تقديم العامل:

قال ابن مالك: وعامل التمييز قدم مطلقاً والفعل ذو التصريف نزراً سبقا أنه لا يجوز تقديم التمييز على عامله فلا يقال نفساً طاب زيد ولا اشتريت براً صاعاً ولا عندي دراهم عشرون وأجاز جماعة أجازوا تقديم التمييز المتصرف مثل (نفساً طاب زيد وشيب اشتغل رأسي ومنه قول الشاعر

 

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

 

وما كان نفسا بالفراق تطيب


فقدم بالفراق ونفسا وبالفراق حال ونفسا تمييز
وقوله:

ضيعت حزمي في أبعادي الأملا

 

وما أرعويت وشيباً رأسي اشتعلا



وقال ابن مالك انه قليل
وإن كان العامل غير متصرف فلا يقدم التمييز اتفاقا سواء كان العامل فعلاً مثل (ما أحسن زيدٍ رجلاً) أو غيره (عندي عشرون درهما. وقد يكون متصرفا ويجمعون على منع تقديمه وذلك مثل (كفى بزيد رجلاً وكفى متصرف وهو فعل التعجب وإذ معناه (ما أكفاه رجلاً).
ونرجع إلى الوصل والفصل في الحال فنستذكر ما يلي في مسائل
فإذا كان الحال جملة فالمضارع المثبت لا يؤتى له بواو للارتباط معنى نحو قوله تعالى: [وجاؤا وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ](1) فلا يجوز أن تقول ويبكون يجوز: قدم الأمير تتسابق الفرسان أمامه ولا يجوز وتتسابق.
هذه أولى المسائل السبع التي منع الحال من الوصل بالواو
الثانية: الواقعة بعد عاطف كقوله تعالى: [فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ].
الثالثة: الحال المؤكدة لمضمون الجملة كقوله تعالى لتأكيد الحق [ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ](2).
الرابعة الماضي التالي إلا نحو ما تكلم زيد إلا قال خيرا وقيل هنا يجوز إتيان الواو كقول الشاعر:

 

نعم امرؤ هرم لم تعر نائبة

 

إلا وكان لمر ناع بها وزرا


الخامسة: الماضي المتلو باو نحو قولهم: لأضربنه ذهب أو مكث
وقول الشاعر اً

كن للخليل نصيراً جاراً وعدل

 

ولا تشج عليه جادا وبخلا.



السادسة: المضارع المنفي بلا: نحو قوله [وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ].
[مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ] وقول الشاعر

لو أن قوما لارتفاع قبيلة

 

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب.


ثانياً علم مما تقدم أن من مواضع الوصل اتفاق الجملتين في الخبرية والإنشائية وبينهما لا بد من أمر جامع عقليا أو وهمياً أو خيالياً
فالعقلي: هو الأمر الذي بسببه يجتمع الجملتين في المسند أو المسند إليه أو قيد من قيودهما نحو زيد يصوم ويصلي ويصلي زيد ويصوم، وزيد الكاتب الشاعر وزيد ماهر وزيد طبيب ماهر.
والتماثل والاشتراك فيهما أو قيد من قيودهما أيضاً بحيث يكون التماثل له نوع اختصاص بهما أو بالقيد لا مطلق تماثل فنحو زيد شاعر وعمرو كتاب لا يحسن إلا إذا كان بينهما مناسبة لها نوع اختصاص بهما كصداقة أو أخوة أو شركة ونحو ذلك وكالتضايف بحيث لا يتعقل أحدهما إلا بالقياس إلى الآخر كالأبوة والبنون والعلة مع المعلول والعلو والسفل والأقل والأكثر.
وأما الوهمي: أمر بسببه يتوهم اجتماع الجملتين كشبه التماثل بين البياض والصفرة.
بخلاف العقل فإنه يحس أنهما نوعان متباينان تحت جنس واحد وهو اللون وكالنضاد بالذات وهو التقابل بين أمرين وجودين بينهما غاية الخلاف يتعاقبان على شيء واحد كالسواد والبياض وكشبه السماء والأرض فإن بينهما غاية الخلاف ارتفاعا وانخفاضاً.
والجامع الخيالي: وهو أمر بسببه يتخيل الإنسان اجتماع الجملتين بأن يكون بينهما تقارب في الخيال: كالقدوم والمنشار والمثقاب عند النجار والعلم والدواة والقرطاس عند الكاتب، والسيف والرمح والدرع عند المحارب.
وفي القرآن الكريم يستخدم هذه التقريبات [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ].

والمناسبة بين هذه الأمور أنها هي مظاهر للقدرة الإلهية سبحانه وتعالى حيث انطلق من أوضح شيء عند العرب وتدرج معهم مما هم يرونه.


(1) يوسف(ع) - 12

(2) البقرة 2/2.