القول الثاني: التخيير مطلقاً

[حكم -12] هذا القول غير مشهور قديماً ولا حديثا وادلته

1- بناء العقلاء:وهو واردر على التساقط

اذ التساقط موضوعه الشك وعدم الدليل وبناء العقلاء هو دليل
فالقضية تشكل هكذا من الشكل الأول:
إن بناء العقلاء دليل شرعي/ وهو مقدم على الأصل مطلقاً فبناء العقلاء مقدم على أصل التساقط
وأخيراً يمكن أن نلجأ لقضية الخبرين المتعارضين
فعن الكليني (رحمه الله): بسنده عن العالم(ع) (...بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم)(1)
وعن داود بن حصين عن أبي عبد الله(ع) (... اذا ورد عليكم عنا الخبر فيه باتفاق يرويه في النهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً أو بأيهما شئت وأحببت موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله(ص) والرد إليه وإلينا..)(2)
خبر الاحتجاج عن توقيع (..فاذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت)(3) وعن الحارث بن المغيرة عن ابي عبدالله(ع): اذا سمعت من أصحابك الحديث وكلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم فترد اليه)(4)
وعن احمد ابن الحسن حديث طويل كثير الفائدة في اختلاف نقل الحديث ننقله لك اكثره مع بعض الشرح.
عن الامام الرضا(ع) قال:
(إن الله حرَّم حراما وأحل حلالاً وفرض فرائض فماجاء في تحليل ماحرم الله أو تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم أي ثابت بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لايسع الاخذ به لان رسول الله(ص) لم يكن ليحرم ما احل الله ولا يحلل ما حرم الله ولا ليغير فرائض الله واحكامه) بل (كان في ذلك كله متبعا مسلماً مؤدياً عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة. قلت: فانه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول الله(ص) مما ليس في الكتاب وهو في السنة ثم يرد خلافه؟ فقال كذلك قد نهى رسول الله(ص) عن اشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجباً لازماً كعدل فرائض الله فوافق ذلك امره امر الله فما جاء في النهي عن رسول الله(ص) نهي حرام ثم جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك وكذلك فيما أمر به (لأنا لا نرخص فيما لم يرخص فيه رسول الله(ص) ولا نأمر بخلاف ما امر به رسول الله(ص) إلا لعلة خوف ضرورة فأما أن نستحل ما حرم رسول الله(ص) أو نحرم ما أستحل رسول الله(ص) واله فلا يكون ذلك أبداً لأنا تابعون لرسول الله(ص) مسلمون له كما كان رسول الله(ص) تابعاً لأمر ربه مسلماً له وقال الله عز وجل [وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا] وان الله نهى عن اشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ثم رخص في ذلك للمعلول وغير المعلوم فما كان عن رسول الله(ص) نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه إذا ورد عليكم عنا الخبر فيها باتفاق) من الرواة (يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين مغروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً أو بأيهما شئت وأحببت موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله(ص) والرد إليه والينا وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول الله(ص) مشركاًً بالله العظيم فما ورد عليكم من الخبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله....)(5) (...وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن أو لى بذلك ولا تقولوا فيه بارائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا))(6)
[حكم -13] في كتاب لعبد الله بن محمد الى ابي الحسن(ع):(اختلف اصحابنا في رواياتهم عن ابي عبد الله ع: في ركعتي الفجر في السفر فروى بعضهم صلّها في المحمل وروى بعضهم لا تصلِّها إلاّ على الأرض فوقَّع(ع) موسع عليك بآية عملت)(7).
فهذه الاخبار والتخيير فيها هي أصل للفتاوى ومناطها موجود فيها قال الشيخ الانصاري (رحمه الله): (لو قيل بالتخيير في تعارضها أي تعارض الخبرين من باب تنقيح المناط كان حكمها حكم الخبرين لكن فيه تامل)(8) واشكل المشهور بهذه الادلة بالتشكيك في بناء العقلاء، وعدم إحراز المناط، وعدم كونه مصداقاً للخبرين، ولكن هذه الشكوك ضعيفة.
القول الثابت الترجيح وهو ا- اما بالترجيحات الواردة المذكورة آنفاً ب-وإما بمطلق الترجيح ج- وإما بالأوثقيَّة فقط، والاختلاف في افراده.

[حكم -14] قال الشيخ:كما في إجراء التراجيح المتقدمة في تعارض الأخبار مثل الأعدلية والأصدقية والأفقية والافقهية.
وعن بعضهم: عدم التأمل في جريان جميع احكام الخبرين من الترجيح فيها بأقسام المرجحات مستظهراً عدم الخلاف في ذلك.
وقال المحقق العراقي: ثم انه بعدما تلونا عليك هذه الاخبار- اخبار الترجيحات - ويبقى الكلام في أنه هل يجب الترجيح بجميع هذه المرجحات أولا يجب الترجيح بها أو يفصل بينها بوجوب الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة وعدم وجوبه في غيرهما؟ فيه وجوه وأقوال: أقواها الأخير)(9).   
أقول: ان الفقهاء ربما ناقشوا حين سرد الترجيحات ولكنهم في الاستنباط يلاحظون كل الترجيحات وتراهم يتبارون بينهم بان هذا ترجيح ام لا وذاك ارجح ام هذا ارجح وهكذا، إن لم يستطيعوا ان يجمعوا ومما يهون الامر ان موارد الاشكال والاخبار المتناقضة بحيث لا يمكن الجمع بينها جداً قليلة ومحلولة ومذابة في باقي الادلة غالباً.
ب- القول الثاني: هو العمل بمطلق الترجيح في نقل الفتاوى اذا كان متناقضاً متضاداً كما هو في الروايات المتضاربة حسب رأينا ومما نراه من المستنبطين حين الاستنباط قال في البيان: (واما الترجيح بمطلق الترجيح حتى بغير المنصوص فلم أر من قال به هنا بل في نفس الخبرين ايضاً لم يلتزم به مثل الشيخ الذي ذكره في الرسائل أي حتى مثل الشيخ (قده)انتهى أيده الله.
أقول سبحان الله الم يرجحوا في عشرات الموارد بين الأخبار المشكلة سندا أو متناً.
بالاصول العملية، والقواعد الفقهية وتاريخ إلقاء الحديث ويحاسبوا على الكلمات فيرجحوا اسلوب رواية على آخر والكلمات الاقرب من اسلوب رواية، ويجعلوا كل ذلك وغيره قرائن التقريب والتبعيد، وحتى لذلك جعلوا مناط أعلمية مجتهد على آخر ويشير اليه الحديث الشريف (انتم أفقه الناس اذا عرفتم معاريض كلامنا) فإذا لم تكن القرائن العقلائية والاشارات التي يفهمها الأدباء والمثقفين بالدين والتاريخ واللغة فاي شيء يكون دليلاً على الفقه وكيفية استنباطه.
ج- القول الثالث وهو الترجيح بخصوص الأوثقية عن السيد ابي الحسن الاصفهاني (رحمه الله) فقد علق على هذه المسألة بقوله اذا تساويا في الوثاقة والا فيؤخذ بنقل من يكون أوثق).


(1) الوسائل 9/19 صفات القاضي

(2) الوسائل 9/21صفات القاضي

(3) الوسائل 9/40 صفات القاضي

(4) الوسائل ب9ح41 صفات القاضي

(5) الوسائل ب9/ ح21 صفات القاضي.

(6) الوسائل ب9/ ح21 صفات القاضي.

(7) الوسائل ب9/ ح44 صفات القاضي.

(8) فرائد الأصول 4/158

(9) البيان 4/346 عن نهاية الأفكار 4/189.