الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع:

الحق ان الملازمة ثابتة ويتوقف عليه حفظ النظام الانساني فلا ينكر ادراك العقل الا المفكك بين الله وخلقه قال الله تعالى [مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ](1) نفهم منها على نحو التوسع وبمناسبة الحكم والموضوع إنه بعرف قومه والعادات الخيرة الانسانية لقومه وبثوابتهم في عقولهم ومعارفهم والا حصلت المنافرة بين المحقين الصلحاء من الناس وبين الانبياء(ع) والتعليل الوارد عن أمير المؤمنين(ع) اكبر شاهد (انما بعث الانبياء ليثيروا للناس دفائن عقولهم) بينما بعث الانبياء للملائمة للصلاح وللصلحاء ولأقناع الطيبين من الناس بدين الله وعدالة وعصمة الرسل من قبلهم فلا وجه لأحداث المنافرة بينهم وبين المرشدين من قبل الله واي ملائمة وقول القائل العامي المعتوه: ان لله ان يرسل الصالحين إلى جهنم وسوء العذاب ويدخل الاشرار الجنة مما تنفر منه كل طبيعة انسانية وعقل طبيعي انساني وثانياً: ان العقل لو لم يدرك ألاهية الله وربو بيته ولزوم عبادته وطاعته لما امكن اثبات ذلك للعباد فلذلك اتفق الاصوليون ان الأوامر الواردة في القران بأطاعة الله والرسل والأولياء [أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأولِي الأَمْرِ مِنكُمْ](2).
إنهما للارشاد إلى ما توصلت اليه عقولهم من وجود المولى وخالقيته ورازقيته ولزوم طاعته وليست أوامر مولوية والا إذا عطلنا العقل فلم تثبت المولوية ذاتها فلا يصل للزوم اطاعة أوامر المولى فيسقط من المخلوقين الدين والتوحيد وصحة الكتب وصدق الانبياء(ع) ان اسقطت عقولهم واتباع يقينياً تهم ونتائج براهينهم العقلية وعلية فما حسنة العقل فهو حسن عند الله وما مدحه العقلاء يلازمه إنه يثيبه الله تعالى وما ذمه البشر ذووا الطبيعة المستقيمة يعاقبه الله قال الله تعالى للعقل حينما خلق العقل (اقبل فاقبل وادبر فادبر فقال له وعزتي وجلالي انت حجتي على خلقي بك اثيب وبك اعاقب).
وبالجملة: ان هناك ملاكات اختص بها الشارع المقدس ولم تدركها عقول الناس (لذا قيل(ان دين الله لا يصاب بالعقول) فإنا نمنع تدخل الناس في تحليل وتوجيه الإحكام زاعمني ادراك ملاكات الشرع وعلله التي عند الله وعند رسوله وأوليائه فإذا منع صاحب الفصول والاخباريون ذلك فهو حق والا إذا منعوا العقلاء من كل حسن وقبح وعطلوا ما تطابق عليه العقلاء بما هم عقلاء فقد عطلوا الانسانية وابدعوا خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
البحث الثاني في العقل: غير المستقلات العقلية (الملازمات العقلية غير المستقلة عن الشرع)


حكم: ان الامور المرتبطة بالشرع بحيث يستند المستنبط في اثبات حكمها ملازماً لحكم شرعي تتعلق بموضوعه:
الأول: الاجزاء: بكسر الهمزة في اجزى يجزي الرباعية بمعنى اغنى وكف وصح فإذا اتى المكلف بالعمل الشرعي من عبادة أو موضوع شرعي على وجهه وبقيوده وشروطه فقد أجزأ وحل محله وسقط عنه وهذا اعم من جواز الاعادة وعدمه كما سيأتي كثيراً في مدارج هذا الكتاب وعلى كل حال فقد اجمع الفقهاء على الاجزاء في ما آتاه المكلف على وجهه بالحال الأولي ما اداه في حال ثانوي ناقص عن الأول كالصلاة ناقصة الشروط أو الاجزاء اضطراراً أو قهراً أو جهلاً أولم يؤده جهلاً أو قهراً أو إضطراراً فهل اجزء عمله الاضطراري وسقط عنه فهذا ما اختلفوا فيه فهنا مسائل:
1- الامر الاضطراري


