البحث السادس: الملازمات العقلية:

حكم: هذا المبحث خاص للاصوليين من الشيعة واشكل فيه الاخباريون ان بقي منهم احد وجحدة السنة من الاشعرية وهم اتباع المذاهب الاربعة وقبل البدء نقول ان الإحكام الشرعية تأخذ دليلها كما قلنا في أول الكتاب من القران وسنة المعصومين والإجماع ان ثبت والعقل والكتاب والسنة يستندان اما على القطع وهو حجة بنفسه واما على الظن الخاص وهو ما اعتمده الشرع دليلاً وحجة واما في مقام الظن الضعيف أو الشك فعد وضع باب الملازمات العقلية والاصول العملية الاربعة.
ومعناها: حكم العقل بالملازمة لحكم الشرع الاتيان بالمأمور به وهذه الإحكام العقلية المسماة بالملازمات تتعلق أولاً بالمستقلات وثانياً بغير المستقلات الآتي ذكرهما والملازمات نستدل عليها بالقياس المنطقي الذي هو طريق العقل والشرع وهو غير قياس التمثيل المحرم عندنا.
مثل: العدل يحسن فعله عند العقلاء وكل ما يحسن فعله عند العقلاء يحسن فعله شرعاً) ومعلوم انا لم نعتمد على فكرنا وحده وانما لنا مؤيدات وقرائن يقينية على تصحيح عمل ورؤية العقل والعقلاء ومنها قوله تعالى[وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى](1)
ومثل قوله تعالى[ذَلِكَ بِإنهمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ](2)
ومفهومها إنهم لو قالوا بالاطاعة لمن احبوا ما انزل الله وعرفوه وعملوا على ذلك فلا ضير إنهم عملوا بالحق وقوله بالمقدمة الثانية كل ما يحسن فعله عقلاً يحسن فعله شرعاً هي العمدة بالاثبات لو ثبتت وتنحصر المستقلات العقلية في مسألة واحدة حكم بحثها يتم في عدة مسائل وهي:
أ- هل للعقلاء قيم يعملون بها ويفضلون الملتزم بها ويتشرفون بالعمل عليها واخرى يقبحون العامل بها ويذمونها ويذمون العامل بها قبل التطرق للحكم الشرعي وقبل معرفة الإسلام ؟ وهذا اصل الخلاف بين اهل البيت[ b ] وشيعتهم من جهة وبين المخالفين واتباع الشياطين والسلاطين فقد جحدوا رؤية العقلاء والعقل ليحسنوّا اعمال السلاطين الفسقة ويبيضوا وجوههم القبيحة وهم يعلمون ان هناك صفات كانت الجاهلية تتشرف بها قبل مجيء الإسلام مثل اعانة الضعيف والدفاع عن المظلوم واكرام الضيف وارشاد الضال وردع المعتدي وهكذا واخرى يذمونها ويعزرون فاعلها ويضربونه.
ب- إذا قلنا بأن للافعال في ذاتها حسناً وقبحاً نسأل ثانياً فهل يستطيع العقل ان يدرك حسنها وقبحها والجواب نعم يقيناً والا لو لم يدرك العقلاء ذلك فكيف يحسنون فعل المحسن ويذمون فاعل القبيح؟.
ج- ثم تسأل ان أدرك العقل الحسن والقبيح فهل يحكم بالملازمة بين ادراكه وبين حكم الشرع في حق العباد فيأمر بما حسنه العقلاء وينهى عما قبحوه؟ وقد حكم المشهور بذلك وخالفهم الاخباريون وصاحب الفصول من الاصوليين.
د- إذا ثبت لدى العقلاء الملازمة بين حكمهم وبين حكم الشرع فهل هذا الثبوت حجة تتبع شرعاً للمتشرعين؟.
هـ- وإذا قلنا ان للشارع ان ينهى عن هذا القطع العقلي فهل نهى عن العمل به؟ قال الاخباريون نعم قد نهى اذ فسروا الحديث (ان دين الله لا يصاب بالعقول) وقولهم مرفوض فإن الحديث يقصد ما لم يدرك العقل السليم وهذا يضرب استنباطات العامة من القياس التمثيلي وما شابه زاعمين إنه مقتضى العقل وهذا الحديث يشبه الحديث عن الحائض(إذا بلغت الستين فلا ترى حمرة قط) إنه يخبر عن الطبيعة الغالبة للمرأة اليائس وليس معناه إذا رأت الحيض منتظماً فهو ليس بحيض كما قال المشهور وقد اخطأوا في ذلك.


(1) النساء 4/115.
(2) محمد ص واله 47/ 26.