبير عليه.
7 - أو تشويه المشبه وتقبيحه أو تنفيرا ًوتحقيراً كقول الشاعر

وإذا أشار محدثاً فكأنه  

قرد يقهقه أو عجوز تلطم




وقال:

وترى أنا ملها دبت على مزمارها  

كخنافس دبت على أوتارها


شبه الأنامل كالخنافس لوساختها وسوادها تدب على أزرار الموسيقى.
8 - أو استطرافه واستظرافه ويكون فيما هو غير مألوف غالباً لإبرازه في صورة الممتنع عادة كتشبيه فحم فيه جمر متقد ببحر من المسك موجه للذهب وكقول الشاعر:

 

وكان محمر الشقيق

أعلام ياقوت نشر

 

إذا تصوب أو تصعد

ن على رماح من زبرجد



الشقيق نوع من الأزهار أحمر اللون والتصوب النظر بحدة وكذلك التصعد فصور الشاب الجميل بهذا وقوله أيضاً:

 

انظر إليه كزورق من فضة  

قد أثقلته حمولة من عنبر


والغرابة في هذا البيت وجود شيء أسود وسط مكان أبيض كحمولة عنبر أسود بزورق أبيض.


(1) الحجرات 49/13.