العلم الثاني في البلاغة: علم البيان - مقدمة

إن هذا العلم (البلاغة) هو علم لطيف وشيق للنفوس محبوب الجماهير في كل لغة إذ ترى من علمه معظماً في الأواسط الشعبية مرموقاً اسمه أنه الأديب والشاعر فلان.
وخصوصاً في الأدب العربي ومعلوم أن الأدب هو البلاغة والفصاحة ويتدرج هذا العلم بالحسن واللطافة فأول بحثنا حول الفصاحة كلمة وكلاما ومتكلما ثم تفرعنا عن الخبر والإنشاء والتصور والتصديق وأدوات الكلام أي الروابط بينها والإسناد وأحوال المسند والمسند إليه وهذا كله كان في علم المعاني.
ثم قد وصلنا إلى علم البيان وهو أكثر حسنا وأشد تشويقاً وألطف مسائلاً من الأول وسيأتي علم البديع وهو غاية في روعة التعبير وجمالاً في فصوله وبحوثه.
البيان: في اللغة الكشف والتوضيح والإظهار للمخفي.
وفي الاصطلاح البلاغي: أنها أصول وقواعد يعرف بها إيراد المعنى بطرق مختلفة وتعبيرات متفاوتة بالحسن والجمال.
ومثال على تقريب معنى علم البيان: أنه يقول أمير المؤمنين(ع) في فضل العلم والعلماء.
(العلم نهر والحكمة بحر، والعلماء حول النهر يطوفون والحكماء وسط البحر يغوصون والعارفون في سفن النجاة يسيرون).
وقال الشاعر:

العلم ينهض بالخسيس إلى العلى

 

والجهل يقعد بالفتى المنسوب


والأفضل أن يقول (بالقصيد إلى العلى) لأن الخسيس) لا يعبر عن الجاهل وإن الخسيس كلمة قاسية خارقة السوء وإن الخسيس قد يكون العالم أيضاً فالعلم إن لم يكن معه تقوى وورع وحسن خلق فلا يرفع عن الخسة.
فأنظر لتشبيه أمير المؤمنين(ع) العلم بالنهر والحكمة وهي اخطر فضيلة وأصعب منالا بالبحر وأصحابهما يشرفون عليهما أو يغوصون فيهما على حسب قدراتهم.
والعارفون راكبين سفن النجاة لأنه بالمعرفة ينجو الإنسان في الدنيا والآخرة.
وعلى أية حال فقد جاء لك الإمام(ع) بتصوير بديع ولطيف ومشوق موضوع هذا العلم: الألفاظ العربية من حيث التشبيه والمجاز والكناية.
وواضعه سيد البلغاء وإمام الفصحاء علي بن أبي طالب(ع).
أدلى به إلى ابن عباس وأبي الأسود الدؤلي.
ومن بعدهم عنى به الخليل بن أحمد الدؤلي وتتلمذ عليه كثير كما قدمنا في أول الكتاب ومن بعدهم عنى به كثير من المسلمين ومنهم أبو عبيدة كتب مجاز القرآن) والسيد المرتضى كتب المجازات النبوية صلى الله عليه وآله ثم أوسعه ونظمه عبد القاهر الجرجاني.

وتبعهم الجاحظ وابن المعتز وقدامة وأبو هلال العسكري.