حكم: الأوامر الأولية بالشرع بالنسبة للصلاة مثلاً رفع الحدث الاكبر بالغسل والاصغر بالوضوء ومع الاضطرار يبدل المائية بالترأبية أو يكتفي ذو الجبيرة بغسل ما ظهر من الوجه واليد واعضاء الوضوء ويترك أو يمسح على الجبيرة في محلها فهل يجزي عمله أو يجب عليه الاعادة حين رفع الاضطرار إذا لم يفت الوقت أو حتى إذا فات الوقت أو صلاة الغريق والحريق والمقيد والمريض بدون طهارة ولا قراءة ولا قبلة... نعم إذا لم يؤد حتى ارتفع العذر في الوقت فلا ريب ولا اشكال بوجوب ادائه كامل الشروط.
الجواب إنه قد اشتهر أو اجمع على إنه إذا ادى المكلف العمل على وجهه سواء بحالة أولية أو ثانوية فقد اجزء الا ما خرج بالدليل مما سيأتي تفصيله كالمصلي بالتيمم في أول الوقت مع حصول الماء وتمكنه منه في اخر الوقت مع العلم أو بدونه فقد اختلفوا في اجزائه وكذا مثل صلاة فاقد الطهورين واستدلوا على الاجزاء بغير موارد الاختلاف بأدلة كثيرة:
أ- رفع عن امتي تسع... ما اضطروا اليه).
ب- وقوله تعالى [لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا](3)
ج- وان الادلة الواردة في الاضطرار وما شابه وردت للتخفيف والامر بالاعادة حلا التخفيف.
د- ان ادلة الاعمال الاضطرارية مطلقة ولم تقيد بحالها مثل[فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ](4).
هـ- ان القضاء لا يجب الا إذا صدق الفوت ومع الاداء فلا يصدق الفوت وازيد ذلك ان الوجوب في اخر الوقت انما يرد في ما إذا صدق عدم الاداء في أوله.
2- الامر الظاهري


حكم: هذا بحث طويل الذيل وكثير الفروع ولكن هذا الكتاب لم يعن بعلم الاصول وانما قصدنا الاشارة إلى بعض مهمات الاصول لتدريب الطلاب في الدخول بالاستدلال في الفقه الإسلامي المقدس وتوجيه مسائله الشريفة وبالجملة فقد يعنون بالظاهري هو ما ثبت بالاصول العملية الاربعة فقط وهذا ليس هنا مقصودهم وتفصيلهم وانما قصدوا بالظاهري هنا وتفريعه والاستدلال على حجيته هو كل امر شرعي ثبت بالادلة الظنية الظاهرية وجهلنا الكيفية الواقعية المرادة منا وعجزنا عن وصول المناطات الشرعية الواقعية فهل يكتفي المجتهد بالفتوى بأدلة الامر الظاهري ويكون في حقه ومقلديه منجز ومعذر ام يجب ان يحتاط اكثر من ذلك ما دام يجهل الحكم الواقعي ؟
الظاهر والمجمع عليه هو العمل بالدليل الظاهري فهو منجز ومعذر ولا تتنجز الأوامر الواقعية ما دامت مجهولة للمستدل ما لم يمكنه الوصول اليها كما قال تعالى[لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا](5).
وبالجملة فالبحث هنا فيما ادى المكلف اعتماداً على امارة خاطئة ثم انكشف الحكم الواقعي على خلافها في الوقت أو خارجه فهل يجب الاعادة أو يجزي اداؤه؟
ولا بد ان نشير هنا: أولاً ان الانكشاف اما قطعي واما ظني ايضاً بأقوى منه أو لا فلو قلنا بوجوب الاعادة خصصنا ذلك بالقطعي كما إذا توضأ بماء وصلى ثم تبين علماً بأن الماء نجس.
ثانياً لا نقول بالاعادة لو قلنا بها الا في مخالفة الشروط والاجزاء الواقعية لا العلمية فمثل لو صلى قبل الوقت أو بعدم الطهارة من الحدث يجب ان يعيد دون بعض الشروط مثل عدم الطهارة من الخبث أو بعض الاجزاء فلا يجب الاعادة.
ثالثاً- لا نقول بالاعادة عند الانكشاف مع العجز عن اداء الواقعي بسبب اخر مسبب للعجز غير الجهل الذي انكشف ثم فرق بين الجاهل القاصر والاخر المقصر وليعلم ان البحث عن تبديل التقليد من مجتهد إلى آخر أو تبدل فتوى المفتي ما حكم العمل الماضي بالفتوى السابقة وما حكم مقلديه؟
وهل يجوز الجمع بين اكثر من مجتهد يقلده المكلف الواحد وما شابه ذلك فإنه له علاقة بمبحثنا هذا ولكن تفصيله في محله.
أولاً: الانكشاف يقيناً بعد العمل بالامارة خطأ


حكم: ان الامارة اما اثبتت حكماً شرعياً عملنا عليها واما حكماً وضعياً مثل إذا صلى بدون غسل لشبهة وضعية أو شرعية ثم بان وجوب الغسل أو بان ان الماء الذي اغتسل به أو توضأ به كان نجساً قالوا بعدم الاجزاء لأن الشيعة من المخطأة بخلاف العامة لإنهم مصوبة.


(1) ابراهيم 14/4، كما في المنطق 3/341.

(2) النساء 4/59.

(3) البقرة آخرها.

(4) المائدة 5/6.

(5) الطلاق 65/7.