المصلحة السلوكية:

حكم: فتح الشيخ الانصاري (رحمه الله) باباً ينقذ منه المفتون خطأ والفاعلون خطأ وهو ان اطاعة المولى فيه مصلحة وثواب معوض عن المصلحة الفائتة بسبب مخالفة الواقع ومسقطة الواجب عن الاعادة وهذه الوجهة غير بعيدة عن الشرع وميسرة على الناس كما في الحديث (جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء).
ثانياً- الاجزاء بالعمل بالأصول مع انكشاف الخطأ يقيناً


حكم: إذا فقد الدليل الاجتهادي أي الدليل النقلي القطعي أو الظني الخاص رجع إلى الأصول العملية ويسمى الدليل الفقهاتي وهي وظيفة الشاك.
والأصل أصلان: اصل عقلي قالوا هي الذي لا يتضمن جعل حكم ظاهري من الشارع كالاحتياط والتخيير والبراءة وان دعم الشرع العقل في ذلك ولكنه على نحو الارشاد كما قلنا وهو قول العقل (قبح العقاب بلا بيان).
وأصل شرعي: وهو المجعول من قبل الشرع من وظيفة الشاك وان دعمه العقل كالاستصحاب والبراءة الشرعية ومثلهما قاعدة الطهارة والحلية وعلى ذلك فالأجزاء لا يشمله قاعدة الاحتياط لأنها نقيضه سواء كانت شرعية أو عقلية وقيل ان التخيير والبراءة لا تقتضي الأجزاء لأنها تتضمن سقوط العقاب فقط فإنه يجتمع مع وجوب الاعادة ولكن هذا الكلام بعيد عن لطف وضع البراءة فإنها خصوصا الشرعية لسإنها الاطلاق ونقل عن صاحب الكفآية (رحمه الله) وتلميذه الاصفهاني (رحمه الله) القول بالاجزاء بالعمل بالاصول العملية واستدلوا(بأن كل شيء نظيف حتى تعلم إنه قذر) نزل الطهارة الظاهرية منزلة الواقعية فلا يضره انكشاف الخلاف بعد ذلك.
ثانياً- الاجزاء في الامارات والاصول إذا انكشف بأدلة معتبرة خطؤها:


حكم:- هذه اهم مسألة واكثر ابتلاء إذا الانكشاف اليقيني الذي تقدم لم يحصل الا شذوذاً بل معدوم في حال الغيبة وهذه مسألة تشمل تبدل رأي المجتهد أو تبديل المقلد بالانتقال إلى تقليد مجتهد اخر بما يتناقض فتواهما وحينئذ إذا قلد المكلف مجتهداً وعمل على فتواه فإذا انتقل إلى اخر يحكم ببطلان الفتوى للمجتهد الاخر فعلى المقلد ان يعمل بالمستقبل بفتوى المنتقل اليه ولا يبطل اعماله السابقة لأن حجة هذا المجتهد لم تكن بقوة انكشاف الواقع بل قد يكون حجة من الأول اقوى من الثاني وموافق للمشهور والاحاديث اكثر انما الاشكال في الوقائع اللاحقة المرتبطة بالوقائع السابقة فهل يتركها أو يعمل بها مثل ان يصحح مجتهد تزويج رضيعة لرضيع في بعض بعض الفروع ويتبدل فتواه بعد ذلك أو ينتقل المكلف لتقليد من يحرم هذه المرأة بحال هذه الرضاعة فهل يبقى الرجل زوجاً لها أو يفارقها؟؛ مشكل اشتهر في المواضيع كهذا المثال البطلان وفي الإحكام عدم الاستمرار في امثال هذه الامور.


حكم- لو تبدل القطع بالقطع المخالف قطع بعدم اجزاء المقطوع بخطئه سواء كان عمله بالقطع أو غيره لإنه بالحقيقة لم يفعل شيئاً بعد تبين خطأ الذي فعله ولكن لا مطلقاً لوجود العفو لبعض الخاطئين ومنهم مثلاً العامي المستبصر فإن الشرع يصحح له كل افعاله التي هي يقينا باطل وبطلإنها في اركان العبادات كالوضوء بالمسح على الخطين وعدم الوضوء للطواف وغيرها وغيرها وللشيعة الجهلة مثل ذلك من الإعفاءات.
الثاني من الملازمات العقلية غير المستقلة: مقدمة الواجب


