قاعدة الفراغ قاعدة تعبدية أو امارة عرفية:

[حكم -23] اختلف الفقهاء في ان قاعدة التجاوز أو قاعدة الفراغ هل هي من فهم عرفي عقلائي فموارد الشكوك لا تشمله ولا تصححه كما نحن فيه أو قاعدة تعبدية شرعية.
وان قلنا انها قاعدة تعبدية سلمنا في الاغضاء عن كل ما مضى فنبني فيه على الاداء والصحة.
اقول:ان الشرع سيد العقلاء وهو الذي يوسع على المكلفين في ادراكهم للامور فيقول لكل شاك فيما مضى اغض وامض ولا توسوس ولا تحتط باداء الزائد عن اليقين
كمثال قريب عن هذا فان الرسول(ص): يأتيه الضعيف الايمان ويبالغ أو يكذب في شيء فيقول له صدقت
ويأتيه المؤمن الصادق فيقول له لم يحدث ذلك الشيء فيقول له صدقت حتى قال المنافقون (هو اذن) يسمع ويصدق كل قائل(قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)(1) وبذلك قد فوَّت الفرصة على مؤمرات المنافقين وهكذا في موارد المعاصي اذ يقول الرجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (يا رسول الله اني زنيت فطهرني؟ فيقول له:لعلك قبَّلت..)
يشكك الشخص بفعله ليحافظ على توازن الصلاح في الناس ويوسع افكار العقلاء لنحو الطبيعة الانسانية وينمي روح الخير ويطرد الوساوس الشريرة من المؤمنين ويعيشهم حالة الاطمئنان والسكينة عن انفسهم وغيرهم،
ويصحح ما مضى من اعمالهم (ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم)(2)
وهذا ليس تعبد محض وجبر على الفكر ولنما توسع في الرأي العام العقلائي ويشير الى ذلك الحديث (انما بعث الانبياء ليثيروا لهم دفائن العقول)
الثالث (من أدلة القول الثاني وهو اداء مقدار المتيقن فقط اصالة الصحة

[حكم -24] رجع الى ما ذكرنا انفا فانه يتخرج منه ان الشرع يريد منك ان لا تتعقد وتوسوس في اعمالك السابقة زيادة ونقيصة وصحة وكمالاً وانما تبني على صحة واداء ما مضى من اعمالك مما شككت فيه وقاعدة الفراغ واحاديثها وقاعدة التجاوز ومن الاجماع ان ثبت وسيرة العقلاء المرتبطين بالشرع قال الشيخ محمد حسين الاصفهاني (رحمه الله):بل السيرة قائمة على عدم الاعتناء بلالشك اذا تعلق بعباداته ومعاملاته الصادرة منه قبلا وقلما يتفق لأحد بالشك في اعماله الماضية)(3)
الرابع: النظام الاجتماعي

[حكم -25] استدل بعضهم بان ايجاب الشرع لأداء كل شكوك المكلفين وعدم التسامح معهم في سوابق اعمالهم موجب لأختلال نظام المعاش والعسر والحرج على الناس ولم يقم للمسلمين سوق اذ ما من شخص اذا تذاكر وجرد اعماله السابقة الا ويشك ويوسوس بالبطلان ولنقيصة وهذا القول هو الاقرب والاكثر انصافا.
القول الثالث: ان يقضي حتى يحصل الظن بالبراءة

[حكم -26] جمع هؤلاء الفقهاء بين اصالة الاشتغال وبين قاعدة العسر والحرج لأن التكليف بكل ما يشك به ويحتمله الانسان من اعماله الماضية انه عسر وحرج غالبا ومعلوم ان الانسان ينسى اعماله الماضية وما قصر فيها أو اتمها.
وفيه: أولاً: ان دعوى العسر والحرج وعمومها على الناس غير دقية الا ترى ان بعض العلماء يصومون اكثر ايام السنة صيفا وشتاءا وبعض العلماء يقضون عمرهم مرارا وكرارا كما اخبرنا عن اصول العلامة الحلي (رحمه الله)
فاذا تم العفو الشاذ النادر من الناس الذين يتزاحمون من اداء صلوات عديدة عم ذلك العفو لصعوبة التشخيص في مقادير حرج كل شخص ولعدم وضوح الخصوصية.
وثانيا: ما وجه الاشتغال والحال ان الشخص شاك في ايجاب تلك الزائدات عليعه
وثالثا: اشتهر شرعا من النصوص والفتاوى بان الظنون لااعتبار بها بل هي بحساب الشكوك وان الظن لا يغني عن الحق شيئا وهذا على الغالب وقد خرج منها موارد قليلة شاذة اكتفى الشرع من العباد بالعمل بالظن مثل عدد ركعات الصلاة ومثل ما يحصل بالنفس من قاعدة التجاوز والفراغ.
القول الرابع
التفصيل بين الشك في وقت لم يفت وقت الصلاة فيجب اداء كل ماشك فيه وخارج الوقت اذ شك فيه وخارج الوقت اذا شك يؤدي مقدار ما ايقن فواته فقط وايضا يجب الاداء لكل ما لم يعبر عنه بالقضاء اذا فات في وقته كالحج والخمس والزكاة وحقوق الناس.
والدليل: أن الموقت اذا فات وقته فحيلولة الوقت منعت من اشتغال الذمة به فهو شك بالتكليف واما مالم يسمى قضاء وغير الموقت والموقت اذا لم يفت وقته فالتكليف به ساري المفعول ولم يحل دونه شيء

وفيه ان قاعدة الفراغ والتجاوز تشمل الجميع الا الشك باداء الصلاة مثلا وهي في وقتها لعدم الفراغ من الوقت المخصوص لهل واما غير الموقت والذي لا يعتبر فيه قضاء فكله مشمول للتجاوز وأن المكلف كان في حينه أذكر منه حين يشك بل هو شامل لما تذكر انه كان في حين فوات الواجب غير الموقت غافلا فلا يشترط ان يكون ذاكراً حين الفوات لان تعليله(ع) انه كان اذكر منه حين يشك انما هي حكمة وليست بعلة كما قرر المحقق النائيني (رحمه الله) في الاصول وجماعة من العظماء اعتبروا ان الاذكرية في الرواية حكمة لا علة واستفادوا ذلك من مثل صحيح حسين بن ابي العلاء: سألت أبا عبد الله(ع) عن الخاتم اذا اغتسلت؟ قال حوله من مكانه وقال في الوضوء تدره فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك بأن تعيد الصلاة)(4)


(1) البراءة 9/61

(2) الاعراف 7/157

(3) نهاية الدراية3/312

(4) الوسائل ب41ح2 الوضوء عنه البيان 4/116