البحث الرابع: في تقسيم باعتبار وجه الشبه

1 - وجه الشبه هو الوصف الخاص: الذي يقصد به اشتراك الطرفين فيه كالكرم كحاتم إذا سميت به شخصا ً.
وهو إما حقيقي نحو زيد كالأسد إذا كان شديد البأس والعزم كالأسد.
2 - أو تخيلاً كقول الشاعر:

يا من له شعر كحظي أسود  

جسمي نحيل من فراقك أصفر


فإن السواد يوجد في المشبه ولا يوجد في المشبه به وإنما تخيله تخيلاً.
3 - وقد يكون كاذباً إدعائياً كتصوير الظالم مظلوما والتضاد متناسبا والخسيس شريفاً واللئيم الشحيح كريماً نبيلاً.
4 - وقد يكون هذا لا يقصد به الكذب وإنما يقصد به السخرية والتهكم كقوله تعالى [ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ]. وينقسم وجه الشبه إلى:
أول: تشبيه تمثيل وهو ما كان وجه الشبه فيه وصفاً منتزعاً من متعدد حسياً كان أو غير حسي كقول الشاعر:

 

وما المرء إلا كالشهاب وضوؤه  

يوافي تمام الشهر ثم يغيب


ووجه الشبه سرعة الفناء انتزعه الشاعر من أحوال القمر المتعددة إذ يبدو هلالاً فيصير بدراً ثم ينقص حتى يدركه المحاق ويسمى تشبيه التمثيل.
وثاني: تشبيه غير تمثيل: إذ لم ينتزع وجه الشبه من متعدد وإنما من واحد كقولك وجهك كالبدر كقول الشاعر:

 

لا تطلبن بآلة لك رتبة  

قلم البليغ بغير حظ معزل


فوجه الشبه بين القلم بغير حظ والمغزل هو قلة الفائدة
وثالث: المفصل وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه نحو: طبع فريد كالنسيم رقة ويده كالبحر جوداً وكلامه كالدر حسنا وألفاظه كالعسل حلاوة وقال ابن الرومي.
شبيه البدر حسناً وضياء ومنالا وشبيه الغصن لينا وقواما واعتدالا فوجه الشبه الحسن والضياء والمنال
والرابع: مجمل: وهو ما لم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما يستلزمه
نحو: النحو في الكلام كالملح في الطعام. فوجه الشبه هو كثرة الفائدة وصلاح الكلام كصلاح الطعام ومثل:

 

إنما الدنيا كبيت  

نسجته العنكبوت


ووجه الشبه المجمل إما أن يكون مخفياً أو ظاهراً ولكنه مشوشاً بحيث يكون أحد الطرفين يوصف بوصف يشعر بوجه الشبه ومنه ما ليس كذلك.
وخامس: قريب مبتذل: وهو ما كان ظاهر الوجه وسهل الفهم بحيث ينتقل فيه الذهن من المشبه إلى المشبه به من غير احتياج إلى تأمل ونظر لظهور وجهه بادئ الرأى لعدم التفصيل فيه كتشبيه الخد بالورد في الحمرة أو لكون وجهه قليل التفصيل.
كتشبيه الوجه بالبدر في الإشراق والاستدارة أو العيون بالنرجس وقد يحبب هذا الاسلوب من الخطيب والشاعر والكاتب الاديب.
وسادس: المبتذل الغريب: وهو واضح مثل ما قبله ولكنه فيه غرابة قول الشاعر:

 

لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا  

إلا بوجه ليس فيه حياء


فإن التشبيه للوجه الحسن بالشمس واضح ولكن نفي الحياء في الظهور للشمس صرفه من الوضوح إلى الغرابة. فهل إذا كان الجميل يظهر للشمس سقط حياؤه؟ وهل اللازم إن ذا الجمال أن يبقى مستوراً مخبئاً.
ويمكن أن يكون غرابته بسبب الجمع لعدة تشبيهات كقول الشاعر

كأنما يبسم عن لؤلؤ  

منضد أو برد أو أقاحي


فقد شبه الثغر المبتسم باللؤلؤ المنضد ثم زاد تشبيبه بحبات الثلج ثم بالأقاحي أو بزيادة شرط كقوله

 

عزماته مثل النجوم ثواقباً  

لو لم يكن للثاقبات أفول


فالشرط في الشطر الثاني أغرب بالتشبيه
وسابع وبعيد غريب وهو ما احتاج في الانتقال من المشبه إلى المشبه به إلى فكر وتدقيق نظر لخفاء وجهه بادئ الرأي كقوله

والشمس كالمرآة في كف الأشل فإن الوجه فيه هو الهيئة الحاصلة من الاستدارة والإشراق والحركة السريعة مع نموذج الإشراق حتى ترى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط ويتراجع وكيف كان فلا يصح شيء أن يكون وجه شبه إلا أن يكون في المشبه به أبين منه واضح منه في المشبه.