حكم: مقدمة الواجب: اما عبادي كمقدمات الحج واما غير عبادي كمقدمات العقد والانشاء والايقاع والمقدمة اما عبادية كالوضوء والغسل والتيمم واما غير عبادية كالتطهير واللباس والقبلة والمكان والزمان والحجاب.
2- مقدمة الواجب: يثبت وجوبها من باب الملازمات العقلية فإن الله إذا امر بشيء فيلزمه وجوب مقدماته لتحصيل امر المولى.
3- ومن ذلك قسموا الواجب إلى نفسي وغيري أو وجوب نفسي وتبعي والمعنى واحد.
4- وقسموا الوجوب إلى اصلي كالصلاة والحج ووجوب عرضي كوجوب المنذور والكفارة والفدية والدية.
5- ومعنى الوجوب الغيري أو التبعي والذي يعبر عنه بالمقدمي هو الذي لا يجب الا إذا وجب ذوه سواء كان التبعي نص عليه كالوضوء والغسل أو لم ينص عليه كالحساب للعلم بمقدار الزكاة والانقاض لبضائع المقارضة(المضاربة).
6- مقدمة الوجوب: هي كما قلنا سابقاً هي ما لم يجب الواجب بدونها كالبلوغ والعقل.
7- المقدمة الخارجية السابقة: هي كما قلنا كالسفر للحج والوضوء للصلاة.
8- المقدمة الخارجية اللاحقة: يمثل لها ان ثبتت بعدم العجب بعد العمل فإنه يبطل العمل والاصح ان ينقص الثواب والعمل صحيح وانا امثل له الغسلة الثالثة بالوضوء للوجه واليدين اذ يقولون ببطلان المغسلتين حين يغسل الثالثة وقد ناقشت فيها في محله ويمثل له ايضاً بأتيان الركعات زائدة في الصلاة فإنها تبطل الصلاة التي تمت ومثلوا له بالاستحاضة يجب عليها غسل العشائين لصحة الصيام للنهار السابق ولم يثبت عندي نعم ان نبوة النبي ص واله لم تقبل ولم تكمل الابان يتعقبها ولآية الإمام علي(ع) والائمة من بعده ولذا في الحديث (لولا علي لما خلقتك ولولا فاطمة لما خلقتكما) متأمل وبالجملة فلا نتصور المقدمة اللاحقة للعمل الا المقدمة العلمية فهو صحيح مثل دخول الليل علة لعلمنا بأنتهاء نهار الصوم.
9- المقدمة الداخلة (الداخلية) ومثل له بأجزاء العمل كالقراءة والركوع والسجود.. مقدمة لصحة الصلاة عند تمامها ولكنه تعبير تسامحي.
10- الشروط الشرعية:
حكم: هي على ثلاثة اقسام شروط سابقة كدخول الوقت للصلاة والصيام والافطار والحج وغيرها.
وشروط في وقت العمل: كشروط الصلاة من اللباس والمكان والقبلة وكيفيات اجزائها وكيفية وشروط الطواف والسعي والاحرام والوقوف والرمي والمبيت والذبح الزكاة والنصاب وهكذا وشروط لاحقة العمل كما قلنا بالمقدمة اللاحقة ونقل عن بعض العلماء ان الجزء لا يكون واجباً بالوجوب الغيري وهو الحق وقال ان الشروط كالاجزاء لا تكون واجبة بالوجوب الغيري وعبر عنها(مقدمة داخلية بالمعنى الاعم) بأعتبار ان التقييد لما كان داخلاً في المأمور به وجزءً له فهو واجب بالوجوب النفسي وحصل هنا نقاش بينهم حاصله: ان الفرق بين الجزء والشرط ان الجزء يكون التقييد والقيد داخلين في المأمور به واما الشرط فالتقييد فقط يكون داخلاً والقيد يكون خارجاً) أي ان الجزء يكون من نفس ذات المركب المسمى الصلاة أو غيرها والشرط وصف على المركب اقول ان هذا متين وصحيح وواضح.
11- المقدمة المفوته:


