البحث الأول في الإيجاز وأقسامه:

الإيجاز: من أوجز يوجز الرباعي وهو ثلاثي مزيد همزة من وجز يجز والجواز هو العبور والوجز هو العبور السريع بالتعبير اللفظي أو الحركي والرجل الوجز أو الوجيز هو القصير
والإيجاز أصلها إو جاز قلبت ياء لسكونها وكسر ما قبلها
والإيجاز بالاصطلاح: هو وضع معاني كثيرة بألفاظ قليلة
وهو إيجاز إما وافي بالغرض المقصود مع الوضوح.
كقوله تعالى: [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ].
جمعت الآية مكارم الأخلاق بعبارة موجزة ولطيفة وقوله تعالى: [أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ] وقول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
وأما غير واف بالغرض فيسمى إخلالاً وحذفا رديئا كقول الشاعر:

والعيش خير في ظلال

 

النوك ممن عاش كدّا


مقصودهُ أن العيش الرغيد للأحمق من الناس خير من العيش الشاق المعذب للعاقل من الناس ولم يف بهذا المعنى وإنما بالتفكير الكثير والملازمة نفهم تمام هذا المراد فهو غير مقبول.
نعم قد يقصد العاقل إخفاء الأمر بحيث لم يؤد المعنى المطلوب وفي القرآن الكريم آيات كثيرة بهذا المضمار مثل [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا] .
فلم يجب سؤالهم ولعلهم يقصدون كبرها وبعدها وأثارها الكونية وفائدتها للمسلمين ولغيرهم ولكن الحق أن سؤالهم وطلبهم ليس بالمهم عند الله فلذا أعرض عنه إلى ما يفيدهم من جواب وكذا قوله [يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ] .
[وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ] .
[وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا] .
وينقسم الإيجاز إلى قصر وحذف
والقصر هو ما تزيد فيه المعاني على الألفاظ ولا يقدر فيه محذوف ويسمى إيجاز البلاغة أي تضمين معاني كثيرة في كلمات قليلة من غير حذف كقوله تعالى [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ]
أي أن القاتل إذا اقتصى منه فقتل بجرمه لم يتجرأ غيره بأن يقتل شخصاً بغير حق فتحيا البشرية آمنين من بعضهم وهذا مقتض اللب أي العقل ومطلوب للعقلاء وكقول أمير المؤمنين ع: من استقبل وجوه الأراء عرف وجوه الخطأ) وسمع رجلاً يقول (اللهم هب لي حقك وأرض عني خلقك) فقال الإمام هذا هو البلاغة
وقال السمو أل وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل.
وإيجاز الحذف يكون بحذف لا يخل بالمعنى المطلوب بين الكلام وأما حذف مخل وخلاف البلاغة.
1 - والحذف إما لحرف واحد كقوله تعالى [وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا] أصله لم أكن.
2 - أو اسم مضاف كقوله تعالى [وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ] أي في سبيل الله.
3 - أو اسم مضاف إليه كقوله تعالى [وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ] أي بعشر ليال
4 - أو اسم موصوف كقوله تعالى: [وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا] أي عملاً صالحاً.
5 - أو اسم صفة نحو: [فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ] أي مضافا إلى رجسهم.
6 - أو شرط نحو: [فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ] أي أن اتبعتموني.
7 - أو جواب شرط نحو: [وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ]. أي لرأيت أمراً فضيعاً.
8 - أو مسند نحو [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ] أي خلقهن الله.
9 - أو مسند إليه كقول الشاعر:

أماوىُ ما يغني الثراء عن الفتى

 

إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر


أي حشرجت النفس يوماً.
10 - أو متعلقاً نحو [لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ] أي عما يفعلون.
11 - أو جملة نحو [كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ] أي فاختلفوا فبعث
وكذلك مثل متعلق حينئذ وعندئذ إذ المحذوف فيها عند إذا كان كذا وكذا.
12 - أو عدة جمل كقوله تعالى:[ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ]
أي قد طوى جملاً عديدة فقال لهم إنا إنبئكم بتأويله) فاستجاب لطلبه الملك وأرسله فاستأذن السجان على يوسف فأذن له وقابله فقص له حلم الملك فأجابه بهذا الجواب....
وخلاصة الأمر: أن دواعي الإيجاز كثيرة منها الاختصار.
وتسهيل الحفظ
والتقريب إلى الفهم ومراعاة ضيق الوقت
وإخفاء الأمر على غير السامع
والضجر والسآمة
وتحصيل المعنى الكثير باللفظ اليسير
ويحسن الإيجاز في الاستعطاف
وشكوى الحال
والاعتذارات
والتعزية
والعتاب
والوعد
والوعيد
والتوبيخ
ورسائل طلب الخراج.
وجباية الأعوال.
ورسائل الملوك في أقوات الشدة
والأوامر
والنواهي
والشكر على النعم
والسخط على الظلم والتعدي...


البقرة 189.

البقرة 215.

البقرة 222.

الإسراء 17/85.