حكم: يعنون بهذا التعبير المقدمة التي بفواتها يفوت العمل مثل السفر للحج فإذا لم تسافر قبل وقت الحج فإنك تحرم الحج فهي المقدمة التي يجب اداؤها قبل وقت ذيها وكذلك مثل غسل الجنابة قبل الفجر في صيام شهر رمضان لإنه إذا طلع الفجر بطل الصيام مع الجنابة فمن هذه الجهة فهي واجبة شرعاً وعقلاً وللاصوليين تساؤلات فلسفية ليس من اسلوبنا التدخل معهم ولكن اضرب لهم مثلاً لتقريب الحل ان الفعل التوليدي مثل القاء الانسان نفسه من شاهق في نفسه ليس بحرام ولكن بأعتبار إنه انتج الموت فاض التحريم في ذي المقدمة إلى المقدمة وان كان هو سابق على الموت بزمن وكذلك ان السفر ليس بواجب والاغتسال ليس بواجب وانما يجب ويحرم تركه بأفاضة ذي الوجوب عليه.
12- وجوب المقدمة:


حكم: اختلفوا في وجوب المقدمة شرعاً على اقوال كثيرة نقل منها المظفر(رحمه الله)(1) عشرة اقوال والاقرب ما رآها المظفر وذلك عدم وجوبها مطلقاً بالايجاب الشرعي وذلك لعدم الوجه لتوارد وجوبين على شيء واحد فإن المقدمة الوجودية واجبة عقلاً وعقلائياً فإذا امر بها الشرع فإنما ارشاد لتوقف الواجب عليها واما الثواب عليها فله وجهان: ثواب من جهة استحبابها بنفسها وثواب من جهة إنها عمل معتبر يستحق العامل عليه اجراً كما كل عمل نافع ومعتبر عقلاً وشرعاً.
بحث مسألة الضد: هل يقتضى الامر بالشيء النهي عن ضده


حكم:- الضد هو عند الفلاسفة وقرروه في المنطق الامران الموجودان الذين بينهما مرافعة ومنافرة.
وعند الاصوليين: قسموه إلى ضد خاص وهو نفسه الذي في المنطق ومثلوا له بالصلاة بالمغصوب وضد عام وهو الترك للمأمور به وانا اقرب المعنى الثاني واجلل له الاثر دون الأول.
وفسروا: الضد بالموجود المناقض والمنافر والمنافي وكذلك الامر العدمي المنافي للمأمور به أي ترك المأمور به.
والاقتضاء: وهو لا بديه النهي عن ضده أي النهي عن الموجود الناقض للمأمور به والنهي عن ترك المأمور به.
والنهي: يقصدون به الشرعي مما لا يخلوا عن بعد لأن الاقتضاء ان ثبت فهو نهى عقلي فالشرعي مرشد لحكم العقل وقال بعضهم ان الامر بالشيء هو نفسه طلب الترك فهو دال بالمطابقة وقيل ان طلب الترك هو جزء معنى الامر بالشيء فهو دال بالتضمن وقيل إنه دال بالملازمة فهو دلالة التزامية وقال المظفر(رحمه الله) (ان الوجوب سواء كان مدلولاً لصيغة الامر أو لازماً عقلياً لها كما هو الحق ليس معنى مركباً بل هو معنى بسيط وجداني هو لزوم الفعل ولازم كون الشيء واجباً المنع من تركه)(2) وظاهره ان دلالة الامر على الوجوب بالملازمة ودلالة الوجوب على المنع من الترك بالملازمة ثم صرح من ان الامر بالشيء لا يقتضي النهى عن ضده الخاص ولا العام.
نعم للامر ان يبدل التعبير بالنهي بأن يقول لا تترك الصلاة وبالجملة فالمظفر (رحمه الله) يمنع المنع الشرعي للضد العام والخاص وانما المنع للضد العام عقلاً فقط وادلة القائلين بالاقتضاء لهم دليلان: الأول التلازم وهو حق بأن الامر بالفعل يلازم ترك ضده مثلاً ان الاكل ملازم لترك الصلاة وعندهم ان الضد العام محرم منهي عنه وهو ترك الصلاة في المثال فيلزمه حرمة الضد الخاص وهو الاكل في المثال اما المظفر فإنه منع ملازمة للضد العام رأساً فأرتاح عن الخاص واما انا فإنكر ان يكون ملازمة حكم الشيء لحكم مزامنة فهو توهم بعيد عن النظر وبعبارة اخرى ان كبراه غير مسلمة وهي: ان حرمة احد المتلازمين تستلزم حرمة ملازمة الاخر فليس بينهما اتفاق بالحكم من حرمة أو وجوب أو غيرهما الا ان يكون مناط بينهما معلوم فتلتزم بالمناط ويقول المظفر (نعم القدر المسلم في المتلازمين إنه لا يمكن ان يختلفا في الوجوب والحرمة على وجه يكون احدهما واجباً والاخر محرماً لأستحالة امتثالهما حينئذ..).
اقول: اما في المتناقضين كالصلاة والاكل والحدث والصلاة فالظاهر فهو بمثابة الترك فإذا سلمنا بملازمة ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن الترك فهو يقتض النهي عن المناقض واما المتزامن كالصلاة والغصب مثلاً فلا مانع ان يكون الصلاة واجبة والغصب بالمكان أو اللباس حرام والوضوء واجب وغصب ماء الوضوء حرام فالغصب لا يسقطه عن المائية ولا يسبب بطلان الوضوء أو الصلاة وان اثم واستتبع تغريماً وبالجملة فالشيخ المظفر (رحمه الله) ينكر دلالة الامر بالشيء على النهي عن ضده الخاص وهي الاعمال التي عملها بسبب ترك المأمور به كالنوم والاكل وكذلك ينكر دلالته على النهي عن ضده العام وهو بمعنى الترك واحتج القائلون بالدلالة على النهي بوجهين:
1- مسلك التلازم: فحرمة شيء تستلزم حرمة ملازمة وفعل النوم أو الاكل يلازم ترك الصلاة وترك الصلاة حرام فالاكل والنوم حرام وهذه القضية منتجة من الشكل الأول فإذا انكرنا النهي المولوي عن الترك العام فلا نحتاج لأثبات عدم النهي عن الضد الخاص لأن بسقوط الاصل يسقط الفرع الملازم له ولا يجب اتفاق المتلازمين بالحكم لا في الوجوب ولا في الحرمة ولا في غيرهما لعدم العلم بالمناط نعم إنه لا يمكن ان تختلف احكام المتلازمين فيجب احدهما ويحرم الاخر لأستحالة امتثالهما من المكلف وبهذا بطلت شبهة الكعبي وهو عبد الله بن احمد البلخي الافغاني ت319 هـ – 931 م وهو معتزلي مؤسس فرقة الكعبية إنه ينكر المباح من الإحكام لأن العمل المباح لا بد ان يعمل في ضمن حال راجح فهو مستحب أو راجح مع اللزوم فهو واجب واما ان يعمل حال الكراهة أو الحرمة وهذا زعم باطل فإنه صحب حالاً استحبأبية أو ايجأبية وغيرهما فلا يمكن ان يتحد الحكمان وان تزامنا وترافقا.
2- مسلك المقدمية وهي دعوى ان ترك الضد الخاص أي ترك النوم مقدمة لفعل الصلاة ومقدمة الواجب واجبة فترك النوم واجب فينتج من الشكل الأول ووجوب ترك النوم ينتج حرمة تركه أي حرم ترك ترك النوم لأن الامر بالشيء يقتضي النهي عن الضد العام ولكنا قلنا لا نهي مولوي عن الضد العام فلا يحرم يحرم الضد الخاص مولوياً والرد على مسلك المقدمية ان الضد النوم كما قلناه فنؤلف قضية منطقية الصغرى: ان عدم الضد عدم المانع لضده (وهي الصلاة).
والكبرى: ان عدم المانع من المقدمات لضده.
النتيجة: ان عدم الضد (عدم النوم) من المقدمات لضده (للصلاة) من الشكل الأول بالحقيقة ان الحد الأوسط لم يتكرر وهو كلمة مانع فإن التمانع معناه في الصغرى امتناع الاجتماع مع ضده وعدم ملائمته وفي الكبرى معناه التمانع بين الضدين في التأثير وان تواجدا أو تزامنا فإن التأثير يكون للاقوى من المقتضيين.
اقول: بالاضافة إلى ذلك ان الذي يقتضي الفعل وعدمه هو عزم واردت المكلف فإذا امر المولى بالصلاة فالتحريم لم ينصب على النوم أو الاكل أو المشي أو الضحك وانما ضد الصلاة هو عدم العزم وعدم ارادة المكلف اداها واما الترك فليس هو فعل حتى يعاقب عليه وانما حاصل عدم الارادة فرفق في المسألة.


(1) اصول المظفر (رحمه الله) 1/261.

(2) اصول 1/265.